
حسن عبدالرضي الشيخ
كاتب صحفي
• في خضم الأزمات التعليمية التي تعصف بالسودان، تبرز مسألة تأهيل المعلمين كأحد المحاور الجوهرية لإصلاح النظام التربوي، وبخاصة في مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط.
وقد شهد هذا المجال تحولات جذرية خلال العقود الماضية، من أبرزها الانتقال من نظام دبلوم معاهد التأهيل التربوي إلى نظام بكالوريوس كليات التربية. ورغم ما يبدو من حداثة وتطور في الشكل الجديد، فإن التجربة على أرض الواقع تستدعي الوقوف والتأمل، وربما إعادة النظر.
أولاً: معاهد التأهيل التربوي – تجربة عملية واقعية
كانت معاهد التأهيل التربوي، المنتشرة في مختلف ولايات السودان، تمنح دبلوماً تربوياً في مدة لا تتجاوز السنتين، بعد الثانوية، وتخرّج معلمين مؤهلين بشكل عملي مباشر.
وقد تميز هذا النظام بما يلي:
تركيز شديد على الجانب التطبيقي: يدرب الطالب على إعداد الدروس، وصياغة الأهداف، وتحضير الوسائل التعليمية اليدوية البسيطة، إلى جانب ممارسات تدريس فعلية في المدارس، غالباً تحت إشراف معلمين مخضرمين.
حضور قوي لعلم النفس التربوي وإدارة الصف: كانت المواد التربوية تحتل موقع الصدارة في البرنامج.
تخريج معلمين في وقت وجيز لتغطية الحاجة التعليمية، دون إغفال الجودة والكفاءة.
هكذا، كان خريج معاهد التأهيل يدخل الفصل وهو يعرف كيف يبدأ الدرس، وكيف يتفاعل مع التلاميذ، وكيف يواجه مشكلات الصف، بل وكيف يصنع وسيلته التعليمية من أدوات بسيطة.
ثانياً: بكالوريوس كليات التربية – توسع في المحتوى، ضعف في التدريب
أما الآن، فقد استبدل بهذا النظام نظام البكالوريوس التربوي لمدة أربع سنوات، داخل كليات التربية التابعة للجامعات. ورغم ما يوفره هذا النظام من توسّع معرفي وأكاديمي، إلا أنه يعاني من ثغرات حقيقية، منها:
ضعف الجانب العملي: قلّما يجد الطالب فرصة حقيقية للتدريب الميداني المكثف، وإذا حصلت فهي محصورة في فصل دراسي واحد، دون إشراف جاد أو تغذية راجعة فعّالة.
طغيان الجوانب النظرية: مما يجعل الطالب يغرق في مفردات أكاديمية بعيدة عن الواقع التعليمي في الفصول السودانية.
عدم اتساق مخرجات كليات التربية مع واقع التعليم في المدارس، من حيث الإمكانات، والوسائل، واحتياجات التلاميذ.
وقد أدى ذلك إلى تخريج معلمين يحملون شهادات عليا، لكنهم يفتقرون للمهارات الصفّية الأساسية.
ثالثاً: لماذا لا نجمع بين الحسنيين؟
في ضوء المقارنة أعلاه، يبدو أن نظام معاهد التأهيل التربوي قد كان أكثر عملية وكفاءة في إعداد المعلم السوداني، بينما نظام البكالوريوس يعطي امتداداً معرفياً أعمق لكن دون تدريب كافٍ.
فلماذا لا نعيد إحياء النموذج القديم، مع تحديثه؟
وذلك من خلال:
١. العمل بنظام الدبلوم لمدة سنتين، يتم فيه التركيز على الإعداد العملي والتربوي المكثف.
٢. ثم فتح المجال أمام المعلمين لإكمال البكالوريوس أثناء الخدمة أو بعدها، في كليات التربية، فيتم الجمع بين المهارة الأكاديمية والتأهيل التربوي الحقيقي.
٣. تعزيز الشراكة بين وزارات التعليم والجامعات والمعلمين ذوي الخبرة في تطوير برامج التأهيل.
ختاماً
ليست العبرة في عدد سنوات الدراسة، ولا في نوع الشهادة التي يحملها المعلم، بل في مدى قدرته على أداء دوره داخل الفصل بفاعلية وتأثير.
وقد أثبت التاريخ القريب أن خريجي معاهد التأهيل – رغم قلة الإمكانات – كانوا أكثر رسوخاً في الأداء التربوي من كثير من خريجي البكالوريوس الحاليين.
فهل نملك الشجاعة لمراجعة المسار، والاستفادة من تجاربنا السابقة؟
ربما يكون البناء على دبلوم التأهيل كأساس، والبكالوريوس كامتداد، هو الطريق الأمثل لتأهيل معلم سوداني جدير ببناء الأجيال القادمة.
شارك المقال