قصة قصيرة جديدة: صورة (سلفي)

11
كمال حمزة باشري

كمال حمزة باشري - القاهرة

• لشدما أعربت عن إعجابي بالمترو في القاهرة كلما جاءت سيرته علي لسان أحد ما، كنت أردد و أكرر أن المترو في مصر أهم من أبو الهول بتاريخه الموغل في القدم و أقول إنني لو كنت صاحب قرار لما ترددت في إزاحة أبو الهول عن مكانه إذا دعت الحاجه الي مرور أحد خطوط المترو بموقعه..

كنت أستخدم المترو غالبا في مشاويري  لأنحاء القاهرة لا أحيد عنه إلا إذا لم يكن متوفرا في الوجهة التي أريد و هذا لا يحدث الا في بعض المرات القلائل و كان الزهو يملأ أفكاري عندما أكون في إنتظاره في بعض المحطات و أري عرباته المزدحمة بالركاب و بعض الباعة المتجولين يصيحون بداخله يعرضون بضائعهم البسيطة بأثمان بخسة و بعض المتسولين بقصص مختلفة يروونها بأساليب دراماتيكية مقنعة و يحصلون علي كثير من (الفكة) التي سريعا ما يدسونها بين  أثمالهم البالية..

كنت أقارن بيني و نفسي عظم الخدمة التي يقدمها المترو للملايين الذين يستخدمونه يوميا و كم يدر علي خزينة الدولة مقارنة بتكلفة تشغيله و أتذكر ذلك الحجر القابع في طرف الصحراء ينتظر السواح ليقتطع منهم بعض الدولارات الموسمية التي ربما لا تتعدي منصرفات إدارة السياحة في كل عام.. 

إعتدت أن أمسك بهاتفي النقال في وضع رأسي و انا آخذ مكاني داخل المترو لأسباب أعتقد أنها صحية فقد كنت قبل هذا أستشعر بعض الآلام في الرقبة بعد الانحناء لمدة طويلة علي الهاتف الذي أشاهدة و أتعامل معه في وضع أفقي تحت الصدر و خفت أن يتسبب ذلك في مشكلة صحية لقضاريف الرقبة و كنت كثيرا ما أري بعض الناس و هم يلفون حول أعناقهم تلك الكولر الطبية لتمنعهم من انحناء الرقبة بعد إصابتهم بمشاكل في قضروفها و ما زلت أحافظ علي وضعيتي الرأسية المستقيمة كلما قمت بإستعمال هاتفي النقال في أي مكان..

بعد عام من وجودي في القاهرة و بينما كنت في المترو في طريقي الي المعادي التي التحقت فيها بإحدي الكليات العلمية لتعزيز خبراتي المعرفية و العملية مما جعلني أستخدم المترو يوميا تقريبا لقرب المحطة من الكلية و لم يحدث أن لاحظت أن هناك تكرار في الوجوه التي كانت تمر أمام ناظري من حين لآخر و لكن في هذه المرة إنتقلت فتاة جميلة من المقعد المواجه لمقعدي و جاورتني بعد ترجل الشاب الذي كان يجلس بجانبي في إحدي المحطات و بصوت غاية في التهذيب همست بقرب أذني :

هل كنت تلتقط لي بعض الصور بكاميرا هاتفك؟

بدهشة لا تخلو من الاستنكار أجبتها:

ولم قد أفعل ذلك؟

قالت أنه تصادف أن جلست قبالتي قبل هذا في مرة سابقة و إستشعرت إنني ربما أقوم بأخذ صور لها لكنها ترددت في الحديث معي عن الامر و لكن بعد أن تكرر ذلك اليوم فقد أصرت في دواخلها أن تتحقق من ذلك.. 

• بإبتسامة خفيفة علت ملامحي فتحت صفحة الاستديو في هاتفي و ناولتها الهاتف و طلبت منها أن تشاهد بنفسها آخر الصور التي إلتقطتها إلا إنها إعتذرت بلطف عن القيام بذلك و هي تدفع الهاتف بلطف بأصابعها الرقيقة وهي تردد:

• العفو.. العفو.. و انا آسفة لو تسببت لك في بعض الحرج.. 

• قلت لها بإصرار لابد أن تأخذ الهاتف و تراجع الصور الاخيرة حتي تربئني من ظنها فأمسكت به لثانية لتري آخر صورة إلتقطها لي أحد زملاء الكلية بهاتفي و انا منغمس في المعمل اتفحص بعض الاجهزة أمامي و أعادت لي الهاتف وهي تقول :

• ياااااه.. إنها صورة جميلة

• شكرتها و شرحت لها لماذا أمسك بهاتفي بتلك الوضعية فإستحسنت الفكرة.. 

• لم أغضب منها لهذا التصرف فقد كان أسلوبها ملفتا برقته و التهذيب و بعض الحياء الذي يغلف وجهها إذ لم تجرأ علي رفع نظرها ناحية وجهي بل راحت تكرر إعتذارها و تقول لي :

• سامحني.. سامحني.. أرجوك

• قلت لها أن الامر طبيعي لفتاة في عمرها تريد أن تحمي نفسها في مجتمع تكاثرت فيه أسباب التحرش و التغرير بالفتيات و أن لها الحق في أن تتصرف بهذه الطريقة.. 

• كان المترو قد وصل الي محطة المعادي و لما أردت وداعها رأيتها تتنهض و تتجه معي ناحية الباب و نزلنا سويا فأمسكت بيدي و أخذتني الي المقاعد علي طرف الرصيف و جلسنا و تبادلنا بعض الحديث و عرفنا أنفسنا و بادلتني رقم هاتفها و قالت لي :

• هل تسمح لي بأخذ صورة (سلفي) معك..

 

شارك القصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *