البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• التاريخ العربي مليءٌ بالقصص المستطرفة، لا سيما تلك التي تُصاغ شعراً، فالعرب هم أهل البلاغة والبيان، ومن أظرف القصص ما يكون في أمر الزواج وتكاليفه، خاصةً إذا كان الرجل قليل ذات اليد؛ ومن تلك القصص أن أعرابياً سعى في الزواج من ابنة عمٍّ له اسمها الرباب فطالبه أبوها بمهرٍ لا يستطيع أداءه، فشرع الأعرابي في سؤال قَبِيله من إخوته وأخواله وبني عمومته إعانته على أداء هذا المهر، فلم يستجب له أحد منهم حتى قصد رجلاً مجوسياً فأعانه، فلما اكتمل العرس أراد الأعرابي مكافأة هذا المجوسي بمدحه كعادة العرب فأنشد قائلاً: 

كفاني المجوسي مهر الرباب 

فداً للمجوسي خال وعم 

وأشهد أنك رطب المشاش 

وأن أباك الجواد الخضم 

وأنك سيد أهل الجحيم 

إذا ما ترديت فيمن ظلم 

تجاور قارون في قعرها

وفرعون والمكتنى بالحكم (يعني أبا جهل). 

فلما سمع المجوسي ذلك سأله مستنكراً: أهذا جزائي؟ أن تجعلني في الجحيم! 

فأجابه الأعرابي: أما يرضيك أن جعلتك مع ساداتها فرعون وهامان وقارون وأبو جهل.

وأيضاً من القصص الطريفة في هذا السياق، قصةُ شابٍ أراد الزواج ولكنه كلما تقدم لخطبة فتاةٍ رُفِض لفقره، فأخبره صديق له بأنَّ هناك رجلاً حكيماً يكنى أبا عزيزة يمكنه مساعدته، فبعث له برسالة طالباً فيها صفات رفيعة لعروسه تقارب حد الكمال إلى جانب أن جميع الصفات تصب في صالحه وتلبية رغباته الخاصة، وكان أبو عزيزة رجلاً فكهاً خفيف الظل، 

وللقصة صياغة شعرية لطيفة على لساني طرفيها:

ﺑﻌﺚَ ﺍﻣـــﺮﺅٌ ﻷﺑـﻲ ﻋﺰﻳـﺰﺓ ﻣـــﺮﺓً

ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻳُﺒﻜــﻲ ﻭﻳُﻀﺤــﻚ ﻣﺎ ﺑﻬـﺎ

ﻓﻴـــﻬﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺭﻳـﺪ ﻣﻨــﻚ ﺻﺒﻴــﺔ

ﺣﺴﻨﺎﺀ ﻣﻌـﺮﻭﻑ ﻟﺪﻳﻜـــﻢ ﺃﺻﻠُﻬـﺎ

ﻭﺃﺩﻳﺒـﺔ.. ﻭﻟﻄﻴﻔـﺔ.. ﻭﻋﻔﻴﻔــﺔ

ﻭﺣﻠﻴﻤـــﺔ ﻭﺭﺯﻳﻨـــﺔ ﻓﻲ ﻋﻘــﻠﻬــﺎ

ﻗﺪْ ﺃﺣﺮﺯﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢِ ﻏﻴﺮ ﺷﻬﺎﺩﺓ

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺴﺎ ﻃُﺮًّﺍ ﺗﻔﻮﻕ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ

ﻭﺗﻜــﻮﻥ أيضاً ذات ﻣــﺎﻝٍ ﻭﺍﻓـــﺮٍ

ﺗُﻌﻄﻴـﻪِ ﻣِﻦْ ﺑﻌــﺪ ﺍﻟـﺰّﻭﺍﺝ لبعلها

ﻭﺃﺭﻳــﺪُ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻜــﻮﻥ ﻣﻄﻴﻌــﺔ

ﺃﻣـــﺮﻱ ﻓﺘﺘﺒﻌُﻨﻲ ﻭﺗﻨﺴﻰ ﺃﻫﻠـﻬﺎ

فردَّ أبو عزيزة على ذلك بقوله:

ﻭﺍفى ﻛﺘـــﺎﺑﻚ ﺳـــﻴﺪﻱ ﻓﻘــﺮﺃﺗُﻪ

ﻭﻋﺮﻓﺖُ ﻫﺎﺗﻴﻚَ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐِ ﻛُﻠﻬـﺎ

ﻟﻮْ ﻛﻨﺖُ ﺃﺣﻈﻰ ﺑﺎﻟّﺘﻲ ﻗــﺪ ﺭُمتها

ﻃﻠّﻘــﺖُ ﺃﻡ ﻋـﺰﻳـﺰﺓٍ ﻭﺃﺧـﺬﺗﻬــﺎ

على الرغم من أن القصتين تسردان للطرفة والضحك، إلا أنّ فيهما تجلياً لمشكلة اجتماعية كانت وما زالت حاضرة، وهي مشكلة المغالاة في المهور، التي دفعت الأول لطلب العون من رجل مجوسي، وحولت الثاني إلى شخص اعتمادي، يرومُ امرأة غنيةً طمعاً في نيل مالها والاستفراد به. ودائماً ما تأخذ المغالاة في المهور تفسيراً لا يناسبها، فلطالما فُسِّر المهر كقيمة للفتاة، وكلما عَلَا زاد تقدير الفتاة وذويها واحترامهما. وفي حقيقة الأمر ما المغالاة في المهور إلا وسيلة للتفاخر والتباهي، وما أكثر تبعاتها الضارة من ضغط مادي يعقبه ضغط نفسي وعزوف عن الزواج.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *