المدنيون، دُمى دامية في ميادين حفلات الدم بمناطق النزاع!

65
أحمد محمود كانم

أحمد محمود كانِم

كاتب صحفي

• في مراسلة  نصية مع أحد الأقارب، الذي ما انفك عالقاً في مناطق النزاع؛ وتحديداً تلك التي  شهدت معارك ضارية مؤخراً بين القوات المسلحة ودعمها السريع… يفاجئني بصورٍ دامية، تظهر شيئاً من ملامحه، وأجزاء واسعة من جسده شبه المغطى بالدماء!

ليرفق معها شرحاً موسعاً، يفيد بأن هذه الآثار جاءت نتيجة لسلسلة من جلسات التعذيب الذي تعرّض له أثناء محاولته الهروب من مناطق سيطرة الدعم السريع إلى مناطق سيطرة الجيش.

وما إن استطاع الإفلات من هناك بعد اعتقال امتد بضعة أيام، حتى حملته قدماه المثخنتان بالجراح إلى مناطق سيطرة الجيش.

لكنه فوجئ بذات المشهد يتكرر معه… لكن هذه المرة على أيدي قوات الشعب المسلحة، التي لطالما تمنى تقدمها لتحريره من قبضة الدعم السريع طوال فترة بقائه هناك.

لم تشفع له تلك الإصابات والجروح الغائرة الظاهرة،  التي تقشعر لها الأبدان!

بل لم تشفع له حتى خدمة والده في الجيش، والذي لا يزال مرابطاً به كأحد جنوده المخلصين منذ اندلاع الحرب.

الواقع الآن في مناطق الصراع في السودان، هو أن المواطن الذي يحظى بقدرة جسدية ومادية، ويحاول الهروب من المناطق الخاضعة لطرف نحو مناطق سيطرة الطرف الآخر، فيوقعه حظه في نقطة ارتكاز أحدهم، يكون هدفاً مشروعاً وصيداً سهلاً للاتهامات بالتجسس لصالح ذلك الطرف، طالما هو في طريقه إلى هناك…

فيُصبح جزاؤه الفوري أن يُقتل، أو يصلّب، أو يُسلب منه كل ما يملك.

وعند الوصول إلى أول نقطة ارتكاز للطرف الثاني، تتم معاملته بذات التهمة ونفس الجزاء، طالما هو قادم من مناطق سيطرة العدو!

ذات الأمر ينطبق على أولئك المواطنين الذين عجزوا عن الفرار من تلك المناطق حتى دخلها أحد الطرفين؛ فيتم التعامل معهم على أنهم متعاونون مع الدعم السريع أو الجيش… 

وهكذا يصبحون فرائس تتلقفهم أنياب القطط من جهة، ومخالب الصقور من جهة أخرى.

لا أنكر بأن لكلا الطرفين جواسيسه ومصادره المزروعين في مناطق سيطرة كل منهما، لكن لا يعني ذلك أن جميع المواطنين المحاصرين بتلك المناطق يدينون بالولاء أو الانتماء لذلك الطرف.

بل حتى إن ثبت تورط أحدهم في التعاون مع ذلك الطرف، فالمحاكم العسكرية هي وحدها المسؤولة عن محاكمتهم، واتخاذ أي اجراءات قانونية بشأنهم، وليس كما اعتدنا على مشاهدتها من حفلات الدم والتمثيل بالجثث؛ التي ما فتئت تقام بالساحات العامة، في كل مرة يدخل فيها الدعم السريع أو الجيش إلى إحدى المناطق…

حتى بات من العاديات جداً أن يشاهد الناسُ جثثاً بالعشرات ملقاة في العراء، لمواطنين أبرياء، لمجرد الظن باحتمالية أنهم متعاونون مع أحد الطرفين.

مع أن الظن لا يغني من الحق شيئاً.

والمحزن حقاً هو أن بعضاً من تلك الأفعال الدامية، يتم توثيقها عبر كاميرات الفاعلين أنفسهم، بغرض التباهي والتشفي!

وهي التي تصلنا.

أما ما  خفي عنّا فهو الأشد بشاعة وشناعة.

فمتى يعقل الفاعلون بأن المواطن مهما كان انتماؤه الإثني أو خلفيته اللونية والمناطقية، فهو مجرد مواطن لا حول له و لا قوة فيما يجري؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *