البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (13)

84
المتعاونين
Picture of أ. د.  سعد يوسف عبيد

أ. د. سعد يوسف عبيد

• (الشكوك تقترب من اليقين) •

• حديث جليسي قوى الشكوك عندي و عند بقية الجلساء حيال (x)  فأصبحنا قريبين  من الإيمان بأن (x)  وراء اعتقال الأولاد و بدأت في مراجعة سلوكه في حوادث كثيرة مرت بنا .. وصاح جليسي في وجهنا قائلاً :

المهم أنا كلمتكم .. أعملو حسابكم .. أعملو حسابكم من الزول ده قبل ما يوديكم كلكم في داهية .. يا أخي الزول ده قبل كدة ما …

فقاطعه أحد الجلساء قائلاً:

أسكت .. أسكت .. (x)  وصل .. بكون سمعنا .. 

وكان (x) بالفعل قد وصل قريباً منا كأنما الأرض قد انشقت وخرج منها .. فانبرى آخر لتغيير الموضوع قائلاً بصوت عالٍ:

قالوا فرن العباسية اشتغل

ده كلام ساكت

ما كلام ساكت أنا لاقيت ناس شايلين رغيف سألتهم قالو من فرن العباسية

و هنا وصلنا (x)  و جر كرسي ليجلس عليه و قال :

السلام عليكم

فلم يرد عليه أحد سواي إذ واصلت المجموعة حديثها :

طيب ما دام شغال ما نمشي نشيل رغيفنا منو

قالوا بشتغل بعد العصر

وقاطعهم (x)  بسؤاله:

إن شاء الله عندكم أخبار كويسة عن الشباب ديل 

ما في أي أخبار .. إنت ما عندك أخبار؟

و الله أنا من أمبارح متحرك في الموضوع ده

فسألته :

وعرفت شنو ؟

عرفت إنهم اعتقلوهم في الخور وودوهم الإرتكاز الكبير في الدوحة ومن هناك رحلوهم المعتقل .. أفتكر إنهم حالياً معتقلين في الإذاعة و ح يفكوهم قريب إن شاء الله

و هنا انبرى له جليسي بالسؤال :

و إنت المعلومات دي كلها جبتها من وين ؟

بالتلفون .. اتصلت على واحد صاحبي ساكن في الدوحة جنب الارتكاز .. قال شافم بي عينو لمن رحلوهم  .. لكن ما ح يعملو ليهم حاجة مجرد تحقيقات وخلاص وإن شاء الله يتفكو قريب 

و رد عليه جليسي بسؤال ذي معنى مكون من كلمة واحدة :

متأكد ؟

و قبل أن يرد .. هب أحدهم واقفاً و قال :

يا جماعة أنا سامع لي كركبة في شارعنا ما يكون ده بيتنا 

و أسرع خارجاً وتبعه الآخرون .. فكأنهم يفرون من (x)   الذي تركوه لي وحدي ..  مرت فترة صمت طويلة ظللت خلالها واجماً .. و كأن (x)   قد شعر بحرج الموقف فهب واقفاً وقال لي :

ما تقلق يا حاج .. إن شاء الله الشباب ديل يبيتو هنا .. أنا متأكد إنهم ما ح يلقو عليهم حاجة .. مجرد أسئلة ويفكوهم .. وأنا ح أواصل إجتهاداتي.

غادرني وتركني أتابعه بنظري و هو يبتعد عني و يلتفت نحوي بين الفينة والأخرى حتى اختفى في الزقاق ..حدقت فلم أكن أرى شيئاً .. شُل عقلي فتوقف عن التفكير .. ظللت على ذات الحالة ساعات لا أدري عددها .. والغريب أن شارعنا لم يمر به الغزاة طيلة ذلك اليوم ، بل كانت أصوات كسر الأبواب تأتيني من الشوارع الأخرى..

و في المساء حضر بعض الجلساء حاملين معهم وجبة العشاء و كانت عبارة عن ( بليلة ) و أجبروني على تناولها فتناولت معهم ملعقتين لم أزد عليهما إذ لم أتمكن من الإبتلاع إلا بعد جهد كبير.. فكانتا أول شيء يدخل جوفي منذ ظهيرة الأمس.

  غادرني الرفاق .. وجلست وحيداً لبعض الوقت ثم دخلت البيت و تكرر معي ما حدث في الليلة السابقة .. لم أنم وقضيتها متحركاً بين الغرفة و الباب الخارجي لكنني عزمت على أن أذهب في الصباح إلى الإذاعة لأعرف إن كان الولدان في ذلك المعتقل مهما كلفني الأمر..

عند الفجر عادت الكهرباء وكان تيارها أقوى من المعدل فاحترقت غالب لمبات البيت .. ومع شروق الشمس عادت المياه لكنها كانت ضعيفة فانشغلت بملء الأواني .. و الاغتسال .. ثم ارتديت ملابسي عازماً الخروج ذهاباً إلى الإذاعة .. أحسست بالإرهاق فاضجعت على السرير لآخذ قسطاً من الراحة يعينني على تحمل المشوار راجلاً من بيتي إلى الإذاعة ..المسافة بين بيتي و مباني الإذاعة لم تكن طويلة لكنها تستغرق زمناً طويلاً  لأنه في مثل هذه الظروف لا يمكن سلوك الطريق المستقيم المعتاد إذ تقتضي الحيطة والحذرالمرور عبر عدد من الأزقة في طريق متعرج. 

 لم اتمدد على السرير إلا دقائق معدودة كانت كافية لوضع خريطة لخط سيري من البيت إلى الإذاعة.

نهضت متعجلاً  ووضعت بطاقاتي وجواز سفري في جيبي وحرصت على أن لا أحمل في جيبي أي قدر من النقود تحسباً من النهب أثناء عمليات التفتيش في الارتكازات . ثم توكلت على الله عازماً  الخروج .. وقبل أن أغادر الغرفة سمعت طرقاً على الباب و محاولات لفتحه .. عندها أحسست بكم كبير من الإحباط و اليأس إذ أيقنت بأنه لابد أن يكون بالباب وفداً جديداً من الغزاة و هذا يعني حبسي عن تنفيذ خطتي في الذهاب إلى الإذاعة.

و .. نواصل

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *