المجد للبندقية لحماية الوطن.. ولكن الحكم للعدل والعقل والعلم والتخطيط

70
محجوب الخليفة

محجوب الخليفة

كاتب صحفي

 • في زمنٍ تتكالب فيه التحديات على الأوطان، وتتكاثر فيه الأيادي العابثة بأمن الشعوب واستقرارها، لا يمكن إلا أن ننحني إجلالاً وإكباراً لمن يحملون البندقية دفاعاً عن الأرض والعرض. فالمجد كل المجد لأولئك الأبطال الذين نذروا أرواحهم من أجل حماية الوطن، وصانوا حدوده من كل متربص ومتآمر. وتاريخ السودان الحديث والقديم شاهدٌ على أن الجيش السوداني ظل، رغم كل المنعطفات، درعاً حامياِ للوطن، وقلعةً وطنيةً يقف عند أسوارها الطامعون عاجزين.

إن الجندية السودانية ليست مجرد مهنة أو وظيفة، بل هي رسالة وطنية سامية، تتجلى فيها أسمى معاني الشرف والتضحية. ولقد قدم جنودنا وضباطنا أرواحهم رخيصة في سبيل أن تظل راية السودان خفّاقة، وأن تبقى أرضه طاهرة من كل دخيل. لذلك فإن تقدير الجيش واحترامه واجب وطني لا يقبل المساومة.

لكن – وهنا نقف وقفة العقلاء – فإنّ الوطن لا يُبنى بالبندقية وحدها، ولا يُدار بالحرب وإنما يُقاد بالسلام، وينهض بالعقول لا بالرصاص، وتُرسم ملامحه بالعلم والعدل لا بالمزاج والتخبط والانفراد. فالبندقية وسيلة لحماية السيادة، لا أداة لإدارة الحكم. ولئن كانت البندقية تحمي، فإنَّ العقل يخطط، والعلم ينهض، والعدل يُصلح، والتخطيط يُنجح.

لقد علمتنا التجارب السودانية – وغيرها من تجارب الشعوب – أنّ الحكم الذي يرتكز على القوة فقط، مصيره الزوال، وأنّ الدول التي لا تعتمد على مؤسسات مدنية قوية، وعلى الكفاءات العلمية، والعقول المفكرة، والتخطيط الاستراتيجي، تظل حبيسة الفوضى والانقلابات وسوء الإدارة.

ونحن إذ نعترف بدور المؤسسة العسكرية في حماية البلاد وصون هيبتها، فإننا نصرّ على أن تقف هذه المؤسسة العريقة على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب، وأن تتيح للمدنيين المؤهلين تولي إدارة الدولة في ظل نظام ديمقراطي عادل، تحكمه القوانين لا الأهواء، ويسنده التخطيط العلمي لا العشوائية، وتؤطره القيم لا المصالح الشخصية.

نريد وطناً تُقدّر فيه العقول كما تُقدّر البنادق، ويُحتفى فيه بالعلماء كما يُحتفى بالقادة العسكريين، وتُبنى فيه المؤسسات على أساس الشفافية والكفاءة، لا على الولاءات والانتماءات الضيقة. نريد سوداناً تُدار موارده بخطط مدروسة، ويُستثمر في شبابه من خلال التعليم والبحث العلمي والتأهيل الحقيقي، لا من خلال الشعارات الجوفاء والتعبئة العاطفية.

فالعدالة ليست شعاراً، بل نظامٌ شامل يجب أن يسود كل أجهزة الدولة، من القضاء إلى الإدارة، ومن التعليم إلى الاقتصاد. والعقل ليس رأياً فردياً، بل منظومة تشاورية تعمل بروح الفريق لا بروح الفرد. والعلم ليس ندوة أو شهادة، بل مشروع تنموي تُوضع له الميزانيات، وتُفتح له المعامل، ويُمنح فيه العلماء فرص القيادة والتأثير.

 السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يسلك طريق النهضة والتخطيط والعقلانية والعلم، أو أن يظل في دوامة الانقلابات، والتجريب الفاشل، والتبعية للأجندات 

الخارجية. ولن يتحقق طريق النهضة إلا بشراكة حقيقية بين من يحملون البندقية ومن يحملون القلم، بين من يحمون الوطن ومن يخططون لمستقبله، بين القوة التي تصون والسياسة التي تُحسن التدبير.

نقولها بوضوح لا لبس فيه: المجد للبندقية التي تحمي الوطن، ولكن الحكم يجب أن يكون للعدل والعقل والعلم والتخطيط السليم. فبالعدل تستقيم الأمم، وبالعقل تُحلّ الأزمات، وبالعلم تُبنى الحضارات، وبالتخطيط نصل إلى المستقبل المنشود.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *