مطار بورتسودان: صالة المغادرة.. وطيران تاركو

109
عمر غلام الله

عمر حسن غلام الله

قاص وكاتب صحفي

• صالة المغادرة تجاور صالة الوصول.. وهذه مثل تلك لا توجد عربات للأمتعة، فقط في أيدي العمال، فإما استئجارهم بمبالغ عالية، وإما حمل امتعتك من السيارة للصالة.. الإدارة تحابي قلة من الأفراد على حساب آلاف المسافرين، أو ربما تخاف هؤلاء القلة! نحن السودانيين هينين، وعارفين البير وغطاها.. لكن ماذا عن الأجانب؟ 

عند المدخل تجد حواجز في شكل Zigzag واحد رايح وواحد جاي، يصطف فيها المسافرون ليدلفوا بعدها إلى داخل الصالة، حيث كاونترات الخطوط الجوية الممتدة في خط مستقيم، تسبقها ماكينة تغليف الأمتعة، وفي نهاية الكاونترات يوجد مكتبان.. هذه الصالة واسعة نسبياً مقارنة بصالة الوصول.

بعد تغليف أمتعتنا توجهنا صوب كاونتر رحلتنا على طيران تاركو المتجهة إلى الرياض.. عندما وصلنا إلى الموظف طلب تأشيرة الخروج والعودة السعودية- ولم أكن طبعتها اعتماداً على أن كلّ شيء موجود في السيستم، ويمكن لشركات الطيران الوصول إليه- لذا لجأت إلى تطبيق «أبشر»، وأنصح كلّ مسافر بأن يطبع تأشيرة الخروج والعودة، فأحياناً لا تستطيع الدخول إلى تطبيق «أبشر» لسبب فني، أو لعدم وجود شبكة، أو لعدم وصول الرسائل التي تحمل الرقم السري للدخول.

ثم طلب مني موظف الكاونتر كرت الحمى الصفراء- وكنت قد قرأت في التذكرة وجوب استخراجه، إلا أنني استبعدت جدية المعلومة، وكذلك أفادني قريبي بأنه يمكن إصداره من المطار- وأكد لي الموظف ضرورة استخراجه وإلا فلن يكمل إجراءات السفر.. وأشار لي إلى أحد المكتبين في نهاية الصالة، فتوجهت صوبه، وكان عدد من المسافرين يقفون أمامه بلا نظام- عادي في بلادي- وعلمت من بعض الذين يقفون قبلي أن رسوم الكرت 27,000 ألف جنيه، وأنهم يقبلون الكاش، وعندما حان دوري فاجأني الموظف بأنه لا يستلم كاش! مما اضطرني للتوجه نحو المكتب الثاني المجاور له وانتظار دوري- في غير صف منتظم كالمعتاد- ثم السداد عبر التطبيق من الموبايل، ومن ثم الرجوع للمكتب الأول والوقوف من جديد في اللاصف، بانتظار دوري مرة أخرى لتسليم الجواز وسند الرسوم، ثم الانتظار فترة من الزمن لتسلّم الكرت.. وقلت لزملائي المسافرين إن هذا الكرت لن يسأل عنه أحد في السعودية، لهذا فأنا اعتبره مصدر جباية فقط.. ولو كانوا أضافوه لسعر التذكرة لكنا وفرنا الزمن الضائع في إجراء عقيم (قاطعنو من راسهم).

أنهيت إجراءات وزن الأمتعة، وتوجهت إلى صالة الجوازات، حيث يسار الداخل كاونتر به موظفان، أحدهما يتفحص الجواز، ويطلب من الشباب شهادة إعفاء من الخدمة أو دفع الرسوم عبر الموظف الثاني الجالس بجواره، ثم بعده كاونتر به موظفو الجوازات، الذين يختمون لك ختم الخروج، وعلى يمينك تجد جهاز كشف الأمتعة بأشعة إكس، وقد سألني موظف جالس بجانبه عن العملات التي أحمل، فأخبرته، فلجأ إلى آلة حاسبة بيده وحسبها، فسألته كم المبلغ الذي يُسمح أن أخرج به، فقال لي 5,000 دولار أو ما يعادلها.

هذه الصالة التي بها الجوازات وتوابعها وجهاز الكشف ذكرتني بصالة القدوم، إذ ليس بين ما ذكرت من المكاتب والجهاز إلا خطوات.. ثم عبرنا بوابة بها جهاز الكشف الشخصي إلى داخل صالة متسعة بها مقاعد انتظار للركاب في آخرها بوابة المغادرة، وفي أولها الحمامات- يوجد ثلاثة حمامات (صالة القدوم بها اثنتان) وثلاث مغاسل- وأذكر أن أحد الركاب مد يده لعلبة سائل غسيل الأيدي فقلت له مازحاً: (أنت متفائل خالص).. وبالفعل.. لم ينزل منها شيء.. وللأمانة في حمامات صالة المغادرة هذه لم اشتم رائحة النشادر النفاذة كتلك التي بصالة الوصول.

كانت الصالة غاصة بالمسافرين، وبالكاد وسعتهم؛ وهم ركاب رحلتين، رحلة للدوحة ورحلة للرياض، غادر ركاب الدوحة أولاً ثم جاء دورنا ووقفنا في صف لقص بطاقة صعود الطائرة، ومن ثم الخروج من الصالة وركوب البص إلى الطائرة.

كان وقت أذان الفجر في بورسودان الساعة 04:40 والمفروض إقلاع الطائرة الساعة 04:30 وكنا في رمضان.. تذكرت أنه في رحلات سابقة إذا دخل الركاب إلى صالة المغادرة وتأخرت الطائرة وحان موعد الوجبة، وزع موظفو تلك الخطوط الوجبة على الركاب الجالسين أمام بوابة المغادرة بموجب بطاقة صعود الطائرة.. فقلت إن تاركو ستفعل، وستقدم وجبة السحور في صالة انتظار المغادرة، وعلى أسوأ الفروض عند الدخول للطائرة، المهم يلحقوا الصائمين بشربة ماء على الأقل.. وقد فعلوا.. ولكن بعد الأذان.. ماء ومشروبات غازية- وليس وجبة- وكأنهم (يحندكو) الصائمين بهذه المياه والمشروبات.

كيف يحدث هذا والطائرة مملوكة لمسلمين، وفي دولة مسلمة، وطاقمها مسلم، وسلطات المطار مسلمة، والركاب مسلميون؟ ماذا يقول الركاب غير السودانيين (حتماً هؤلاء سيستغربون كيف يبخل عليهم موظفو تاركو «السودانيون» بحقهم الذي دفعوا ثمنه، وفي ساعة احتياج ماسة لزجاجة ماء وهم قد عرفوا أهل السودان بالكرم؟). 

ذكرني هذا عندما سافرت ابنتي من بورتسودان إلى أديس أبابا على  هذه الخطوط نفسها (تاركو)، ورغم غلاء التذكرة الفاحش (تقريباً ما يعادل 3000 ريال).. ورغم طول الرحلة، فلم يعطوهم حتى زجاجة ماء ناهيك عن وجبة! (للمقارنة: على طائرة شركة بدر في رحلة الذهاب من الرياض إلى بورتسودان وزعوا لنا وجبة غداء محترمة، ومشروبات باردة وساخنة- وسعر تذكرتهم هو سعر تذكرة تاركو نفسه).

عندما وصلنا إلى مطار الرياض- وكما توقعت- لم يسألونا عن كرت الحمى الصفراء! ألم أقل لكم إنها جباية وأكل أموال الناس بالباطل؟!

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *