وجهُ الثقافة لا وجهتُها

26
مصطفى الزايد

بقلم: مصطفى الزايد

 

• في عهد النظام البائد في سوريا، كانت الثقافة هي الرسم والموسيقا والغناء ورقص الباليه والدبكات… هذا مفهومها وهذه وجهتها.

ويبدو أن من نشأ في ظل هذا المفهوم رسخ في ذهنه وتغلغل توجهه في عقله الباطن، فلم يعلم أن الثقافة كتاب، ومعرفة، وفكر، ودين، وحكمة شعوب، وعادات اجتماعية تتجاوز مسألة العباءة والمنسف والربابة والعراضات، وأنها ثقافة مجتمعات مبنية على معتقدات وقيم أصيلة تنظم الحياة والعلاقات مع الآخرين، في المجاورة والمتاجرة والصحبة والفتوة ومجالس العلم والأدب والمراكز الثقافية، والدواوين، والمجالس الخاصة والعامة… فإذا تطور هذا الناشئ رفع سقفه إلى الشعر والرواية، وكأن الأدب بأجناسه وحده هو الثقافة، مع أنه من أبنائها.

الثقافة ذهنيةُ أمةٍ تتكامل أطرافها وتتشارك أعمدتها في حمل السقف الذي هو الذهنية المجتمعية، التي يحيا في ظلها العلم والأدب والفن والذوق، فلا تقف عند أمسية شعرية أو مهرجان أدبي…

إن الصدق ثقافة، والوفاء ثقافة، والأمانة ثقافة، وحفظ الود ثقافة، والإحسان إلى اليتيم ثقافة، وإطعام الفقير أو المحروم أو ابن السبيل ثقافة، ورعاية الأرامل ثقافة، وكف الأذى عن الطريق، ووضع الأوساخ في الحاوية بدلاً من إلقائها في الطريق ثقافة.

وأعمدة الثقافة هذه اهتز أكثرها، وتآكل كثير منها خلال سياسة النظام البائد التي اعتمدت التضييق والإفقار، اللذين دفعا كثيراً من الموظفين إلى الرشوة، والمؤتمنين على مؤسسات الدولة إلى خيانة الأمانة، وغيرَهم إلى أكل الحقوق، والغش، والاحتيال، والإتجار بكل ممنوع أو محرم.

ومجتمعنا، بعد أن تخلص من التضييق الأمني وسياسة الإفقار المعتمدة، يجب أن يعود إلى ثقافته، يرمم ما تهتك منها، ويقوّم ما سقط منها، ويحيي ما أمات نظام القمع والتضييق…

 نحن لدينا ثقافة عريقة ومتعددة المشارب ومتنوعة الأشكال، شكلت للمجتمع ذهنية عامة، تعايش فيها المسلم والمسيحي واليهودي والدرزي والنصيري في وفاق، ومجتمعنا فيه من كل القوميات العرقية، وكلهم متآلفون، يتجاورون ويتزاورون ويتزاوجون، ويؤازر بعضهم بعضاً… وكلها مرجعيتها الثقافات التي شكلت الذهنية الاجتماعية، هذا هو الوجه الحقيقي لثقافتنا قبل أن يُستعبد.

   وبلدنا في مرحلة البناء، في حاجة إلى الترميم وإعادة الحياة إلى تلك الثقافة الأصيلة، لأن بناء الإنسان أهم من بناء الأوطان، والإنسان هو الذي يبني الأوطان، وهذه مسؤولية الجهات الثقافية التي يجب أن تأخذ دورها في ترميم البنى الثقافية والمجتمع، وإلا فما تصنع أمسية شعرية هنا وأخرى هناك؟ ومن لم يكن في حجم المسؤولية فليعتذر، ليحمل العبء من ينهض به ويقوم بحقه، فدولتنا ليست دولة مناصب، وإنما دولة مسؤوليات أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: ١٠٥].

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *