
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• إنْ كنا نحنُ الذين نُحارب اليوم مؤمنين بهذه الحرب، وإن كنا نملك من المنطقية لهذا الخط وننادي بالبل بس لا يهدينا لهذا إلا إيماننا بالوطن وبجيش الوطن، لم نعبد البرهان ولا الكيزان ولا كتائب الظل، فالفرق بيننا وبين (الجماعة ديك) أنهم يأكلون الدجاج واللحوم ونأكل نحن العلف والفطائس، لذلك فالعذر لهذه البهائم إن كتبت بنكهة البرسيم والفرث والروث، وعليهم قبول ذلك لأنهم يجادلون بهائم.
اليد العليا التي يتصورها ناس (لا للحرب) لأنفسهم لا تشبه كتاباتهم، ليس لشيء فقط لأنها اكتشافات جرثومية طفحت من البرك الآسنة قبل وقت قريب، وسمحت لهم السوشيال ميديا أن يكتبوا بصديد قريحتهم لتنتج لنا البؤس من العبارات و(القحط) من المنطق، فانتقل كاتب اسمه عبد اللطيف من كاتب رياضي هلالي لكاتب وعبقري سياسي، ليحل مشكلات السودان بهذه الألفاظ النتنة، فجادت قريحة عبد اللطيف ضفاري بهذه الدرر: مع شروق شمس كل يوم من حرب الكيزان عليهم من الله اللعنات أينما كانوا لإطعام البلابسة بعلف…، وكتب: لدرجة أن غرف إنتاج علف…، وكتب: ويبدو أن البرهان وصلته تقارير (استعلافية)، وقرئت له: العلف أصبح غير مشبع للقطيع، وكذلك كتب: وما هي إلا 24 ساعة وتظهر الأخبار بأن الدعم السريع يستبيح مناطق جديدة لتختفي عبارات الإشادة والتهديد والوعيد، وتحل محلها الحسبنة والحوقلة).
عبد اللطيف منقذ السودان، يرى أن من يخالفه الرأي هو مجرد (بهيمة)، ويصل به الحد أن يسخر من (الحوقلة) و(الحسبنة)، لا لشيء إلا لأنها يقوم بها جمهور المعلوفين، ومن قبل كنت أحسب أن الحوقلة والحسبنة هي ملك لكل مسلم بل وللحيوانات أيضاً، حيث يقول تعالى: (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون). ومثله الفيسبوكي هشام عباس، حيث يصف المجلس العسكري ب(متاهة زريبة غنم)، ومتكلماً عن تنصيب كامل إدريس ويقول: يستأهل حتى لو كان في زمن تحولت فيه الدولة إلى زريبة غنم، ويقول: الحقيقة الأساسية والمركزية: هم يعلمون أنهم يخاطبون قطيعاً من البهم.
وكتب ربيبهم وتلميذهم راشد عبد القادر: بالمختصر مطلوب منك يا عزيزي أن تلقي عقلك ومخك وضميرك في الدبليوسي، وكتب أيضاً: ثم تضع مكانه نعلاً قديماً وجورباً معفناً، ثم تصرخ: كلللللله من الغحااااااته. ومن ألفاظه: مواهيم بلهاء زلنطحية متاعيس. وكتب في نافذة أخرى: عزيزي التافه البرهان.
القاسم المشترك بين كتابات هؤلاء الناشطين الفرحانين هو (العلف)، وبؤس القول، وضحالة الفكرة، وسوء تقدير طريق الوصول، فلا تخاطب الأغبياء فتكون غبياً، فحين تتكلم مع معلوفين من المؤكد لن تجد عندهم غير نهيق وصهيل ورغاء، فإن لم تتجمل فتحمل.
والمتلوثون بسوء سلوك اللسان لا يمكن أن يتطهر لسانهم؛ لأن هذا سلوك وطبع والطبيعة جبل، لذلك هم لا يصلحون لأن يكونوا قدوة، أو مصلح اجتماعي، أو مصلح سياسي، ليس لشيء إلا لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهم فقدوا الأخلاق، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وهؤلاء السوشلاب قد ذهبوا.
وفي العموم مثل هذا المسلك هو نقص في المهارات الاجتماعية، وربما بسبب الفشل المهني، الذي لم يُمَكِّن صاحبَه أن يسبق به أقرانه، أو حتى يصل لمستواهم، فيلجأ مثل هؤلاء للشو ولفت الأنظار بأي طريق، وإن كان هذا الطريق هو طريق يقودك للبهائم.
شارك المقال