يناشدون رئيس مجلس السيادة بالتدخل لإنقاذ مستقبلهم: الطلاب السودانيون بمصر ضحايا اتفاقية لم تكتمل… وحرب لم تنتهِ
Admin 19 أبريل، 2025 264
خاص – «فويس»
• في الوقت الذي كان فيه الطلاب السودانيون يفرون من أتون الحرب، حاملين معهم أحلاماً بمواصلة التعليم في بلد الجار المصري الذي طالما اعتبروه ملاذاً آمناً، وجدوا أنفسهم أمام معركة جديدة غير متوقعة: معركة ضد قرارات متغيرة، ورسوم جامعية متصاعدة، وإجراءات تعسفية تحول دون حصولهم على حقهم الأساسي في التعليم.
ما بدأ كاتفاقية تاريخية بين البلدين، تمنح الطلاب السودانيين تعاملاً خاصاً على الرسوم الدراسية كنظرائهم المصريين، تحول الأمر إلى كابوس مالي وإداري. فجأة، وبلا سابق إنذار، ألغيت الخصومات، أو اختلف تطبيقها من جامعة لأخرى، وارتفعت رسوم التأشيرة من 25 إلى 500 دولار، بينما وجد طلاب آخرون أنفسهم عالقين على الحدود رغم سدادهم كامل الرسوم، بسبب تعقيدات بيروقراطية لا ذنب لهم فيها.
هذا التحقيق الذي تجريه صحيفة «فويس» يكشف كيف تحولت «اتفاقية الحريات الأربع» بين مصر والسودان – التي كان يفترض أن تسهل حركة المواطنين وتعليمهم – إلى حبر على ورق. كيف تُرك الطلاب وأسرهم يواجهون مصيراً مجهولاً، بين حرب تدمر أوطانهم، وسياسات تعليمية تقهر أحلامهم. ولماذا تقاعست السفارة السودانية في مصر، ووزارة الخارجية السودانية، عن اتخاذ أي إجراء عملي، رغم كل الوعود والشكاوى المتكررة؟
من خلال شهادات حية لطلاب عالقين على الحدود، وآخرين اضطروا للعمل لساعات طويلة لتسديد الرسوم، وأسر باعت آخر ما تملكه في السودان لإنقاذ عام دراسي، نروي هنا قصة أزمة إنسانية تمس آلاف العائلات. أزمة لا تتعلق فقط بالمال، وإنما بغياب العدالة، وتناقض الوعود، ومستقبل جيل كامل قد يُحرم من التعليم بسبب قرارات لا تراعي لا القانون ولا الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان.
هذا هو صوت الطلاب الذين تقطعت بهم السبل… وهذه هي صحيفة «فويس» تنقل معاناتهم إلى العالم.

اتفاقيات الحريات الأربع… حبر على ورق؟
ففي خضم الأزمة الإنسانية التي يعيشها السودان بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، والتي أدت إلى نزوح ملايين المواطنين داخلياً وخارجياً، أصبحت مصر واحدة من الوجهات الرئيسية للطلاب السودانيين الراغبين في مواصلة تعليمهم الجامعي، مستندين إلى العلاقات التاريخية بين البلدين والاتفاقيات الثنائية التي تنظم أوضاعهم، وعلى رأسها «اتفاقية الحريات الأربع» التي تمنحهم حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، فضلاً عن معاملة مماثلة للطلاب المصريين في ما يخص الرسوم الدراسية.
لكن الواقع الذي وجدوه كان مختلفاً تماماً عما توقعوه. فبعد أن كان الطلاب السودانيون حتى العام الدراسي 2021/2022 يسددون ما يعادل 10% فقط من الرسوم الدراسية، أي بنسبة خصم تصل إلى 90%، تغير الوضع بشكل مفاجئ في العام التالي، حيث تقلص الخصم إلى 70%، ثم ألغي تماماً في بعض الجامعات، ليصبح الطلاب مطالبين بسداد الرسوم كاملة، والتي تتراوح بين 1800 و2200 دولار سنوياً، بالإضافة إلى ارتفاع رسوم تأشيرة الدخول من 25 دولاراً إلى 500 دولار، وهو ما شكل صدمة للطلاب وأسرهم الذين يعانون أصلاً من تبعات الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة. إذ يمكن أن ترتفع الرسوم إلى ما بين 4000 دولار إلى 8000 دولار إن لم يكن هناك خصماً في بعض الحالات.
قرارات متغيرة وطلاب في حيرة
يقول أحد الطلاب المقيدين في إحدى الجامعات المصرية: (جئنا إلى مصر بعد أن دمرت الحرب جامعاتنا في السودان، واعتمدنا على الاتفاقيات التي تنص على معاملة الطلاب السودانيين مثل المصريين، لكننا فوجئنا بتغيير القرارات أكثر من مرة دون سابق إنذار. في البداية، كنا ندفع مبالغ رمزية، ثم زادت فجأة، والآن يطلبون منا الرسوم كاملة. كيف لنا أن ندفع هذه المبالغ ونحن نعتمد على مساعدات الأهل الذين تأثرت مواردهم المالية بالحرب؟).
ويضيف طالب آخر: (بعض الجامعات تعاملت معنا في البداية على أساس الجنسية، أي أننا سودانيون ولنا الحق في الخصم، ثم غيرت موقفها فجأة واشترطت أن تكون الشهادة الثانوية مصرية حتى نستفيد من التخفيض. هذا التباين بين الجامعات خلق لنا مشاكل كبيرة، فبعض الطلاب دفعوا مبالغ أقل بناءً على القرار الأول، ثم طُلب منهم دفع الفارق، بينما وجد آخرون أنفسهم مطالبين بدفع الرسوم كاملة منذ البداية).
يقول الطالب آخر: (بعدما سددت الرسوم الأولى بخصم 50%، جاءنا إخطار مفاجئ بزيادة الرسوم 100% مع بداية الفصل الدراسي الثاني. رفضت إدارة الكلية السماح لي بحضور المحاضرات إلا بعد السداد. اضطررت لبيع حاسوبي الشخصي ومجوهرات أمي لتغطية المبلغ. الآن أعيش في غرفة صغيرة مع 4 زملاء لأنني لم أعد أستطيع تحمل إيجار السكن).
الطالبة بإحدى كليات الصيدلة تقول: (عندما احتججنا أمام مبنى الإدارة، هددونا بإلغاء قيدنا. قالوا لنا بشكل صريح: (من لا يستطيع الدفع فليعود إلى بلده). هذه العبارة أصابتنا بصدمة نفسية، خاصة أن بعض الزملاء فقدوا عائلاتهم في الحرب ولا يملكون أي مكان يعودون إليه).
ولي أمر طالب يروي: (ابني يعاني من اكتئاب حاد بسبب الضغوط المالية. تقدمت بطلب لنقله إلى جامعة سودانية، لكن جميع الجامعات في الخرطوم إما مغلقة أو مدمرة. نحن الآن في ورطة حقيقية – لا نستطيع الدفع هنا، ولا نستطيع العودة).
طالب في إحدى الجامعات المصرية: (بعض الزملاء لجأوا إلى العمل في وظائف متعبة بدخل زهيد (سائقين أو عمال بناء) لسداد الرسوم. أحد الأصدقاء كان يذاكر بينما يقف في مترو الأنفاق لأنه يعمل 12 ساعة يومياً ولا يجد وقتاً للراحة).
ولي أمر طالب قال: (دفعت 2000 دولار لابني عبر المنصة، وبعد 3 أشهر من الانتظار على الحدود، أخبرونا أن القبول ملغى لأن (الدفع تأخر) رغم أننا سددنا في اليوم الرابع عشر وهو الموعد النهائي. المبلغ لم يُرد، والآن نعيد الدفع مرة أخرى بنسبة 100%).

تباين بين الجامعات… معايير غير واضحة
أحد أولياء أمور طالبة طب يقول: تم قبول ابنتي هذه السنة في كلية الطب البشري في إحدى الجامعات المصرية، وهي الآن على مشارف نهاية العام. عندما قدمنا في البداية وتمت الموافقة على القبول كان هناك قراراً من الجامعة بأن هناك خصم للسودانيين يصل إلى 70٪ ولكن بعد فترة إذا بنا نفاجأ بأن الخصم قد تم إلغاؤه وأصبح 50٪ لحملة الشهادة السودانية بينما ابنتي التي تحمل شهادة عربية فقد تم التعامل معها بأن تدفع 100٪ من المبلغ المقرر وهو 8000 دولار بدلاً عن 2400 دولار التي تعادل 30٪ من الرسوم. هي الآن بالجامعة ونعاني ما نعاني لسداد هذه الرسوم العالية والتي هي فوق طاقتنا تماماً ولقد أصبحنا الآن في ورطة كبيرة لا نعرف كيف يمكن أن نخرج منها.. ويا ليت رسالتنا هذه تصل إلى المسؤولين في التعليم العالي في مصر أو في إدارة الجامعات وكذلك المسؤولين في الخارجية السودانية والسفارة السودانية بجمهورية مصر العربية، إذ أن هذه المشكلة ليست شخصية بل يعاني منها الكثير من أبناء السودان وأولياء أمورهم، سواء كانوا يحملون شهادة ثانوية عربية أو شهادة ثانوية سودانية.
أحد الآباء من دارفور يقول: (أرسلت ابنتي الوحيدة إلى مصر للحفاظ على حياتها بعد مجزرة في قريتنا. الآن الجامعة تهدد بفصلها لأنني متأخر في السداد. لا أملك حتى ثمن تذكرة عودتها، وإذا عادت فليس لدينا أي مكان آمن تعود إليه).
الطالب بجامعة مصرية أخرى تحدث: (بعد 6 أشهر من الانتظار، حصلت أخيراً على الإفادة المطلوبة للتأشيرة. وعند وصولي إلى مصر، اكتشفت أن الجامعة ألغت قيدي لأنني (متغيب) رغم أن التأخير كان من جانبهم. الآن علي أن أبدأ الإجراءات من الصفر وأدفع كل الرسوم من جديد).

أرض العائلة مقابل فصل دراسي
تقول والدة طالبتين: (لدي ابنتان في الطب، والرسوم تضاعفت فجأة. اضطررت لبيع أرض العائلة – آخر ما نملكه في السودان – لتسديد جزء من المبلغ. الآن لا أعرف كيف سأدفع العام القادم، والأرض كانت ضماننا الوحيد إذا انتهت الحرب).
طالب آخر يضيف: (في سابقة غريبة، طلبت منا الجامعة دفع رسوم (الاستمرار في القيد) كل شهر بالإضافة إلى الرسوم الأساسية. عندما استفسرنا عن الأساس القانوني لهذا القرار، قالوا لنا: (هذه أوامر عليا ولا نقاش فيها).
هذه الإفادات تكشف أبعاداً جديدة للأزمة، حيث أصبح الطلاب وأسرهم أمام خيارين مريرين: إما تحمل أعباء مالية تفوق طاقتهم، أو العودة إلى بلد تعصف به الحرب حيث لا جامعات ولا مستقبل. الغياب الكامل للحلول المؤسسية من الجانبين المصري والسوداني زاد من معاناتهم، وجعلهم يشعرون بأنهم ضحايا لقرارات بيروقراطية لا تراعي الظروف الإنسانية الاستثنائية التي يمرون بها.
أما أولياء الأمور، فمعاناتهم لا تقل عن معاناة أبنائهم. تقول والدة أحد الطلاب: (ابني مقيد في كلية الطب بإحدى الجامعات المصرية، وكان يدفع رسوماً مخفضة، لكن الجامعة طالبتنا فجأة بدفع 4000 دولار بدلاً من 2200 دولار، ثم تراجعت عن الخصم تماماً وطلبت المبلغ كاملاً. عندما سألنا عن السبب، قيل لنا إن القرار صدر من إدارة الوافدين، لكننا اكتشفنا أن بعض الجامعات لا تزال تمنح الخصم، بينما أخرى ترفض ذلك. أين العدالة في هذا التباين؟).
وتزداد الأزمة تعقيداً بالنسبة للطلاب الذين سددوا الرسوم عبر المنصة الإلكترونية «ادرس في مصر»، والتي تشترط الدفع خلال أسبوعين من تاريخ القبول، ثم لم يتمكنوا من دخول مصر لأن إدارة الوافدين لم تصدر لهم إفادات القبول المطلوبة للحصول على التأشيرة. هؤلاء الطلاب وجدوا أنفسهم عالقين على الحدود، أو مضطرين إلى انتظار شهور دون دراسة، بينما تعتبرهم الجامعات غائبين، ويطالبونهم بدفع الرسوم كاملة إذا أرادوا إعادة القيد.
أحد الطلاب العالقين على الحدود السودانية المصرية يقول: (دفعت 1800 دولار عبر المنصة، وحصلت على القبول، لكنني لم أستلم الإفادة المطلوبة للتأشيرة. عندما تواصلت مع الجامعة، قالوا لي إن الإفادة تصدر من إدارة الوافدين، وعندما تواصلت مع إدارة الوافدين، قالوا لي إن الجامعة هي المسؤولة. الآن، السنة الدراسية بدأت، وأنا عالق هنا، وإذا تأخرت أكثر، سأخسر العام كله وأضطر إلى دفع الرسوم كاملة مرة أخرى).
أما رسوم التأشيرة المرتفعة، والتي وصلت إلى 500 دولار بعد أن كانت 25 دولاراً، فقد شكلت عبئاً إضافياً على الطلاب وأسرهم. يقول طالب آخر: (كيف يُطلب مني دفع 500 دولار لتأشيرة دخول إلى بلد يفترض أن بيننا وبينه اتفاقيات تسمح لنا بالتنقل بحرية؟ الأكثر إحباطاً أننا مُلزمون بدفعها بالدولار، رغم أننا نعاني من شح العملة الصعبة في السودان بسبب الأزمة الاقتصادية).

غياب الحلول… والسفارة السودانية صامتة
في ظل هذه المعاناة، يبدو دور السفارة السودانية في مصر غائباً، رغم علمها الكامل بالأزمة. يقول أحد الطلاب: (السفير والملحق الثقافي عقدوا أكثر من اجتماع مع الطلاب، ووعدوا بحل المشكلة، لكن لم يحدث شيء. حتى الآن، لم نر أي إجراء عملي، والطلاب ما زالوا يعانون).
أحد أولياء الأمور يضيف: (ناشدنا السفارة مراراً، وقدمنا شكاوى رسمية، لكن الردود كانت دائماً عبارة عن وعود غير ملموسة. حتى وزارة الخارجية السودانية، رغم تصريحات وزيرها بأن هناك اتجاهاً لإلغاء هذه الرسوم، لم تتخذ أي خطوات فعلية. كما أن الملحق الثقافى بالسفارة السودانية بالقاهرة، كان قد قال في تصريح صحفي، إن ادارة الوافدين اعفت جميع الطلاب السودانيين «الباقين للإعادة بسبب الرسوب» والبالغ عددهم «3» آلاف طالب من دفع الرسوم وفق القرار الجديد والقاضي بالدفع 100%. وبأن قرار زيادة الرسوم سيشمل الذين يرسبون فى العام الدراسى 2024 ــ2025، لكن الواقع غير ذلك.
نحن الآن في حيرة من أمرنا، فبعض العائلات اضطرت إلى سحب أبنائهم من الجامعات لأنها لم تعد قادرة على تحمل التكاليف).
أما عن موقف الحكومة المصرية، فلم يصدر أي بيان رسمي يوضح أسباب تغيير قرارات الخصم أو ارتفاع رسوم التأشيرة. بعض المصادر تشير إلى أن القرارات تأتي في إطار سياسة تخفيض الدعم المقدم للوافدين، لكن آخرين يرون أن الأمر يتعلق بإجراءات بيروقراطية غير واضحة.
كيف تحولت مصر من «ملاذ آمن» إلى كابوس
في النهاية، تبقى آلاف الأسر السودانية في حالة قلق مستمر، بين أبنائهم العالقين على الحدود، وآخرين يواجهون خطر الانسحاب من الجامعات بسبب عدم القدرة على سداد الرسوم، وآخرين يحاولون التمسك بأمل حل قريب، رغم أن الوقت يمر، والمحاضرات تتراكم، والمستقبل يبدو غامضاً أكثر من أي وقت مضى.
هذه الأزمة ليست مالية أو أكاديمية فحسب، بل هي أيضاً اختبار حقيقي للعلاقات بين البلدين، ومدى التزامهما بالاتفاقيات الموقعة، خاصة في ظل ظروف استثنائية يعيشها السودان. فالطلاب السودانيون لم يختاروا القدوم إلى مصر إلا لأن الحرب أجبرتهم على ذلك، وكانوا يتوقعون أن يجدوا يد العون من جيرانهم الذين تربطهم بهم روابط تاريخية وثقافية عميقة. لكن الواقع أثبت أن الوعود وحدها لا تكفي، وأن المعاناة الإنسانية تحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات.
شارك التحقيق