
حتى أبواب منازلهم سرقت ومراقبون يستبعدون التعويضات الدولية وغياب الاستقرار يعقد المشهد
متابعات – «فويس»
أمر واقع
يقول رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن “صحيح أن غالبية المواطنين الذين عادوا إلى مناطقهم التي كانت خاضعة لسيطرة الدعم السريع بعد أن غادروها قسرياً للولايات الآمنة وبعض دول الجوار تفاجأوا بالأمر الواقع، ووجدوا منازلهم نهبت حتى الأبواب طاولتها السرقات والإتلاف، فهؤلاء المواطنون عادوا إلى ديارهم بسبب المعاناة التي وجدوها في أماكن النزوح القسري الداخلي أو اللجوء الخارجي، لكنهم صدموا بالحقائق وهي عدم تاوفر مقومات الاستقرار حتى الآن، والتي من أهمها الأمن الذي ما زال بعيد المنال، وهو الذي جعلهم يغادرون مناطقهم بحثاً عن الأمان من القتل الجزافي والانتهاكات الأخرى، فضلاً عن مشكلات الخدمات وبخاصة المياه والكهرباء”.
وأضاف “بالنسبة إلى التعويضات فعلى مستوى النظام القائم بوضع اليد ليس في مقدوره أن يفعل شيئاً للمواطنين العائدين، بل تشير الدلائل إلى أن النظام نفسه ينتظر منهم الإسهام في المجهود الحربي، وهناك عدد ممن عادوا إلى منازلهم ثم رجعوا أدراجهم مرة أخرى لعدم استطاعتهم التأقلم مع الوضع في ظل تلك التحديات الصعبة”.
وزاد حسن “أما التعويضات الدولية فليس من المتوقع على المدى القريب أي نوع منها، إذ نجد أن الأمم المتحدة لم تتبن حتى الآن أية مشروعات أو خطط، مثل تجربة النفط مقابل الغذاء في العراق سابقاً وعلى ذات الغرار، فلم يظهر أي اتجاه من هذه الهيئة الدولية لإنتاج تجارب مماثلة مثل الذهب مقابل تعويضات المواطنين، بحيث توضع آلية دولية تؤخذ من عائدات الذهب لتعويض المواطنين المتضررين أو من الأموال المملوكة لطرفي الحرب الموجودة لدى جهات عدة يمكن الوصول إليها عبر تدابير دولية”.
وواصل “لكن مثلما أنه ليس هناك توقع لأية خطط أو جهود داخلية يمكن أن تقوم بها الحكومة، فإنه أيضاً لا يتوقع أن تكون هناك خطوات إيجابية من الأمم المتحدة أو غيرها، فالشعوب التي تعاني تراكمات الحرب مثل الشعب السوداني يظل بعيداً من دائرة الاهتمام الذي هو منصب حالياً في كيفية تحكم الأطراف المتصارعة والتي تدار بواسطة الأصابع الخارجية، فضلاً عن أن الدولة السودانية الآن في حال اللا دولة بفقدها عنصر السيادة”.
واستطرد “يمكن القول إن أمام المواطنين الذين عادوا أو الذين في انتظار العودة إلى مناطقهم عدم التعويل على الأخبار المستقاة من الوسائط والمبنية على الأماني، إذ لا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن هنالك تعويضات متوقعة، بل قد تضعف قدرات الأمم المتحدة في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب لمواقفه المعلنة تجاه هذه الهيئة الدولية، وبفقدان الأخيرة لأهم موارد تمويلها أو تناقصها قد تغض الطرف عن مسؤولياتها تجاه ما يحدث للشعوب، بمثل ما يحدث حالياً للشعب السوداني”.
وختم رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف القول “على المواطن العائد لبلاده أن يضع في اعتباره أنه سيعود ليبحث بنفسه عن ضروراته، وألا يتوقع أن تأتيه المساعدات سواء من جهات داخلية أو خارجية، فعليه أن يضع نصب عينيه أن يعود وهو خالي الوفاض فلن يجد ما يعينه حتى لا يدخل في حسابات أخرى”.
أوضاع صعبة
من جهتها، أوضحت المتخصصة في القانون الدستوري والدولي زحل الأمين “في تقديري أن مسألة عودة النازحين لمناطقهم أمر معقد، بحكم أن الحكومة السودانية فقيرة ومواردها قليلة جداً وتُوجه للمجهود الحربي، من ثم فإن الذين عادوا إلى مناطقهم الآن يعيشون أوضاعاً صعبة وقاسية، ليس من ناحية انعدام القدرة المالية وحدها بل يواجهون انعدام الأمن والمياه والكهرباء وانتشار السلاح، مما يجعلهم عرضة للنهب وغيره”.
وتابعت “كل هذه الصعوبات تحتاج إلى حلول وهي الآن خارج مقدرة المواطنين لمعالجتها، لأن الحرب أفقرت كثيراً من الناس وأفقدتهم ممتلكاتهم ومدخراتهم، لذلك يصبح من الصعب على العائدين من النزوح مواجهة مزيد من المعاناة لتأهيل منازلهم حتى تكون صالحة ومهيأة للسكن من ناحية تطهيرها وتعقيمها وتوفير الممتلكات الضرورية لاستقرار الحياة فيها، فكل هذه الصعوبات تتطلب إعانة من الدولة أو من منظمات وصناديق دولية أو خاصة لإعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية”.
العائدون إلى الخرطوم يواجهون صعوبات في إصلاح ما أفسدته الحرب (اندبندنت عربية- حسن حامد)
وأردفت الأمين “العودة إلى المنازل وحدها ليست كافية، فالبيئة المحيطة تحتاج إلى تأهيل من ناحية المستشفيات والطرق والمياه والكهرباء وبسط الأمن، فكلها تحتاج إلى مقدرات بشرية ومادية، فالآن كل شكاوى المواطنين الذين عادوا إلى مناطقهم تتمثل في عدم قدرتهم على توفير حاجاتهم الضرورية من المأكل والمشرب بسبب ارتفاع الأسعار”.
وأشارت إلى أن “من واجب الدولة أن تعمل على مساعدة المواطنين في استعادة متطلبات الحياة، لكن يبدو أن الدولة عاجزة عن توفير هذه المتطلبات، لكن في حال وصول أية مساعدات لا بد من الشفافية عند توزيعها حتى تذهب لوجهتها الحقيقية ولا يحدث فساد وظلم، وهذا عمل شاق جداً لكنه غير مستحيل، وهناك تجارب لدول في الإقليم مرت بنفس هذه التجربة وساعدتها الدول والصناديق في إعادة إعمارها وجبر الضرر”.
ومضت المتخصصة في القانون الدستوري والدولي في حديثها قائلة “المسألة تحتاج إلى تحرك حكومي لاستقطاب الدعم اللازم، وبخاصة أن عدداً من الدول الصديقة والمنظمات أبدت رغبتها في مساعدة السودان حتى ينهض من آثار هذه الحرب المدمرة، لكن يجب أن تكون هناك خطط مدروسة ورشيدة في هذا الجانب، ونأمل في أن يتحقق الاستقرار سريعاً”.
تهيئة البيئة
الباحث في القانون الدولي جبريل يعقوب أبكر أشار إلى أن المجتمعين الدولي والإقليمي، كالأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي وبعض المنظمات الدولية، سيسهمان بموجب مسؤولياتهما وفقاً للقانون الدولي والإقليمي في إعمار ما دمرته الحرب سواء في القطاع الخاص أو العام، فضلاً عن جبر الضرر وتعويض المواطنين باعتباره من حقوق الإنسان الأساس.
وأضاف أبكر “لكن المشكلة أن البيئة بصفة عامة تحتاج إلى تهيئة حالياً بالنظر إلى أن الهواء ملوث وكذلك المياه والأرض بسبب الحرب ومخلفاتها، من ثم ليس هناك خيار للمواطنين الذين ينوون العودة إلى مناطقهم التي استعادها الجيش أخيراً من قبضة ’الدعم السريع‘ غير الصبر إلى حين، فحالياً توفير الأمن والأمان هو الخيار الأفضل”.
وبيَّن أنه “من المؤكد أن استرداد المنهوبات معضلة كبيرة، إذ هناك عدة بلاغات مفتوحة من مواطنين ولا يمكن التحقيق فيها إلا بعد عودة الحياة إلى طبيعتها واستقرارها، علماً أن معظم الأجهزة العدلية وبخاصة المحاكم لم تباشر مهامها خصوصاً في ولاية الخرطوم”.
ولفت الباحث في القانون الدولي إلى أنه في كل الأحوال يجب تهئية البيئة وتوفير الخدمات الأساس أولاً من مياه وكهرباء ومدارس وأسواق وإزالة مخلفات الحرب قبل عودة المواطنين لأماكنهم، والتي يجب أن تتبناها الدولة بإعلان رسمي وذلك بعد التأكد من سلامة البيئة.
«إندبندنت»
شارك التقرير