
ملكة الفاضل
كاتبة وروائية
• جزيرة منعزلة هاجر إليها من دفعت به الأقدار واستقطبته أجواء الجزيرة وربما اساطيرها ،ثم تفقد الجزيرة هدوئها ومنطقها فتسودها الحروبا وتنتهي الاحداث فيها بتساؤل : كيف يتحقق السلام لتأتي الإجابة سريعا ومختصرة « بالمحبة».
هذا هو كل ما اذكره من اخر رواية كتبتها وبدأت مراجعتها وتصحيحها ثم اندلعت الحرب وضاعت الرواية مع كل محتويات (اللابتوب ) الصغير الذي اودعته بعض اشعاري ونثري وروايتين منهما التي اكملتها ثم لم أعد اذكر منها سوى البداية والنهاية ولم تحظى بفرصة الاحتفاظ بها ضمن محتويات البريد الإلكتروني ولا كتبتها في دفاتري كما فعلت مع سابقاتها. وربما كان حظها النجاة من غدر النيران التي سلطتها حرب الخر طوم على شقتنا وشقق جيراننا في العمارة التي شهدت ميلاد العديد من أعمالي الأدبية والاحتفاء بها .
المحبة كلمة لها في قلوب الكثيرين أصداء. وهي ليس بالضرورة محبة العشاق كما خلدتها أمهات قصائد الغزل والرو آيات والقصص الرومانسية فهي مفردة يجتمع فيها الحب والعشق والهوى والغرام… الخ. فالمحب والمحبوب كلاهما يجد جنته عند الارتباط بالاخر .
اما المحبة التي اعنيها فاقرب ما يشير إلى معناها عبارة « الما عنده محبة ما عنده الحبة «.. وهي تعني كما أرى محبة الإنسان لاخيه الإنسان ايا كان وأينما كان.
المتجول بين نشرات الاخبار والتقارير اليومية على شاشات التلفاز في شتى انحاء العالم بصفة عامة وفي شرقنا وقارتنا على وجه الخصوص سيجد نفسه يتساءل: أين ذهبت المحبة؟ وكيف وصل العداء حد الترويع والتجويع؟ في الأفلام والمسلسلات باتت اكثر الشخصيات تحمل مسدسات. مامن شخص يبدو امنا على نفسه بدون سلاح يحمله..
ورب زمان كانت فيه الحيشان الكبيرة تظل أبوابها مفتوحة حتى الصباح واصحابها وضيوفهم ينامون ملء جفونهم ولا حتى (عكاز) تحت العنقريب او السرير. . وفي الحيشان الداخلية كانت الحبوبات (يحجن) الصغار بعيونهم (المنططة) ويحكين عن ود النمير الذي يحمي فاطمة السمحة من العدو . كان العدو مخلوقا خرافيا هو الغول. الان من يحتاجون الحماية حيارى ممن يخافوا! وحبوبتهم ذاتها لم تسمع ولو في الحجا عن الاخوة الأعداء ولا عن أسلحتهم التي تدمر ما تريد كما تريد… شي دانة وشي قذيفة وشي مدفع وشي مسيرة مطيرة ولو اختبات منها في حرز حريز ستصلك وتصليك.. وفي هذا الزمان لا البيت بيتك ولا الدار دارك ولا الحوش حوشك وود النمير مثل الغول خرافة .
ويبقى الأمل.. سيعود كل شيء كما كان او افضل مما كان. ستعود فاطمتنا سمحتنا وود النمير ليس بالخرافة سيكون حقيقة ماثلة بيننا وسيلة للرجاء والأمل ولزمان ما فيه خوف
وتعود لنا الحيشان والبيوت مفتوحة الأبواب نهارا وليلا والخوف سيخلي مكانه. لا وقت ولا مجال للخوف والغضب.
لا مجال لحزن باق وعداء لا يزول. جرعات الكر اهية التي فعلت بنا جميعا ما فعلت، علينا إزالة مراراتها
بترياق المحبة . وان نظل على يقين بأنه مثلما كان هناك ما منعنا الأمان، سيكون هناك ما يمنحنا الامن والامان. سنستوعب جميعا ما حدث وما لم يحدث. سنفكك معا معضلة المركز والهامش ونتفق جميعا أن المهمش الوحيد هو الإنسان ذاته حينما تتكاثر عليه العداوات ، ما كان من صنعه او صنع غيره. وما كان لنا سيعود لنا بالقانون والعدالة واحقاق الحق وليس بالتشفي والانتقام والتجبر والسلاح والمتفجرات ..
مع هذه الحرب الفتنة بدا كل شيء متشرذما بالغ الهشاشة والافق بالغ القتامة والياس لقن الكثيرين انه ليس ثمة خيار سوى التساقط مثل أوراق الشجر الجافة.
طغت مفردات ممعنة في القسوة والتجني كأننا لم نكن يوما اهلا وجيران وأصدقاء وأحباب او كأننا ما عرفنا المودة والتراحم ولا لمة الجيران في رمضان ولا انس الاماسي ولا تبادل التحايا كلما أصبح صباح جديد .
فجاة لم يعد يسمع سوى صوت السلاح وفحيح الشظايا والمنايا. ترى كيف يكون حال القناص عندما يعرف أن من أرداه قتيلا كان من اقرب الناس إليه؟!. الحرب تحصد أجمل ما فينا عندما تقتل الشباب والنساء والاطفال والكبار والصغار وتنهب أعظم ما فينا عندما تجتاح ذخيرتنا من قيم التسامح والمحبة . الحرب (كتالة) الرؤى تجعل كل شيء يبدو ممعنا في الضبابية والعتمة .لكن سيكون الفرج حيث يكون السلام ويكون السلام حيث تكون المحبة . «ونحنا أصلنا ناس محبة».
شارك المقال