نحو واقع أفضل لتصنيف الجامعات السودانية

22
حيدر بشير

د. حيدر بشير غلام الله

أستاذ جامعي، قانوني

• يُشّكل تصنيف الجامعات على مستوى العالم مؤشراً مهماً واعترافا بجودة وتميز الجامعات ويعزز من مكانة خريجي هذه الجامعات وتسعى كل الجامعات في العالم إلى الريادة والتميز وذلك بالعمل على  استيفاء معايير محددة عالميا بغية الحصول على تصنيفات متقدمة على الصُعد الوطنية والإقليمية والعالمية ، وحيث إن الجامعات السودانية التي يفوق عددها (150) جامعة حكومية وخاصة ليست بمعزل عن المحيط الإقليمي والدولي فمن الأهمية أن يكون تصنيف  الجامعات السودانية هدفًا استراتيجيًا بما يساهم في رفع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي في السودان  .

وهنالك جملة من العوامل تُرسخ من أهمية تعزيز التصنيف العالمي للجامعات السودانية حيث يُشكل التصنيف فرصة ممتازة وخطوة متقدمة في سبيل  قياس  الأداء الاكاديمي لهذه الجامعات وعادة ما توفر التصنيفات العالمية مؤشرات أداء و معاييراً محددة للمقارنة المرجعية  لأداء الجامعات وتحديد نقاط القوة والضعف والأولويات الواجب تحسينها عبر خطط عمل محددة  ، ويعد تصنيف الجامعات عامل  جذب مهم  للطلاب إذ من المعلوم ان الجامعات  ذات التصنيف العالي تكون قبلة للطلاب الموهوبين من داخل وخارج البلاد ، و التصنيف يعزز من  السمعة الأكاديمية للجامعات السودانية بما يساهم في بناء سمعة أكاديمية قوية للجامعة والدولة في مجال التعليم العالي ، أيضا لا يمكن غض الطرف عن اسهام تصنيف هذه الجامعات في فتح الباب واسعاً  للشراكات الدولية حيث يعد التصنيف  جسراً  لإقامة شراكات ذكية  مع جامعات ذات سمعة عالية  ومؤسسات بحثية عالمية مرموقة ويتيح التصنيف العالمي المزيد من  فرص الجامعات  في الحصول على الدعم والتمويل.

و ما تقدم لا ينظر اليه بمعزل عن الواقع الراهن  و التحديات العديدة التي تواجه الجامعات السودانية، سيما في  ظل الظروف الراهنة من حرب و استقرار سياسي ، و يُشكل  عدم الاستقرار السياسي والأمني مؤثرا سلبيا على انتظام الطلاب  بالدراسة و الامتحانات، ويلقي بظلال سالبة تؤدي إلى هجرة العديد من  الكفاءات العلمية من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ، إلا أن لهذه الجامعات إمكانيات كبيرة تشكل أساساً راسخاً ومتيناً لهذه الجامعات بغية  تحسين وضعها في التصنيفات العالمية من خلال التركيز على عدة معايير محددة متفق عليها عالمياً ، ويُحمد لوزارة التعليم العالي و لكافة الجامعات السودانية مواجهتها للظروف الراهنة والتغلب عليها  إذ واجهت ظروف نشوب الحرب في 15 أبريل 2022م واستمرت في أداء رسالتها التعليمية و تدريس طلابها داخل وخارج السودان ، وهنالك جامعات احتفلت فعلياً بتخريج دفعات لديها بمختلف الكليات التطبيقية والنظرية.

وفي هذا العصر تُشكّل  البيئة الرقمية عنصرا أساسياً في ريادة وتميز الجامعات وتشكل قيمة مضافة للجامعات ، وفي هذا الإطار نجد ان هذه البيئة  موجودة لدي الجامعات واستفادت منها فعلياً اذ واجهت بعضها تحديات الحرب بالتحول إلى التعليم عن بعد ، ولكن هذه البنية تواجه تحديات عديدة تحول دون الاستفادة القصوى منها مثل ضعف البنية نفسها وتأثر الإنترنت في مناطق النزاع ، وبعض معايير التصنيف العالمي تولى اهتماما كبيرا بالمواقع الالكترونية للجامعات والمحتوي الرقمي المنشور فيها بالتالي تحتاج الجامعات السودانية  إلى تحسين مواقعها الالكترونية وتحديثها باستمرار لتعكس قيم الجامعة وجودة برامجها وإنجازاتها البحثية ، ويعد البحث العلمي من المعايير المهمة لتقييم جودة الجامعات وقلة الإنفاق عليه يعد حجر عثرة في سبيل مواكبة التصنيفات العالمية ، وعدم كفاية النشر في المجلات العلمية العالمية ذات معامل التأثير العالي ، كذلك ينظر الى الشراكات الدولية كقيمة مضافة في سبيل التعزيز من تصنيف ومكانة الجامعات ويخصم ضعف التعاون مع المؤسسات التعليمية والبحثية الدولية من رصيد الجامعة في الحصول على تصنيف أفضل. 

 وعملية التصنيفات العالمية للجامعات تعتمد على معايير  رئيسة تختلف قليلاً بين المؤسسات المختلفة (مثلWebometrics ، QS، Times Higher Education، Shanghai Ranking)، ولكنها تتفق في معظمها على محاور ومعايير أساسية كمرجعية حاكمة للتصنيف تكفل مبدأ الشفافية والنزاهة إزاء نتائج التصنيف منها السمعة الأكاديمية للمؤسسات التعليمية ، و البحث العلمي ويقاس بمدي حجم وجودة الإنتاج البحثي، وعدد الاستشهادات والاقتباسات البحثية، والنشر في المجلات العلمية المرموقة والمصنفة عالمياً، ولا تغفل هذه المعايير عنصرا احصائيا مهما  يتمثل في قياس مؤشر مدى كفاية أعضاء هيئة التدريس للطلاب الوطنيين والدوليين  بما يؤثر على جودة التعليم ، وثمة معايير اخري يمكن تلخيصها في  الجوائز الكبرى بحصول أعضاء هيئة التدريس أو الخريجين على جوائز عالمية وتقييم المرافق والتجهيزات وحصول الجامعة على اعتمادات أكاديمية مؤسسية وبرامجية على الصعيد المحلى والدولي .

   يضاف إلى ما تقدم استقطاب  الكفاءات الأكاديمية ، تطبيق نظام الساعات المعتمدة ، ضرورة التواجد الدولي وبناء الشراكات الذكية مع المؤسسات النظيرة ، التركيز على استقطاب المزيد من الطلاب الدوليين وهو مؤشر جيد على البيئة الجاذبة للجامعات ، إيلاء الاهتمام اللازم  بمشاركة أعضاء هيئة التدريس والطلاب  في المؤتمرات والورش  العلمية داخليا وخارجيا ، ضرورة  تحسين المرافق والتجهيزات و البيئة الجامعية بما  يضمن جودة البيئة الجامعية  والخدمات المقدمة للمستفيدين ، ضرورة  التحسين المستمر للمواقع الإلكترونية للجامعات ورفدها ببيانات شاملة عن البرامج، الأبحاث، وفعاليات المؤسسة والأبحاث العلمية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب، الاستفادة من التقنيات بتفعيل التعليم الإلكتروني ،  دعم و تشجيع الاختراعات ، خدمة المجتمع مع وضع أولويات للبحث العلمي تلبى تطلعات الدولة والمجتمعات ، بناء علاقات متينة ومتجددة  مع الخريجين ، كفالة ضمان الاستقلال والاستقرار الإداري للجامعات، وتطبيق اليات  الحوكمة الرشيدة.

باستعراض ما تقدم يمكن ان نخلص الى تقديم عدد من المقترحات يمكن أن تكون نواة تساعد في بناء استراتيجيات مقترحة في سبيل  تعزيز تصنيف الجامعات السودانية ،حيث يمكن أن تركز هذه الاستراتيجيات على المحاور الاتية : تخصيص ميزانيات مستقلة كافية   لدعم وتمويل الجامعات والبحث العلمي  مع تحديد أولويات البحث العلمي  ، حث و تشجيع النشر في المجلات العلمية العالمية ذات معامل التأثير العالي وتحفيز المتميزين منهم ، إنشاء مراكز بحثية متخصصة وتطوير المراكز القائمة وتشجيعها على دعم التعاون بينها والتعاون الإقليمي والدولي.

 ومن المحاور المهمة التي يمكن أن توضع من ضمن استراتيجيات الجامعات ضرورة وضع الخطط اللازمة في سبيل الاهتمام بتطوير جودة التعليم ويعد تطوير المناهج الدراسية رافدا مهما لترسيخ جودة العملية التعليمية فالخطط الدراسية عماد التعليم وتعد مؤشراً جيداً لقياس مدي  مواكبة المؤسسة  التطورات العالمية وتلبية احتياجات سوق العمل وطنيا وعالميا ، يضاف الى ذلك ضرورة اهتمام الجامعات بأعضاء هيئة التدريس ومراجعة الهيكل الراتبى للعاملين في الجامعات بما يؤدي إلى خلق بيئة أكاديمية جاذبة تمكن من اختيار كفاءات متميزة للتدريس في هذه الجامعات  وتحسين بيئة عمل أعضاء هيئة التدريس، مما يؤثر وينعكس ايجاباً على جودة التعليم والبحث العلمي مع عدم إغفال التطوير المستمر  لمهارات أعضاء هيئة التدريس في سبيل تحسين مهاراتهم التدريسية والبحثية ، وهنالك عدد من الأمثلة لجامعات سودانية في التصنيفات العالمية مع الأخذ في الاعتبار أن هذه التصنيفات قد تتغير باستمرار وتتأثر بالظروف الراهنة.

وبوجه عام يمكن أن نخلص الى ملاحظة فحواها أن الجامعات التي تولي اهتماماً بجودة التعليم والبحث العلمي والنشر الدولي وخدمة المجتمع ، وتحسين بنيتها التحتية الرقمية دوماً تحقق المراكز الأفضل عالمياً في التصنيفات التي تعتمد على هذه المعايير، ومع ذلك فإن الوضع الحالي في السودان يمثل تحدياً كبيراً لاستمرارية أي جهود تحسين ، الشى الذي يُحتم أهمية تضافر كافة الجهود في سبيل الارتقاء بتصنيف الجامعات سواء كان ذلك  من الحكومة، والجامعات نفسها، والمجتمع، والمنظمات الدولية، بما يُمكِن من  توفير البيئة الامنة والمناسبة للتعليم والبحث العلمي والابتكار، ودوماً هنالك بصيصا من الأمل في نهاية النفق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *