نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

• من؟! أنا؟! أعشقه؟!

أنكرت فعلتها، مستهجنةً ملامحها التي فضحت ما اتُّهمت به؛ زاد خافقها صخبًا، حدَّ التلعثم، فأصاب شفتيها بجفاف لم يُجدِ معه لعق لسان كاذبٍ إدلاء نكرانه.

نعم، كنتُ أعشقه. زاد همس حنينها عبراتٍ كابدت لإخراسها، حين همهم داخلها : ‘بل ما تزالين’.

عشقٌ صَيَّرك المتيَّمة بيوسفها. عشقٌ وهبكِ كل شيء، ومنحكِ تفاني العطاء. عشقٌ تجمّلتِ به حد ابتسامةٍ سكنتْكِ بالفطرة. عشقٌ يسكن شهيقكِ، تشبثاً كمفارقٍ لا يقوى على تخبئة دمع تلويحته.

عشقٌ، كلما زفرتِ آهات فقدانه، اشتعلتِ حرقةً وندماً.

رجلٌ يسكنكِ حقيقة لا مهرب منها، رغم توالي السنين.

تنهدتْ لذاتها، يتسلل من إنكارها تمردٌ أوهمها النسيان.

كنتِ جميلةً به. ارتخت ملامحها باطمئنانٍ كفاها شرّ تصنُّعٍ حملته مقاومة إنكارٍ لحقيقةٍ ثابتٍ اتّهامها.

عدَّتْ سنين عجافها منذ رحيله، وثمانٍ سمان كان بقربه يُفسِّر أحلامها واقعاً يُغنيها حد الاكتفاء.

قميصُ عِشقه ردَّ بصر الفرح إليها يوم صارت عزيزة قلبه.

قدَّ الحزنُ قميصها من دبرٍ، قطَّع سكين فراقه قلبها.

لم تكن امرأةَ سوء، لكن بحثها عن شبيهه جعلها تتسوَّل العِشق.

ألقتهُ يمَّ الفرح، وتركها تهزُّ جذع صبرٍ يرميها حزناً وألماً.

عشقتَهُ، وما زلتُ أعشَقه، ولن أعشق سواه.

هكذا كانت تصدُّ كلَّ عاشقٍ بعيونٍ تحمل صورة رجل لا يبارح ملامحها، وإن بارحها.

أظنه يتذكرني الآن.

بلا شك، كنا دائماً نتفق بتوارد الخواطر.

أحسَّت بوخزِ ألمٍ يساورها شكه : ‘ومتى تخلّيتُ عن ذكراه .. إن كنتِ بذاكرته، لما تحمَّل هذا الغياب؟

كادت أن تبكيه. قاومت دمعها بيقين : ‘لن يرميني للنسيان’.

ورغم كل شيء، عادت تطالعُ صورتَه، تبثُّه شوقَ حنينٍ تلثمه به، تعاتبه كطفلٍ لقيطٍ، عن سرِّ وحدته وضياع ما يملكه الجميع ويتمناه، بوجع المستحيل.

يعودُ ناقوسُ الخطر يدق أجراسه بظنٍّ يقصمها :

‘أنسيتَ عشقي لك ..؟!’

تناولت مظروفاً تدس فيه رسائله … ‘ما زال عطرك فيها’، هكذا همست ابتسامتها لصورة وجهه، قرأتها كحديث صوته حين بوحٍ شفيف : «لن أتركك أبداً».

استوقفتَها المأساةُ.

ذرفته دمعاً سخيناً بنحيب.

نظرت إليه بكامل قسوة جريح : ‘أنت تكذب، بل كاذبٌ أنت. لماذا تركتني، وأنت من أغرى خطو وحدتي للرحيل؟ وأين عهدك، وأنت الذي تُوفِي العهود؟ .. نعم، أحبك، وما زلت، لكن .. خيرٌ لي أن أعشقك ببُعدِك، كي لا يفقدني قربك قوة عِشقٍ

أخافُ عليه من ظنونٍ توسوسني بها وحدتي :

«سيرحل ذات نسيان».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *