• أهاتف أختي و أخواني الذين رفضوا الخروج من السودان و تحديدا من مدينة ( أم درمان ) منذ بداية هذه الحرب اللعينة متى ما توفرت الخطوط و سخا الحظ فأبادرهم بالسؤال : كيف الحال ؟
يردون : نحن بخير
(و أنا أعلم أنهم ليسوا كذلك)
يسألوني : كيف الحال؟
ارد عليهم : أنا بخير
( و يعلمون أنني لست كذلك)
أهاتف أختي التي إستقرت في إحدى الدول العربية هي و زوجها و صغارها ، بعد رحلة أهوال طويلة في قري و مدن عدة داخل و خارج السودان
أسألها : كيف الحال ؟
ترد : نحن بخير
( و أنا أعلم أنهم ليسوا كذلك)
تسألني : كيف الحال ؟
أجيبها : أنا بخير
(و هي تعلم أنني لست كذلك)
أتصل بصغاري المقيمين في دول الصقيع و البرد و الوحدة العظيمة. أسألهم و قلبي يعرف الإجابة مسبقا : كيف الحال ؟
ترد على صغيرتي بصوتها الدافئ : أنا بخير ماما
و يرد أخوها بضحكته البحر: كلو تمام يا ست الحبايب
( و أعلم أنهم ليسوا كذلك)
يسألوني : كيف الحال ؟
ارد عليهم – كل مرة – من بين سحابات دموعي : أنا بخير
( و يعلمون أنني لست كذلك)
الحياة مستمرة ، لا تتوقف لحزن أحد و لا لفرح أحد و تحت زخات الرصاص و دوي الدانات و حفلات الموت المستمرة ، تنتهي حكايات و تزهر أخرى ، تولد قصائد و تموت أغنيات و الحنين يصلبنا جميعا على حافة الجرح و لا يصمت النزيف حتى مطلع الملح في حلوقنا أو عيوننا – لا فرق – فالعطش يسكنها منذ الأزل و النيل بعيد !!!
في كل مرة يقولون : نحن بخير
في كل مرة أقول فيها : أنا بخير
أبكي و تضحك الحياة
أضحك و تبكي الحياة
لا أهرب من العتمة و لا أخشاها، اغوص فيها، أبحث فيها عن نقطة الضوء التي اشتهيها، ففيها التقيهم، ألتقيني. أعثر على قلبي المفقود و روحي (المشحتفة) منذ عقود. معا نهزم قبح هذا الواقع المرير، تحلق أرواحنا في اللامكان و اللازمان، تتعانق ، ثم تقول وداعا مرة أخرى في مفترق طرق يعيد كل منا إلى حيث شاء له القدر أن يكون في الوقت الحالي، لكننا دومآ نلتقي و لقاؤنا لا ينتهي
الحرب مستمرة و حكاياتنا مستمرة و الحياة مستمرة
. ( لسنا بخير ) لكننا أحياء و محاطون بالحب و القلوب الطيبة . ربما تكتب لنا النجاة من هذا الطوفان و ربما لا !!!! لكننا ما زلنا نقاوم الغرق و نلوح لنقطة الضوء التي تلوح في البعيد ، البعيد.
شارك المقال