
د. خالد مصطفى إسماعيل
كاتب صحفي
• في هذه الأيام نحن نعيش موسم جني ثمار المانجو، وتنتشر أشجار المانجو بأعداد كبيرة في المنطقة الشرقية لجنوب كردفان، وتمتد حدائق المانجو (جنائن المنقة) على طول المنطقة بداية من العباسية تقلي ورشاد وأبو كرشولا وأم شمشكة وفجوج، والفيض وتاندك وتجملا وغيرها بأعداد متفاوتة. وتعد مدينة أبوجبيهة المركز الرئيس لإنتاج وتصدير فاكهة المانجو، وقد اشتهرت بذلك في كل السودان. وتوجد بالمنطقة الآلاف من أشجار المانجو، وتنتج كميات كبيرة من ثمار المانجو.
من دواعي فخرنا وسرورنا أن تنتج بلادنا فاكهة المانجو، وبهذه الكميات الهائلة، والجودة العالية، والأجمل أن يتذوق إنسان المنطقة وإنسان السودان على وجه العموم مذاق فاكهة المانجو اللذيذ على مدار موسم كامل، يمتد من نهاية شهر فبراير إلى نهاية شهر مايو، ويصل إنتاج المانجو أعلى مستوياته في شهري مارس وأبريل.
وتعد المانجو من الفواكه اللذيدة الطعم، واللطيفة النكهة، والجميلة الشكل، وتحتوي على مواد غذائية كثيرة مفيدة للإنسان. ويمكن أن تؤكل كفاكهة طازجة، أو تحويلها إلى عصير (عصير المنقة).
كما ألهمت المانجو (المنقة) الكثير من الشعراء، فكتبوا فيها شعراً جميلاً، وشبّهوا بها محبوباتهم، وتغنى بها العديد من الفنانين، وكانت عبارة (يا منقة) يتغزل بها الفتى في محبوبته.
نعود ونقول وبرغم الإنتاج العالي لفاكهة المانجو في المنطقة، إلا أن الاستفادة منها اقتصادياً لم تكن بالقدر المطلوب، فهناك عدة عوامل وتحديات تحول دون الاستفادة من هذا الإنتاج الكبير للمانجو، ومشكلات كثيرة تواجه عمليات تصدير وتسويق الفاكهة، مما يجعلها غير ذات جدوى اقتصادياً.
أول هذه التحديات هو (عملية النقل والترحيل) من مكان الإنتاج إلى الأسواق وأماكن الاستهلاك والتصدير، حيث لا توجد طرق معبدة لنقل هذه الفاكهة، مما يجعل عملية النقل في غاية الخطورة، علماً بأن المانجو لا تبقى فترات طويلة، فهي سريعة التلف بعد نضجها، مما يعرّض التجار للخسائر، لذلك يلجأ التجار لشراء المانجو من المواطنين المنتجين بأرخص الأسعار حتى يقللوا من الخسائر المحتملة، كما لا توجد عربات مجهزة لنقل الفاكهة بصورة مثالية، لحفظها في درجات حرارة معينة، ووصولها بحالة جيدة إلى المستهلك الداخلي أو الأسواق الخارجية، فعملية النقل هذه من أكبر التحديات التي تواجه منتجي ومصدري المانجو، وحلها يعد مدخلاً لوصول فاكهة ممتازة وبكميات كبيرة إلى كل أنحاء السودان، وتصديرها للخارج، وتقليل كمية التالف منها، وزيادة العائد للمنتجين.
كميات المانجو المنتجة في الوقت الحالي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، جزء يتم استهلاكه محلياً وفي الأسواق القريبة، وجزء يذهب بصعوبة إلى الأسواق السودانية في الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان وغيرها، وربما للأسواق الخارجية، أما الجزء الآخر فيصيبه التلف؛ لعدم توفر عربات النقل، وارتفاع التكلفة، وتدني الأسعار؛ فتترك المانجو لتأكلها الحيوانات.
المعضلة الثانية التي تواجه منتجي ومصدري المانجو، لا توجد مصانع لتعليب الفواكه، لتحويل المانجو إلى عصير وتعبئته وحفظه، وتصديره، فعصير المانجو جيد ومرغوب في الأسواق المحلية والعالمية، ويدخل في عدة صناعات.
النقطة الثالثة والمهمة أيضاً، أن كل (ثمرة) مانجو يمكن أن تتحول إلى (شتلة)؛ فبدلاً من رميها بعد أكلها، وتتحول إلى نفايات وأوساخ، يمكن لهذا العدد الهائل من الثمار أن يتحول إلى شتول، وبمجهود بسيط، ويمكن زراعة هذه الشتول في كل أنحاء السودان، والعمل على تشجير المدن والاستفادة منها في الثمار والظل والتجميل، خاصة وأن المانجو من الأشجار الظليلة جداً والدائمة الخضرة، بالإضافة إلى ثمارها. فأمام كل بيت يمكننا أن نزرع شجرة مانجو أو أكثر، وبذا نكون (ضربنا ثلاثة عصافير بحجر واحد).
لذلك أدعو حركة السودان الأخضر إلى تبني سياسة زراعة أشجار المانجو في كل مدن السودان وأريافه وبواديه.
كما يمكن أيضاً تحويل أوراق شجر المانجو التي تتساقط أثناء جني الثمار إلى علف للحيوانات، عن طريق صناعة الأعلاف، والاستفادة منه في تربية وتسمين الحيوانات، مما يعود بالفائدة.
مما سبق ومن الواضح نحن لا تنقصنا الموارد، ولكن ينقصنا كيفية إدارتها وتطويرها، فمورد مثل أشجار المانجو يعتبر مشروعاً متكاملاً.
اجتهد المنتجون ومزارعو الفاكهة وحدهم وبخبرتهم المحلية البسيطة، وأنتجوا هذه الكميات الكبيرة من المانجو، فلو انتبهت الدولة لهذا المورد، وساعدت هؤلاء المنتجين المحليين بالخبرة العلمية والتكنولوجيا الحديثة، وحولت هذا المورد إلى مشروع متكامل يحتوي على مصانع لتعليب المانجو، ومصنع لصناعة الأعلاف، ومشاتل لزراعة الشتول، وتحسين النقل من أجل تصدير فاكهة طازجة وبحالة ممتازة إلى الأسواق الداخلية والخارجية، ومع وضع بعض اللمسات الفنية والتسويقية والإدارية بصورة متخصصة، يمكن أن تتحول إلى مورد هائل يدر للدولة دخلاً كبيراً، ويساهم مساهمة فعالة في الدخل القومي، ويرفع من مستوى دخل الفرد، ويساهم في عملية التطوير.
لذلك نطالب بإنشاء طرق معبدة من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، وإقامة مصانع لتعليب الفواكه والأعلاف في المنطقة، وهذه ضرورات ملحّة يطالب بها سكان المنطقة، نرجو الإسراع في تنفيذها حتى يعم الخير الجميع.. والسلام.
شارك المقال