
معتصم تاج السر
كاتب صحفي
• في لحظات الضعف الإنساني حين تثقل الروح بأعباء الزلات يفتح الله للعبد نوافذ نور ينساب منها الرجاء وتمتد منها يد المغفرة.
ليس الإنسان معصوماً لكنه لم يُخلق ليغرق في الظلام بلا مخرج.
جاء في الحديث النبوي (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ). رواه مسلم.
جاء هذا الحديث الشريف كنداء يهبّ إلى القلوب التي أنهكتها الذنوب ليخبرها أن للعودة درباً وللصفاء أبواباً وللغفران محطات تتكرر لتعيد للروح بهاءها وللقلب طهره.
«الصلوات الخمس» «الجمعة إلى الجمعة» «رمضان إلى رمضان» «مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»
بشارةً قالها سيدي رسول الرحمة ليضع أمامنا خريطة الغفران حيث الأيام ليست مجرد أرقام في تقويم الحياة بل محطات تطهير متكررة تطرق أبوابها الأرواح التائبة فتجد فيها ملجأً ومأمناً.
إن الصلاة إلا غيثٌ يتساقط على تربة القلب يزيل عنها جفاف الغفلة ويبعث فيها الحياة من جديد.
إنها الموعد الذي يتجدد خمس مرات في اليوم حيث ينحني الجسد لله فيعتدل القلب وتسجد الروح فتنهض أقوى وأنقى وأقرب إلى خالقها.
أراد الله للصلاة أن تكون نهراً يتدفق في حياة الإنسان فلا يمر وقت طويل دون أن يجد فرصة ليطهر نفسه.
وكأنها نبضٌ يذكّر القلب بأنه لا يزال حياً وأنه مهما أثقلته الخطايا فإن في كل تكبيرة فرصة وفي كل ركعة غفران وفي كل سجدة توبة.
حين وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأنها تكفّر الذنوب، شبّهها بالنهر الجاري حيث يغتسل العبد منه خمس مرات، فلا يبقى عليه أثرٌ من الدرن.
أخرج البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً، هل يُبْقي من درنه شيئاً.؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا».
صدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم.
نعم هي الصلاة تغسل الروح من غبار الأيام، فتنفض عنها الشوائب، وتعيدها إلى صفائها الأول.
ثم تأتي الجمعة كنافذة أوسع كعيد صغير تتزين له الأرواح، في موعد يتكرر كل أسبوع حيث يجتمع الناس في بيوت الله ويخطب فيهم وتُرفع الأيدي بالدعاء ويطرق القلب باب المغفرة مرة أخرى.
هي يومٌ ليس كغيره فيه ساعة لا يُرد فيها الدعاء وفيه اجتماع القلوب حيث لا يأتي أحد إلى الجمعة إلا وقد حمل معه ما بين الأسبوع من أخطاء لكنه يخرج منها كأنها لم تكن بشرط أن يكون قلبه قد حضر بصدق وأن تكون نواياه قد خالطها الإخلاص.
الجمعة إلى الجمعة محطة أسبوعية يُعاد فيها ترتيب النفس كأنها شمس تشرق بعد ليلٍ طويل لتعيد الدفء إلى قلبٍ كاد أن يتجمد من بُعده عن الله.
أما رمضان فهو الرحلة الكبرى نحو المغفرة هو الشهر الذي لا يمرّ إلا وقد طهّر النفوس وغسل القلوب ورفع الهمم وأعاد الإنسان إلى فطرته الأولى.
إلى طهره الأول إلى قربه من الله كما لم يكن من قبل.
رمضان ليس مجرد أيام تُصام ولا ليالٍ تُقام بل هو موسمٌ يفتح الله فيه أبواب الجنة وتُصفّد فيه الشياطين.
من رمضان إلى رمضان تتكرر الفرصة كأنها دورة حياة جديدة حيث يُمحى ما كان ويُسدل الستار على صفحة الأمس ليبدأ الإنسان من جديد أكثر نقاءً وأكثر قرباً.
لكن..
اجتناب الكبائر هو الشرط
كل هذا الغفران وكل هذا الفيض من الرحمة مشروط بشيء واحد: «إذا اجتنبت الكبائر.»
فالذنوب درجات منها ما يُمحى بالصلاة ومنها ما تحتاج إلى توبة نصوح ومنها ما لا يكفيها مجرد الاستغفار بل تحتاج إلى إصلاح وإعادة حقوق وإلى قلبٍ يصدق في رجوعه إلى الله.
إن الكبائر هي ما يقتل القلب وهي ما يُعمي البصيرة وهي ما يجعل الإنسان يتبلّد فلا يشعر بنداء المغفرة ولا تطرق أذنه همسات الرحمة.
فليحذر العبد من أن يستهين بها وليجعل من صلاته ومن جمعته ومن رمضانه فرصة ليس فقط لمحو الصغائر بل لمراجعة نفسه وإصلاحها ومنعها من أن تنزلق إلى هاوية الذنوب الكبرى.
هذا الحديث رسالة طمأنينة لكل قلب يخشى أن يكون قد أذنب أكثر مما ينبغي ولكل روحٍ تخشى أن يكون بينها وبين الله مسافة لا تُردم.
صلاةٌ تمحو أثر اليوم
وجمعةٌ تمحو أثر الأسبوع
ورمضانٌ يمحو أثر العام
والمغفرة دائماً أقرب مما نظن.
ما دام في القلب نبض وما دامت هناك ركعة يمكن أن تُصلى وسجدة يمكن أن تُطال وما دام هناك يوم جمعة ينتظرنا ورمضان سيأتي فإن الباب لا يزال مفتوحاً والفرصة لا تزال قائمة والغفران ممكن لأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد.
اللهم يا واسع المغفرة ويا كريم العفو جئناك بقلوب تائبة وأرواحٍ راجية وأيدٍ ممتدة إلى رحمتك فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا.
اللهم اجعل صلاتنا نوراً لقلوبنا وجمعتنا طهراً لنفوسنا،ورمضاننا باباً إلى رضاك ومغفرتك.
نسألك يا الله أن تمحو زلاتنا وتستر عيوبنا وتبدل خطايانا
وأن تجعلنا من التائبين الراجعين إليك في كل وقتٍ وحين.
اللهم لا تحرمنا من نفحات عفوك ولا تغلق دوننا أبواب رحمتك واهدنا لصراطك المستقيم وثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
شارك المقال