كسر الأعناق بإطار السيارة الحقود 

179
د. عبدالمنعم

د. عبدالمنعم سليمان الحسين

كاتب صحفي

• يا لبشاعة هذا المنظر، وعنق ذلك الأسير المتوسل تحت رحمة ذلك الإطار الحقود، ومن يتحكمون في المقود والإطار يتلذذون بالتوسل، ويهللون ويكبّرون ترقباً لكسر عنق ذلك الأسير.

من أين أتى هؤلاء الأوباش القتلة، المجرمين المتآلفين مع الموت والأذى، المتلفحين عباءات البشاعة، لا ندري من أين أتى هؤلاء الأوباش القتلة، فهذا الرحم السوداني الذي أنجب دكتور عبدالله الطيب، مبدع اللغة العربية وحافظ أشعارها ومفسّر القرآن الكريم، وبروف محجوب عبيد عالم الفيزياء وعلوم الفضاء الذي تتهافت عليه الجامعات في كل أنحاء العالم، ووكالة ناسا، والطيب صالح ابن امبكول الذي جعل المطابع في بريطانيا وكل دول أوروبا وآسيا وإفريقيا تطبع له موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين، ومريود. ودور النشر تنشرها وتوزعها مترجمة إلى كل اللغات.

هذا الرحم قد ولد القاضي دشين قاضي العدالة في مدني، وبروف التجاني الماحي، المولود في الكوة بالنيل الأبيض، وهو أبو الطب النفسي في إفريقيا، ومستشار الصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية، أين هؤلاء من بروف أحمد حسن الفحل، كلية الطب جامعة الخرطوم الذي شمله تصنيف جامعة ستانفورد العالمي للعلماء والباحثين، ليكون ضمن أفضل الباحثين في العالم. 

أين هؤلاء من كمال عبدالوهاب دكتور الكرة السودانية، الذي كان يحاور الباكات في خط ستة، وينتزع الآهات في العرضة شمال والعرضة جنوب قبل أن تلج الكرة الشباك.

أين هؤلاء من محمد وردي والقمر بوبا عليك تقيل، وعبدالعزيز محمد داؤود وما زلت أذكر خصلة عربيدة فوق الجبين، ومحمد الأمين ويا معاين من الشباك، يا أحلى زول شفناك، ومصطفى سيد أحمد والبت الحديقة الفاردة أنسام في طريقها. 

أين هؤلاء من إدريس جماع، وأنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا، وعلي المساح ونغيم فاهك يا أم زين دواي، وهاشم صديق 

((لما شُفتِك

ليلِي ضوَّ وبَقَّ نور

ونرجس الجنة المفرهد

رفّ بي جِنحَات عطور)). 

كيف يسلط هؤلاء البندقية على فريع بان الجمال السوداني وحميد يقول 

((لو ألقى بندقيَّة

حأكتِّل البنادق

إذا تخون قضيَّة

وشعاعاً أصلو شارق

عشان حشا البنيَّة

يدفِّي ما يدافِق

وبدل خطا أرزقية

يجي المطر يساسق

لكل مشرقيَّة)). 

كيف يا هؤلاء تدوسون عنق أسير تحت إطار سيارة تزمجر حقداً،  وأوداجكم تنتفخ سروراً وفرحاً مع توسلات أسير لا يملك شيئاً لإطار عبأتموه حقداً ليغتال نفساً لا مسمار لديها لتثقب به هذا الإطار الجائر. 

لماذا برعنا في فصد خد جمال الوطن، وتشويه نوناته الفي وجناته؟ ولماذا أفزعنا العصافير في أعشاشها، وقطعنا نغم العندليب الشجي عند الضفاف، وأسكتنا صوت النعام آدم المتوافق مع أنين السواقي، ما دام طار جنى الوزين يا داب قلّ نوم العين؟

لماذا في خلاوي دارفور لوثنا ألواح الحيران بلون الدماء القاني بدلاً عن العمار الفاحم السواد الذي خط على اللوح بقلم البوص المغموس في الدواية الآية الكريمة التي تقول 

((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)). 

وقد اختلط في لوح حوار الخلوة لون الدم بلون العمار ولون الدموع، بعد أن بكت الدواية.

لماذا في بشاعة ودون رحمة نصفي الآمنين في دارهم بزعم أنهم متعاونون دون محاكمة ودون دليل وبينهم رضيع، وهل يتعاون الرضيع الذي سلاحه للبقاء في هذه الدنيا ثدي عامر بالحليب.

 لماذا في سهول كردفان وقيزانها خنقنا حنجرة عبدالقادر سالم وهو يردد 

((اللوري حلّ بي 

دلاني في الودي 

جابني للبرضاه 

العمري ما بنساه)). 

ولكننا وبكل أسف قد نسينا الود والتسامح، وعبأنا الكنانات بأسهم الحقد، وبتنا ندوس الأعناق بإطارات الحقد، ونعقب ذلك بالتهليل والتكبير، كأننا قد حررنا بيت المقدس. 

هل تبلدت الأحاسيس وتخربت القلوب لنسمع التهليل، والتكبير لاغتصاب الحرائر، ونهب الدور والممتلكات، وبقر البطون، وكسر الأعناق دهساً بغير رحمة؟

يا لهفي على هذا الوطن!! متى تصفو سماؤك وتسع أرضك في سلام تظلله الحمائم كل أبنائك؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *