يا ويلكم حتى من النطف التي في الأرحام

29
د. عبدالمنعم

د. عبدالمنعم سليمان الحسين

كاتب صحفي

• «عروش الظلم إن دامت ستفنى

كما يفنى من النار الهشيم» 

غزة تعرضت لظلم لم تشهده بشرية من قبل ولا حتى حيوان الغاب، فضعاف حيوانات الغاب لم تشهد من أقويائهم ما شهده أطفال ونساء غزة وشيوخها من هذه العربدة.

سماء تمطر حمماً، وشظايا تدمي نحوراً، وسقوف تتهاوى على رؤوس نيام دون رحمة، دون ذنب جنوه ودون جريرة أصابوها. 

هذا النتن ياهو ورهطه من أحزاب ائتلاف الصهيونية الدينية، عربدوا، ورغوا، وأزبدوا، وعرابهم الأمريكي يرسل السلاح ليقتلوا الأطفال والنساء، والعصافير في الأشجار، والأسماك في البحار، وحين تعلو الأصوات في دول العالم بالاستنكار،

يجأر الأمين العام للمنظمة بالشجب والإدانة، وإن ضيّقوا عليه الخناق بعلو صوت الشعوب، فكرباج فيتو الأمريكان يجهض الإدانة ويخرس الأسماع.

أي قوم هؤلاء ومن أي أصلاب أتو؟

فطورهم دماء الأطفال، وغداؤهم أشلاء الرجال، وعشاؤهم طرف مبتور للجدة فيه بضع خرزات تبرق بالوعود، وقد كانت تحكي للأطفال عن قدسية أرض الرسالات، وتعبِّر عن ذلك، بأحلى الحكوات، تستجدي نوم الأطفال وسط أزيز مفجع للطائرات. 

في كل الحروب في تاريخها القديم والحديث، لم تشهد هذا التدمير والتقتيل.

دمرت فصول الدرس على رؤوس التلاميذ، وهم يرددون نشيد العلم، 

والعلم تمزقه أعاصير غدرهم.

لم تسلم دور العبادة من مقذوفات غدرهم، فأخرسوا الأذان، ولوّثوا الجدران، ولم يمكنوا الإمام بعد الركعة الأخيرة من ختم الصلاة بالسلام، فقد أزهقوا روحه وأرواح المصلين، حتى لا يرددوا الدعاء بعد الصلاة بأن يخزي الله النتن ورهطه سومريتش وبن غفير. 

من أقذر الحروب حرب سلاحها التجويع، ليشهد العالم أضلعاً نافرة من صدور الأطفال والشيوخ، وصفوفاً تتلوى في الهجير طلبا لحفنة رز مغموسة في الدماء، وما هذه الأماكن إلا فخاخ لاصطياد عصافير جائعة بشراك أحكم نصبها أمريكان، واصطاد من أغصانها الطيور بغدره نتن أزكم الأنوف فعلاً ورائحة.

حرب استهدفت جحافل المسعفين، كأنهم ويا ويلهم يلبسون ساعد الموت خرزة وحريرة، ليقطف الأرواح في الأسرة دون جريرة، ويأخذهم جموعاً من المصابين في سيارات المسعفين. 

حتى الكلمة الحرة والنقل الحي للفظائع تحت أسماع العالم، لم يسلما من غدرهم فكسروا اليراع، وحطموا الكاميرات، واقتطفوا زهرة الإعلاميين والإعلاميات. 

هل هذه هي أخلاقيات الحروب؟

لم يكتفوا بالتجويع فقط، وأضلع أطفال غزة البارزة من صدورهم ستشهد عليهم إلى يوم الميعاد.

لم يكتفوا هم وعرابهم ترامب بالتجويع المتعمد، بل لجأوا لفكرة التهجير عن أرض غزة، وذلك من خلال إنزال الحمم على الرؤوس وهدم الدور، وهم لا يعلمون أن تراب غزة هو عسجد الحياة للغزاويين، وقد فكر  الكاوبوي الأمريكي في التهجير كحل نهائي لتحويل غزة إلى  ريفيرا تجذب السياح، وليضاف جزء من الأرض مستوطنات جديدة تخنق بها الضفة، وتقتلع بها أشجار الزيتون، وقد بدأ ترامب التواصل مع بعض الدول لتستضيف الغزاويين المهجرين، ولما لم يجد أذناً صاغية، وفاجأه صمود الغزاويين وتمسكهم بأرضهم التي أضحت أنقاضاً، لجأ إلى سلام أعرج، اتفاقية قبلوها على مضض لإيقاف محرقة حرب الإبادة الجائرة.

وبعد التوقيع وسط فلاشات الكاميرات والابتسامات المصطنعة، وبعد يومين من التوقيع خرقه القتلة المجرمون، بدعوى أن الغزاويين لم يلتزموا بالخط الأصفر، وليتهم يعلمون أن خطوط غزة أخضرها وأصفرها وأبيضها هي أرض الغزاويين، ولكنهم بتلككهم قبل ذلك مع كل الرسل الذين أرسلوا إليهم، قد قالوا قبل ذلك إن البقر قد تشابه عليهم.

 وبالأمس القريب اقتطفت طائراتهم مزيداً من الأرواح، ليرتقي إلى السماء أكثر من أربعين شهيداً، بزعم أن الغزاويين قد خرقوا الاتفاق، وهم كما يعلم الجميع أهل الخروق لا البناء.

أي اتفاق هذا في التأريخ الذي ينص فيه على سحب كل سلاح الطرف الثاني، ولا يبقي له حتى طلقة يطلقها على نسر جارح هائج حتى لا يفقأ عيني طفل غزاوي مسكين؟ 

يتحججون بنقض الاتفاق، وإنزال الجحيم بأطفال فلسطين إن تأخر تسليم عشر جثث هم من قتلوها في دور الأسر مع الحراس، ومزيداً من نساء وأطفال فلسطين، علماً أن الأنقاض تحتها حالياً ما يصل إلى عشرات الآلاف من شهداء مفقودين. 

هذه الحجج، والتلكؤ والتلكك لا يستغرب، فقد قالوها قبل ذلك لرسول الله عيسى عليه السلام                                   

(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) 

وها هم يهددون، ويرغون، ويزبدون، لإكمال اتفاق تحت ضغط، وهم يعلمون أنه جائر وأخرق. لكنهم لا يعلمون أن الظلم ظلمات، وأن هؤلاء الأطفال الذين قتل آباؤهم، وتمزقت أشلاؤهم بين ناظريهم، وبترت أطرافهم وأصابعهم التي كانت تمسك بالأقلام، ودمرت مدارسهم، وتمزقت كراريسهم، وجوعت أمعاؤهم، سيكونون ذات يوم والنطف التي في الأرحام سيوفاً تخرس الباطل وتحق الحق، وكل ذلك بإذن الله بعد حين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *