الجنيه السوداني في مهبّ أزمة الطاقة: سيناريوهات قاتمة حتى نهاية 2025

58
محمد كمير جاهز

محمد كمير

كاتب صحفي

• يشهد السودان أزمة اقتصادية مركبة، تتسارع فيها مؤشرات الانهيار المالي بالتوازي مع صدمة متجددة في قطاع الطاقة. فالضربات المتكررة التي تنفذها الميليشيات المسلحة على مستودعات الوقود والبنية التحتية في بورتسودان ومدن استراتيجية، قد شلّت الإمدادات الحيوية، ما فاقم نقص المحروقات، ورفع أسعار الوقود إلى مستويات غير مسبوقة في السوق السوداء.

ووفقًا لتقارير ميدانية نشرها موقع سودان تريبيون في مايو 2025، فقد استهدفت مسيّرات مستودعات الطاقة الرئيسية في بورتسودان، مما تسبب في تعطيل الإمداد لعدة أيام، مع تدمير جزء كبير من صهاريج التخزين. هذه الأحداث أدخلت البلاد في أزمة طاقة خانقة، أصابت كافة القطاعات بالشلل، وأدّت إلى انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي والصناعي على حد سواء.

تشير تقديرات نشرها موقع Erem News إلى أن إنتاج السودان من النفط الخام تراجع إلى ما دون 30 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ67 ألف برميل قبل اندلاع الحرب، وهو ما يجعل الدولة عاجزة عن تلبية حتى الحد الأدنى من احتياجاتها المحلية، ويضطرها إلى استيراد كميات كبيرة من الوقود بالدولار، في ظل شحّ احتياطيات النقد الأجنبي وتراجع الصادرات.

وسط هذا الواقع، لم يعد هناك من خيار سوى التوجه إلى الطاقة البديلة. فقد ازدهرت مؤخرًا أسواق الألواح الشمسية والمحوّلات وبطاريات التخزين، رغم ارتفاع أسعارها. ووفقًا لتقرير صادر عن Africa Energy Portal في مارس 2025، فإن واردات السودان من مكونات أنظمة الطاقة الشمسية ارتفعت بنسبة 160% خلال الربع الأول من هذا العام، وهو ما يشكّل ضغطًا إضافيًا على الطلب على الدولار، حيث تُدفع غالبية هذه المستوردات بالعملة الصعبة.

أدى هذا الاتجاه إلى استنزاف متزايد في النقد الأجنبي، وسط غياب شبه كامل للصادرات الصناعية. فحتى التحويلات الخارجية من المغتربين، والتي يقدّرها البنك الدولي بنحو 1.3 مليار دولار سنويًا، لم تعد كافية لتغطية فجوة الاستيراد، خاصة مع تزايد الحاجة إلى حلول الطاقة البديلة في ظل شلل المحطات الحرارية وغياب الوقود.

كل هذه العوامل تنعكس مباشرة على الجنيه السوداني. فمع بداية أبريل 2025، بلغ سعر الدولار في السوق الموازية نحو 2600 جنيه، وتشير التوقعات إلى إمكانية تجاوزه حاجز 4000 جنيه بنهاية العام، إذا لم تحدث تدخلات عاجلة. وبحسب تحليل لصحيفة الراكوبة في أبريل 2025، فإن معدل التضخم بلغ نحو 218% ومن المتوقع أن يتجاوز 300% مع نهاية العام، ما يعني تآكلًا سريعًا في القوة الشرائية للعملة المحلية.

لحساب هذه التقديرات، استُخدمت معادلة بسيطة تستند إلى معدل التضخم وتوسع الكتلة النقدية مقارنة بالنمو الاقتصادي الفعلي. فإذا زادت أسعار السلع والخدمات بنسبة تفوق 60% سنويًا، بينما لم تزد الصادرات أو تدفقات الدولار، فإن قيمة الجنيه ستتآكل بنفس النسبة تقريبًا. وبمعادلة تقريبية:

سعر الدولار المتوقع = السعر الحالي × (1 + معدل التآكل السنوي)،

أي: 2600 × (1 + 0.55) = حوالي 4030 جنيهًا نهاية 2025.

ويُتوقع أن يستمر هذا المسار نزوليًا ليبلغ الدولار ما بين 5500 إلى 6000 جنيه في أوائل 2027، خاصة إذا استمرت عمليات طباعة العملة لتمويل العجز الحكومي، مع بقاء الاقتصاد في حالة ركود حاد، وانعدام الإنتاج الزراعي والصناعي، وهو سيناريو لا يمكن فصله عن الواقع اليومي للأسواق السودانية.

قد يكون التوجه للطاقة الشمسية خيارًا استراتيجيًا لا مفرّ منه، لكنه في غياب تمويل دولي حقيقي أو خطط إنتاج محلي للمكونات الأساسية، سيزيد الضغط على العملة الوطنية ويزيد من عجز ميزان المدفوعات. في ظل هذا الواقع، تحوّل الدولار إلى ملاذ آمن، لا فقط للمدخرين بل أيضًا للمؤسسات والشركات التي تحتاج لشراء الطاقة أو استيراد مدخلات الإنتاج.

إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، تشمل إعادة هيكلة الاقتصاد، وتحفيز الصادرات، ودعم الإنتاج المحلي للطاقة البديلة، فإن الجنيه السوداني سيظل في مسار انحداري مفتوح، لا يوقفه سوى معجزة اقتصادية  تعيد الاستقرار والثقة للأسواق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *