حوار : طارق عبدالله علي
• من ولاية النيل الأبيض ومدينة كوستي التي تتنفس إيقاع الإبداع، انطلقت موهبتها لتلامس سماء الشعر في العاصمة الخرطوم. هي شاعرة سودانية أصيلة، لها تجربة فريدة وبصمة واضحة في كل منبر أدبي، إذ جمعت بين لغة الأرقام في المحاسبة وحكمة القوافي والأوزان. إنها «ست البنات ركاب فضل ركاب»، من مواليد «1982»م، خريجة «كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية» قسم «المحاسبة» من «جامعة النيل الأبيض الأهلية»، متزوجة وأم لثلاث بنات وولدين، ومقيمة حالياً في الخرطوم. نستضيفها اليوم للحديث عن مسيرتها الأدبية والإدارية، أهلاً بك مواهب وسعداء أن نستضيفك اليوم في هذا الحوار الذي نبحر عبره في تجربتك الإبداعية بكتابة الشعر، ونستكشف التوازن الفريد الذي حققتيه بين لغة الأرقام في المحاسبة وجمال القوافي.
• بدايةً.. متى وكيف اكتشفت مواهب شغفها بالشعر؟ وما هو أول نص شعري دفعها للاستمرار؟
– في البدء أهلاً ومرحباً بالشاعر الشاب الطموح طارق عبد الله، وإنه لمن دواعي سروري أن أكون ضيفة في صحيفتكم العامرة (ڤويس)، شكراً جزيلاً على هذه الاستضافة، وأتمنى أن تُعانق كلماتي أعين القراء بقبول ومحبة.
كانت البدايات منذ الصغر؛ حيث كنتُ مولعة بحب الشعر وجمع الكتابات والقصائد الجميلة، ليتحول هذا الإعجاب إلى شغف ومن ثم الولوج إلى عالم الكتابة. النصوص الأولى كثيرة ولكن خانها التوثيق، وربما لم تكن جديرة بالنشر والمشاركة. إليكم هذا النص التلقائي البسيط الذي وجد قبولاً واسعاً وتمت المشاركة به في عدد من المواقع:
نحن آسفين
يا علمنا
شرف بلدنا وتاج وقارا
من عرفناك
سر شموخها وعزها
ومصدر فخارا ..
كنا حافظين
في نشيدك
شتى ألوان الجسارة ..
ومستمدين من شكيمتك
قوّة تتحدى الخسارة ..
والله آسفين
يا وطنّا
لو (أشانَك) حُكم جائر
ومسّ أمرك سوء إدارة ..
أو (أصابك) جرح غائر
ودمك إتراق بغزارة
نحن يانا حُماة عرينك
وعنه بنزود بجدارة ..
ما بنساوم بي قضيتك
سِلم .. حرّية وحضارة ..
وكل ما تسعى الأباطيل
لخضوعك
نحن بنزيِّن ضفافك ..
نور وأزهار وانتصارا ..
الأيادي السافكة دمك
مااا بنقبل اعتذارا ..
وأي خطوة تزعزع أمنك
قد وجب تصحيح مسارا ..
جداً آسفين
يامنارة …
ويا وطن نحن بنحبك
نيل وغيمة ..
كلما انطفأت عزيمة
يهتف الأبطال بموكب
تُستمد منه الإثارة ..
وكل ما يسقط بأرضك
دم شهيدك
تُكتسب جُرأة ومهارة ..
شوكة الظلم القوية
أمر محتوم انكسارا ..
وراية الحق والعدالة
مصيرا تخفق في ديارك
حِلَّة حِلَّة .. وحارة حارة ..
• ما هي المدرسة الشعرية أو الأسلوب الذي يميز قصائدك؟
– مدارس الشعر تيارات فكرية وأدبية مختلفة، وكل مدرسة شعرية لها مميزاتها وروادها وبلا شك تساهم في إثراء المشهد الشعري وتنوعه. أميل إلى الشعر الكلاسيكي والعاطفي وأحياناً الواقعي، وتتسم كتاباتي بصفة عامة بالبساطة والسهولة والواقعية. أكتب في كل من الشعر الفصيح والعامي (المرابيع)، فبينما أعشق الفصيح أجد في كل نوع طعماً ونكهة خاصة مميزة:
يا جَمِيلاً، لنْ يُكَرَّرْ فِي جِدارِ القَلْبِ مَنقُوشَاً بأحْرُفِ حُبِّهِ حَدَّ الصَفاءِ وفِي النَّقاءِ مَدى البَقاءْ …
غِبْ قَلِيلاً، لا تُطِيلَ البُعدَ شَوقِي مُهْلِكِي لَيْتَ العَطَاءَ كما الوَلاءَ بِلا إنتِهاءْ….
هَاكَ الفُؤادَ وما حَوى، شَهْدَاً تَدَفَّقَ في زَمانِ الحُبِّ وَصْلاً لم يُبدِّدَهُ العَناءْ….
نَجْماً تَخلَّدَ فِي الحَنايَا سَاطِعاً يَسْبِي سَمَاواتِ الغرامِ ومِيضَهُ يَهَبْ الأحَاسِيسَ السَّناءْ…
فِي العِشْقِ مُرْغَمةً أسِيرُ على خُطَىً ألِفَ الفُؤادَ دُرُوبَها ما كانَ يَسمَعُهُ النِّداءْ….
قُلْ لِي تَمَهَّلْ يا رَفِيقَ العُمْرِ فِي عُمْقِي سِنيناً حَالِماتٍ زيَّنَتْ أُفُقْ الرَّجاءْ…
قُلْ لِي بِرَبِّكَ يا حَبِيبَ الحُبِّ هَلْ تَصِلُ الأمَانِي مُجْمَلَ الغاياتِ يَبْلُغُها الهَنَاءْ…؟؟
أمْ تَعْجَزُ الأيَّامِ عَنْ إدْرَاكِ حُلْمٍ زَاهرِ الطُرُقاتِ وضَّاحْ الضِيَاءْ…
• كيف أثرت نشأتك في كوستي في مخزونك اللغوي وشاعريتك مقارنة بتأثير الإقامة في الخرطوم؟
– بالطبع أثرت نشأتي في كوستي، مدينتي الحبيبة والملهمة، حيث كانت الطفولة والدراسة والذكريات المحببة الموشومة على الذاكرة ألقاً وانشراحاً. كوستي، بتقديرها للجمال الطبيعي وبساطتها وعلاقاتها الواسعة، كان لها تأثير كبير على مخزوني اللغوي وشاعريتي. مجتمع كوستي المُحبّ والداعم، ولهجتها المحلية، وثقافتها الفريدة شكلت عوامل مساعدة في تكويني الروحي والوجداني، وألهمتني كثيراً في مختلف كتاباتي الشعرية.
صباحات كوستاوية
في كوستي بس
تبدأ الصباحات التمام ..
تشرق شمس
يطلع غمام ..
ينزل مطر
يتبدد الهم والجفا
ويتلاشى حس الانهزام ..
تخضر قلوب
قد طال أساها
وتنفتح قداما طاقات
من وسامة واهتمام ..
غير كوستي مين
يقدر يجيب الفرحة
من مافي
ويعبي الروح
سلامة وابتسام ..
متى ما تلامس أرضها
وأقدام محبيها
الملامح ترتوي
بكل المرام ..
حتى الشوارع والبيوت
تحلف تقول
بيناتنا إلفة وانسجام ..
كل التفاصيل
تبدو مُتسقة
ومحببة للقلب
في جو بديع
كوستاوي بس
عند انتقالي إلى الخرطوم، وجدت نفسي في بيئة أكثر تنوعاً وثقافة مما وسّع من آفاقي وأثّر في أسلوبي الشعري.
• من هم الشعراء السودانيون أو العرب الذين تأثرت بهم؟
– يجذبني كل شعر جميل رصين وهادف، وليس هناك تأثير مباشر من شاعر بعينه، ولكنه بستان من أزاهر الحروف المحببة انسكب صدى رحيقها بمخيلتي وأرض إلهامي فأنبته الله نباتاً حسناً. وبلا شك، بعد الموهبة المتأصلة والفطرة، الشعر تأثير وتأثر. أحبذ أشعار شعراء كثر من مبدعي بلادي العمالقة منهم أزهري محمد علي ومحجوب شريف وآخرون، كما يتميز شعراء شباب لا يستهان بهم بأعمال عظيمة. تعجبني بصورة خاصة لونية الشعر المتفردة تحديداً لدى المبدع عبد القادر الكتيابي، وشاعر كوستي المتميز هيثم الفادني، وخنساء السودان روضة الحاج.
• ما هي القضايا الإنسانية أو الوطنية التي تستفز قلمك بشكل أساسي؟
– أكتب عن الوطن وقضاياه، عن الحب والعلاقات الأسرية، عن الصداقة لأنها تشكل جزءاً كبيراً من تجاربنا الإنسانية، عن الأمل والتوكل والعزيمة، عن السلام والوطنية والانتماء، عن الأحداث اليومية والحياتية، وموقف عابر، وفقدان عزيز. كل هذه القضايا تستفز قلمي وتلهمني لكتابة الشعر.
• دراستك المحاسبة تعتمد على الدقة والمنطق… كيف تلتقي هذه العقلية الرقمية التحليلية مع الطبيعة الإنسانية والروحانية للشعر؟
– أرى أن دراسة المحاسبة تطوير لعقلية منطقية وتحليلية، بينما الشغف بالشعر يساعد على استكشاف عوالم العاطفة والإنسانية. المحاسبة تعتمد على الدقة والانضباط، وهذه الصفات تساعد على تنظيم الأفكار والكتابات الشعرية. الالتقاء بين العقلية الرقمية والطبيعة الروحانية للشعر يخلق توازناً رائعاً في الشخصية، ويمكن من خلال هذا التوازن التعبير عن الأفكار بطريقة مبدعة.
• ما هو الأثر الذي تركته دراستك في جامعة النيل الأبيض الأهلية على تكوينك الفكري والثقافي، وهل كان للجانب الثقافي في الجامعة دور في صقل موهبتك؟
– جامعة النيل الأبيض الأهلية بلا أدنى شك محطة تستحق الوقوف عندها، حيث كنا الدفعة الأولى فيها وكان لنا نحن الطلاب كل الاهتمام والتقدير وكامل الرعاية والمحبة من الإدارة والعاملين. ولكن وقتها لم يكن الشعر غاية اهتماماتي، فقد بدأت في نشر بعض أشعاري المتواضعة في صفحتي على الفيسبوك، وبفضل الله وجدت استحساناً وقبولاً من المتابعين.
• ما هو حضور قضايا المرأة السودانية وتحدياتها وأحلامها في نصوصك الشعرية؟ وما الدور الذي ترينه للشاعرات في رفع الوعي بهذه القضايا؟
– قضايا المرأة السودانية تحتل مكانة مهمة في نصوصي الشعرية. أرى أن الشاعرات يلعبن دوراً مهماً في هذه القضايا؛ حيث يمكنهن التعبير عن تجارب المرأة السودانية وتسليط الضوء عليها، كما يمكن رفع الوعي من خلال النصوص الشعرية. الشاعرات يمكنهن أن يكن قدوة حسنة للنساء، ويلهِمنهن لتحقيق أحلامهن.
• في ظل الظروف التي يمر بها السودان كيف ترين دور الشعر في توثيق المرحلة الحالية وهل تجدين أن الشعر قادر على لملمة الجراح وبث الأمل؟
– نعم، أرى أن الشعر يلعب دوراً مهماً في تصوير المرحلة الحالية، مما يجعله سجلاً تاريخياً يساعد في توثيق الأحداث التي تمر بها البلاد. من ناحية أخرى، الشعر تعبير عن مشاعر الناس وأحاسيسهم في ظل الظروف الصعبة، كما يمكن أن يكون دعوة للتغيير والإصلاح. أما عن قدرة الشعر على لملمة الجراح وبث الأمل، فيمكن القول إن الشعر يخفف الألم النفسي والجسدي، ويشكل مصدراً للراحة والسكينة، وبث الأمل في نفوس الناس والمساهمة في بناء جسور التواصل والتفاهم بينهم. أنا أؤمن بأن الشعر يمكن أن يكون مصدراً للإلهام والتغيير.
• ما هي آخر المشاريع الشعرية؟
– من أواخر المشاريع الشعرية، هذا النص الذي أخذتني حروفه حيث رقة العتاب وجميل اللوم عندما يأتي من نفس لطيفة وروح محبة:
يوم نلومَك حقو تعرِف
إنتَ عندنا زول مِثالي
مابتنالو عِتابنا أصلاً
إلا تبقَى عزيز وغالي
يعني لو لُمناكَ أفرح
وللمحبَّة البينَّا والي
وبي تَواضُع إحتوينا
وسِيب عِنادك والتَّعالي
في حروف اللوم محنّة
واعتراف للوصل ضامن
واحتياج بالود مغلف
بي عشم في النفس كامن
ما بنبوح بيهو ونصرِّح
إلا في جو سلمي آمن
واختيار أسلوب منمق
يسمو بالحالة ويزامن
في حروف اللوم رسائل
رامزة لألطف معاني
شايلة في طياتها إلفة
ورِقّة حاوياها المباني
ما القصد تجرح تألَّم
قدر ما تقصد تداني
ولا بتفرِّق بين حبايب
بل تقرِّب في ثواني
الملام منبوذ بلا شك
لو جاء بألفاظ مريبة
لو تسبب في أذية
أو كسر خاطر مصيبة
يبقى ما كل زول بلوِّم
قصدو تبقى الناس قريبة
وأبقوا عشرة على صِلاتكم
لا جفاف لا هم يصيبا
• كيف تقيمين علاقة الشعر السوداني اليوم بوسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل ساعدتك للوصول لجمهور أوسع؟
– أرى أن الشعر السوداني اليوم له علاقة وثيقة بوسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الوسائل بلا شك ساعدت في نشر الشعر بشكل واسع، ومكّنت الشعراء من التفاعل مع جمهورهم بشكل مباشر، وتلقي التعليقات والآراء خاصة من جمهور الشباب الذين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع.
• إذا كان لمواهب ركاب أن تترك بصمة واحدة في ذاكرة الأجيال القادمة، سواء كانت من خلال قصيدة أو موقف أو فكرة، فماذا تختارين أن تكون تلك البصمة تحديداً؟
– أتمنى أن أترك بصمة في ذاكرة الأجيال عبر قصائدي، تحثهم على حب الوطن والوفاء له، وإشعال روح العمل لبناء وطن أفضل يملؤه التسامح، وتقوية المحبة والوحدة بين صفوف أبنائه، لنعمل جميعاً من أجل تحقيق السلام والاستقرار، مما يجعل من تلك البصمة مصدراً لإلهام الشباب، وتحفيزاً لهم على الثقة بالنفس، والسعي الجاد من أجل إدراك أحلامهم وطموحاتهم.
شارك الحوار
