النشاط الثقافي والفني في المدارس… غيابٌ أفسح المجال للابتذال

29
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• في زمنٍ ليس ببعيد، كانت المدارس السودانية تمور بالحياة الثقافية والفنية والرياضية. الجمعيات الأدبية، المسرحيات المدرسية، كورالات الغناء، معارض الفنون، والبطولات الرياضية، كلها شكّلت جزءاً حيّاً من ذاكرة أجيال كاملة. لم تكن تلك الفعاليات مجرد أنشطة ترفيهية، بل أدوات تربوية فاعلة، تُسهم في تكوين الشخصية، وتهذيب الذوق، وتعزيز الإبداع والثقة بالنفس.

لكننا اليوم نواجه واقعاً تعليمياً خالياً من هذا المحتوى الوجداني. النشاط الثقافي والفني في المدارس يكاد يكون منعدماً، إن لم يكن ممنوعاً في بعض الحالات. ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب، أبرزها: تهميش الأنشطة اللامنهجية في السياسات التعليمية، الخطاب الديني المتشدد الذي حرّم الموسيقى والمسرح، ضعف الإمكانات المادية، وغياب المعلمين المؤهلين. يُضاف إلى ذلك التأثير السلبي لإعلام سطحي روّج للابتذال بوصفه فنّاً.

وقد أدى هذا الغياب إلى نتائج كارثية على الذوق العام. فالأجيال الجديدة باتت تنفر من الشعر الحقيقي والموسيقى الراقية، ولا تعرف شيئاً عن المسرح أو الأدب السوداني. في المقابل، انتشر الفن الهابط، والكلمة السوقية، والمظهر الزائف، وعمّ فراغٌ رمزيٌّ لا يُستهان به.

استعادة هذا الدور ليست مستحيلة. ما نحتاج إليه إرادة جادة لإدماج الأنشطة الثقافية والفنية في المنهج، وتأهيل المعلمين، وتنظيم مهرجانات مدرسية دورية، وإشراك الفنانين والمبدعين في تدريب الطلاب، وتحفيز المجتمع المحلي على المساهمة والدعم. وما زالت الحقيقة الماثلة تؤكد أن الشعراء والفنانين والمبدعين من الملحنين ولاعبي كرة القدم، بل وفي كل المجالات، كانوا معلمي المدارس في مراحلها المختلفة.

فالمدرسة ليست فقط لتدريس العلوم، بل لترقية الذوق، وصناعة الإنسان الواعي، المتذوق للجمال. غياب الفن من المدرسة هو تغييب لقيم الحوار والتسامح والخيال والابتكار؛ ولن تُبنى الأوطان بكوادر أكاديمية فقط، بل بعقول متفتحة، وقلوب حسَّاسة، وأرواح قادرة على الحلم.

فلتعد الموسيقى إلى الفصل، وليُرفع الستار مجدداً على مسرح المدرسة… فربما في صفوفنا الآن شاعر كبير أو فنان عظيم، ينتظر فقط فرصةً للانطلاق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *