
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• رُبَّمَا أكُون غَيرَ مُبَالِغٍ إن قلتُ إن أي مَسؤولٍ أو موظفٍ تَمَّ نَقلُهُ للحصاحيصا تشبث فيها وتمنى أن يموت فيها، وذلك لسبب من اثنين، إما لأنه ابن حلال فيجد فيها حسن المعشر وطيب السكنى وجمال أهل البلد الأصيلين، وإما لأنه وجدها بلد مستباحة يفعل فيها ما يريد، ينهب ويسرق ويكتنز المال والذهب ولا حسيب ولا رقيب، هؤلاء الحرامية يتكلمون في مجالسهم عن الحصاحيصا ويسمونها (الكويت)، ذلك لما يجده المسؤول فيها من مكاسب مادية، الحصاحيصا منجم الذهب للمسؤولين عديمي الضمير، فلم يطأها مسؤول وإلا جعلها داره ومقداره، فإن كان عفيف اليد واللسان طابت له المدينة، لما تحمله من دفء وحب للآخرين وتقبل الآخر، وإن كان المسؤول (حرامي) فـ(تاهت ولقيناها)، يرشف ويلغف ويلهط ويتجرع ويكعكع ويبرطع ويختلس ويسرق وينهب ويكنز ويتجدع كما يريد ومتى ما يريد، (3 ميمات) و(ألف) واحدة و(طاء) واحدة هم أس بلاء المحلية، خمسة ضباط لم يرتجف الكرسي من تحتهم فباتوا في مأمن من السؤال، وما زالوا ينهبون، وما زالت ألسنة الحصاحيصا خرساء، يرفق الضابط منهم فاتورة بمليار أو نصف مليار شهرياً، غير الدعم الشهري الذي يصل إلى 600 ألف لكل واحد، ولبقية الموظفين 50 ألف جنيه، يقول ليك حسب اللائحة. يذكرني النهب المقنن والمحمي باللائحة هذا حواراً للفنان نجيب الريحاني وعباس فارس في فيلم (أبو حلموس) الدقيقة (18:50) حتى الدقيقة (22:40) من الفيلم، شاهد لتشاهد مشهد الحصاحيصا الآن، وأصول فن النهب تحت حراسة اللائحة المَلْوُوُحَة، ووصل بهم الحال أن تكون العربة ملكاً للضابط، وتكون بوكس موديل الثمانينات، يركب الضابط عربته وتدفع له المحلية إيجاراً شهرياً مليار جنيه، وأخرى آكسنت بنفس نظام (حلموس)، وتدفع المحلية لمالك العربة وهو موظف معها مبلغ المليار جنيه شهرياً، وكيف لا نتصارع على (هملة الحصاحيصا) وندفع الرشاوي لنقلنا إليها أو لتثبيتنا فيها، أو لإرجاعنا مرةً أخرى لها، جنينة وخفيرها ميت. حقاً إنها الكويت.
فكيف يقطعون الرأس ويتركون الذيل!؟ ذهاب بلة خوجلي ليس هو الحل، فمحلية الحصاحيصا الأجدر أن يسمّوها محلية مدني، نسبة للعدد الكبير للضباط الإداريين الذين تجمهروا فيها وهم في الأصل من مدني! لماذا؟ ولماذا تتدخل الوساطات للضباط في طلب النقل للحصاحيصا؟ ولماذا هناك ضباط لم يتم نقلهم من العام 2004؟ ولماذا هم مكنكشين بهذه الطريقة؟ وحتى الذي يتم نقله يعود مرة أخرى بطريقة تثير التساؤلات؟؟ متى يتم إصدار الخروج النهائي لهؤلاء من (الكويت). لا نريدهم فالسرطان ما زال يأكل في جسم الحصاحيصا، والداء ما زال بلا دواء.
نعم فنقل المدير التنفيذي بلة، وهو القادم من العُك في الشرق من محلية الحصاحيصا إلى رفاعة، ما هو إلا كمادات لتخفف الرشح ولكنها لا تعالجه، العلاج ليس في نقل النفايات إلى منطقة أخرى، بل العلاج هو حرق هذه النفايات في موقد الصالح العام، الصالح العام الذي دشنته الإنقاذ سيئة الذكر في غير محله، ورفضت حكومة الطوارئ تفعيله في محله. فما ذنب رفاعة أن تكون مكباً لنفايات الموظفين؟ وما ذنب الحصاحيصا أن تكون (كويت) لكل من يرضى عنه الوالي أو ترضى عنه السلطات؟ الوالي الذي يُرضي موظفيه على حساب شعب المحلية نفسه هو غير جدير بالولاية، وغير أمين لها ولأهلها، الوالي الذي يقرأ هذه السطور ويسكت مجاملاً بذلك من هو أعلى منه أو صديقه أو (زوله)، قد خان الأمانة، ولن يلقى الله إلا مكتوف اليدين في طابور الظَلَمَة، فما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، كما ورد في الحديث الشريف، ونقف هنا موقف أبي بكر الصديق حين قال: (أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني)، ونقولها الآن وقد وُليتَ علينا لنُقَوِّمَكَ: (اتقِ الله فينا)، تدوير الضباط الإداريين الدوري لا يعني علاج مشكلات المحليات، ولا يعني إسكات الأقلام التي ترى قبل أن تكتب، وتنطق قبل أن تُحَبِّر، وتُراقب قبل أن ترسل رسائلها، وأن بداية غيث العلاج هو النصيحة، فإن لم تجدِ فنرفع الأمر إلى من هو أعلى منك من البشر، فلن تكون بأفضل من إيلا حين افترى على الناس فبقي الناس وذهب هو، ولن تكون أقوى من البشير نفسه يوم أن غادر مكسوراً محبوساً منكراً غير مرغوب فيه.
ويا خوفي لو كان الوالي نفسه يبحث عن إقامة في (الكويت)!
شارك المقال