ملازمة واجب التكليف لِرَفَد التشريف

296
البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• جعل الله التكليف ملازماً للتشريف، ومضت سنته عز وجل في خلقه أن من يمنحه تشريفاً يزده تكليفاً، وذلك حاضر في كثير من الأمثلة؛ أبرزها ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكليف، فقد فرض عليه قيام الليل فرضاً (يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا)،  بينما هو نافلة لسائر المسلمين دونه صلى الله عليه وسلم. وكذلك أُمِر بقتال المشركين ولو كان وحده، ولا يجوز له الفرار وحاشاه أن يفر، وأُذِن لعموم المسلمين أن يفرِّوا من القتال إذا كان تعداد العدو أكثر من ضعف تعدادهم. وحُرِّم أكل الصدقات عليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وأبيح أكلها لغيرهم. 

ومن الأمور التي تتجلى فيها قاعدة التكليف والتشريف مفهوم قوامة الرجل على المرأة، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، والقوامة هي ولاية يفوض بها الرجل للقيام على أمر زوجته، والمحافظة عليها بالتوجيه والإرشاد والتأديب والأمر والنهي، تفضيلاً من الله عز وجل بالصفات والأعمال، وبإنفاقه عليها. وقال أبوبكر بن العربي إن التفضيل هنا قائم على ثلاثة أمور وهي:

1/ كمال العقل والتمييز. 

2/ كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم. 

3/ بذله المال من الصداق والنفقة، وقد وردت صراحة في الآية. 

إذاً فهي كذلك تكليف وتشريف. 

أيضاً يرد مفهوم التشريف والتكليف في علاقة الحاكم بالمحكومين، فإنه شُرِّف من بينهم بالولاية عليهم، وتبعاً لذلك كُلِّف بتسيير أمورهم وتيسيرها. وكان الخلفاء الراشدون حين يتولون الخلافة يشيرون إلى واجب التكليف قبل نيل حق التشريف، وهذا المعنى ظاهر في خُطبهم رضوان الله عليهم، كخطبة أبي بكر: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، وخطبة عمر: (وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم: إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف). وخطبة عثمان: (أنتم إلى إمامٍ فعّال أحوج منكم إلى إمامٍ قوّال). وخطبة علي: (إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم)… (وإِنِّي حاملكم على منهج نبيّكم، ومنفذ فيكم ما أمرت به اِن استقمتم لي وبالله المستعان).

ومن هذه الأمثلة يتضح أن هذين الأمرين متصلان ببعضهما لا يفترقان، ومحاولة التفريق بينهما أفسدت على الناس دنياهم، فإن كثيراً ممن يتولون المناصب يطلبون التشريف ولا يقومون بتكاليفهم الموكلة إليهم، فلا يرى أحدهم هذه الوظيفة أو هذا المنصب إلا غنيمة يظفر بها، وجاهاً يعلو به على الخلائق، ولا ينظر ما وراء ذلك من حاجات الناس واحتياجاتهم؛ على الرغم من أن ذلك من صميم تكليفه.

وكذلك في أمر القوامة ظهرت نابتةٌ تفسِّر القوامة وفق هواها على أنها تكليفٌ للرجل بالإنفاق من غير وجوب الطاعة له في المعروف، وما يريدون إلا دَك القِيم وتفكيك الأُسَر لهدم المجتمع المسلم من داخله.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *