
د. خالد مصطفى إسماعيل
كاتب صحفي
• تبدأ السحب في التجمع، والمرعى مليء بالصبية الرعاة دون العشرين ربيعاً، خرج الصبية لتوِّهم من الخور الرملي الذي كانوا يمارسون فيه رياضة المصارعة (الصراع)، بينما يوجد آخرون يراقبون الغنم، وتتم هذه العملية بالتناوب أثناء فترات النهار، نفس فكرة الورديات، فبعضهم يقرعون الغنم، والآخرون يلعبون في الخور، أو تحت ظلال الأشجار، أو يسبحون في الترع (البرك) حول الخور، ولكن خرج الرعاة الذين كانوا يلعبون في الخور ليلتقوا بالذين يقرعون الغنم بعد إنذار حاد من ذلك الرعد المخيف، في إشارة الى أن المطر قد اقترب.
يتوجّه الجميع شطر القرية تحت صوت الرعد ووميض البرق، تجد أحدهم يحمل (سخلاً) ولد في ذلك اليوم، وآخر يضع إناءً (كُوْرَة) في رأسه ليتقي بها تساقط المطر على رأسه، وراعي الغنم كعادته يربط (كوزاً) أو (كُوْرَة) في نصفه، ليشرب به الماء من الخور (المشيش) بالإضافة إلى اللبن، ويحمل عصاه (عكازه) ليهشّ بها على غنمه، وله فيها مآرب أخرى. ذلك هو قانون السرحة (الرعي)، ومن يخالف ذلك يعرِّض نفسه للمساءلة، فقد حدث يوماً أنّ راعياً ترك أغنامه في حين غفلة منه، فذهبت الأغنام وأتلفت زراعة أحد المزارعين، فلما جاء المزارع ووجد الراعي عاقبه بالجلد، ليس لأنه ترك الأغنام تدخل الزراعة، ولكن لأنه وجد الراعي بدون عكاز، ورعاة الغنم من لدن سيدنا موسى مولوعون بحمل العصا.
وتقول الأسطورة (إنَّ الشيطان يركب في ظهر الشخص الذي لا يحمل عكازاً).
ومن القوانين المتفق عليها، أنه في لحظة نزول المطر لا توجد عقوبة للراعي إذا ترك الأغنام؛ لأنه من الصعوبة التحكم في الأغنام أثناء المطر، ولكن بشرط مجرد توقف المطر يخرج الجميع من المنازل رعاة وغيرهم، لجمع الغنم ومنعها من إتلاف الزرع، خاصة (الجباريك)؛ أي الزراعات قرب المنازل.
يتسابق الغنم والرعاة جرياً عند بدايه المطر، وتسمَّى (المطرة الشكشاكة)، ثم يزداد المطر رويداً رويداً، وتصبح الرؤية صعبة، فتدخل الأغنام تحت الأشجار لتقلل من تساقط المطر عليها، والرعاة بين خيارين أحلاهما مرٌّ، فإما أن تجلس تحت شجرة كما الأغنام وتنتظر نهاية المطر، وفي هذا احتمال وقوع (صاعقة) في الشجرة التي تستظل بها وتنهي حياتك، وخطر آخر هو (الخور) الذي سيمتلئ ويمنعك من دخول القرية.
وإما أن تواصل المسير رغم المطر؛ وفي هذا أيضاً خطران ترك الأغنام خلفك واحتمال تعرضها للسرقة، أو انسحابها بعد المطرة مباشرة وإتلاف الزرع؛ علماً بأنَّ الأغنام التي لديها صغار في القرية قد وصلت منذ المطرة الشكشاكة إلى القرية، فحنان الأم وشوق الأم لصغارها يطغى على كل شيء.
توجد معضلة أخرى، فقد اختلط الحابل بالنابل، (الأغنام بصغارها)، فالمطر قد أزال (اللويّص) من (ضروع) الغنم، وتمت عملية الرضاعة، ولمن لا يعرف (اللويّص)، فهو (روث البهائم يدهن به الراعي ضروع الغنم لينفّر صغارها التي تذهب مع أمهاتها للرعي من الرضاعة، هذه العملية توفر اللبن للراعي في نهاية اليوم عندما تستريح الأغنام في المراح)، إذن لا يوجد لبن لهذا اليوم، فالجوع والبرد أمران لا يحتملان، مما يحتّم عملية الاستمرار في الخيار الثاني والذهاب نحو القرية رغم المطر، وتنسى أغنية المطر.. مطر مطر.. ونحن إذا جاء المطر، وحينها تكون أغنيتك المفضلة (رين رين قو اوي).. أو كما قال الخواجات.
شارك المقال