د. عبدالمنعم

د. عبدالمنعم سليمان الحسين

كاتب صحفي

 • أزيز الطائرات وضجيجها، وانفجار المقذوفات، وانهيار البنيان على رؤوس السكان، يحاول إخماد أنات المغمورين تحت ركام الأنقاض، ولكن هذا الصلف والعربدة الإسرائيلية في قطاع غزة، والوحشية التي مزقت الأشلاء، وحرمت الأحياء من الوصول إلى الغذاء، لم تفلح في إخماد صوت الحق المجلجل لناشطين أحرار، هالتهم فظاعة هذا الحصار الذي منع الحليب عن الأطفال والغذاء عن الكبار.

هؤلاء الناشطون أقض مضاجعهم أنين الصغار من الجوع والحصار، ودموع النساء من فقد الأحباب، والأعزاء، والرجال، حفرت خدودهم دموع القهر من تقاعس الأمة، وأهل الجوار من الفزعة، وما أغلى دموع الرجال.

مادلين هذه هي أول فتاة  فلسطينية احترفت صيد الأسماك، وقد فقدت والدها في الحرب وفقدت مهنتها، وقد ألهمت قصة الفتاة هذه مجموعة من الناشطين من دول أوروبية عددهم اثنا عشر ناشطاً وناشطة، لقيادة أسطول الحرية على متن السفينة مادلين، وحمّلوها بمساعدات رمزية لكسر الحصار الغاشم الظالم على غزة، وأبحرت سفينة أسطول الحرية من ميناء كاتانيا بإيطاليا، بقلوب منفطرة حزناً لما يجري من حصار وتجويع جائر للغزاويين، وللفت أنظار شعوب العالم للثور الإسرائيلي الهائج، الذي لم يبق على قطعة من الخزف في متحف الإنسانية المدجج بأيقونات حقوق الإنسان. 

أبحرت السفينة وشعوب العالم تتابعها تعاطفاً، راجية لها كسر الحصار، والضبع الإسرائيلي يتشمم، ويلقاها في المياه الدولية ليعتقل أفرادها ويمنعها من كسر الحصار، ولكنها عملياً قد كسرته وألبست الطوق المكسور عنق هذا الضبع المتوحش، ليختنق من خلال أصوات شعوب العالم في تظاهراتها، واعتصاماتها، وفي إسبانيا شارك الملك والملكة شعبهما المعتصم تضامناً بقرع الطبول معهم على هذا الحصار والتجويع. 

بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي، في منصة الاحتفاء به من قبل جامعة مانشستر، ومنحه شهادة فخرية، تكلم عن الرعب الذي يصيبه كلما تقع عيناه على بنتيه، وتطفر الدموع من عينيه، للجوع، والقتل الذي يعاني منه أطفال غزة، وحكى للمستمعين من المنصة قصة الحريق الذي حلَّ بغابة، والذي تسبب برعب شديد لكل الحيوانات بعد أن حاصرها الحريق من كل جانب، وأصبحت الحيوانات يائسة بلا مساعدة، ولكن العصافير الصغيرة حلقت في السماء وبدت ترش على الحريق مياهاً ضعيفة، كمحاولة لإطفاء الحريق، وعندما رأى الثعبان هذا الجهد من العصافير ضحك وقال لإحدى العصافير (ماذا تفعلين يا عصفورة… لن تطفئي  الحريق أبداً) وقد أجابته العصفورة الصغيرة (نعم أعلم) وهنا رد الثعبان: (حسناً ماذا تفعلين إذاً؟) فردت العصفورة وقالت (أنا أقوم بدوري، وأسجل موقفاً).

الضبع الإسرائيلي المتوحش يظن أن قلوب الشعوب، قد أغلقت بالضبة والمفتاح، ولن تنبض غضباً من وحشيته، وعنجهيته في غزة، وها هي قافلة صمود أخرى تتحرك براً بالبصات لكسر الحصار، غير أنها في سيرها، يحاصرها بعض المرعوبين، ولكن صوتها الهادر يكسر حصار الخوف، وها هو الضبع المغرور، وثعلبه الأمريكي المكار يفتحان جبهة إيران، لتزمجر الصواريخ المدمرة هنا وهناك، وبعد وقوع الفاس في الرأس، أحس الضبع أنه قد يتوحل في مستنقع أكثر لزوجة، فلأول مرة يرى الدور تتهدم على رؤوس ساكنيها، والحرائق تشتعل في الديار، وثلاثة أرباع الشعب في الملاجئ، وقد كان الدمار والحرائق هذه لعبته قبل ذلك وما زالت في غزة، والثعلب الأمريكي المكار يفكر حالياً في التهدئة، ولكنه يهز ذيله في قفص المفاوضات، لأنه يعلم أنه في خضم هذا الدمار المتبادل سهر المفاوضات ولا نومها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *