
أضف من (ريش الببغاء) إلى (نسيان ما لم يحدث): ٦٠ عاماً من الإبداع
حوار: محمد نجيب محمد علي
• الحديث مع عيسى الحلو له متعة مختلفة كانك تجلس مع مجموعة من المبدعين وليس مبدع واحد ، فهو قاص وروائي وناقد بجانب إشرافه على الملفات الثقافية على مدى ستين عاماوقد وجدت أعماله الإبداعية خاصة فى مجال الرواية العديد من الدراسات النقدية والجامعية إذ يعد أحد الكتاب الكبار فى هذا المجال وله العديد من الإصدارات أولها ( ريش الببغاء )التي صدرت عام 1967 وآخرها روايته (نسيان ما لم حدث) والتي صدرت عن دار مدارك قبل أيام بالخرطوم .
وبينهما حوالى الثمانية إصدرات بين القصة القصيرة والرواية , طالت جلستنا على مدى أكثر من يوم وحول أكثر من قضية حول الراهن والتجربة والكتابة والفلسفة والسياسة وهو موسوعة فى كل مجال يتناول كل مسألة بترتيب ووعي عميق وذاكرة لا تجفل خيولها .. هو حوار المتعة والمعرفة ..كل إجابة منه تطرح سؤالا وكل سؤال يقود إلى إجابة ..وكانت هذه الحصيلة

• مادور الأدب العربي الجديد كما إقترحته ثورات الربيع العربي؟
– الأدب الجديد كما تقترحه ثورات الربيع العربي هو بالضبط ما كنت أقوله لك قبل قليل الربيع العربي يريد تفعيلا جديدا للحيوية القومية والوطنية لما يحقق أحلام الشعب فلا يكفي وجود الخبز فقط ولا الدواء فقط ولا الترفيه فقط ولكن دولة المساواة فى الرفاهية ورغد العيش وأن لايكون هنالك محروما قط وأن ينال كل أبناء الشعب التعليم وحق العمل فى الإبتكار والتجديد وبناء الدولة الحديثة ولا يكون ذلك إلا فى مجتمع ديمقراطي تتعدد فيه منصات التعبير عن الرأي والرأي الآخر
بإختصار الربيع العربي يريد الخبز والحرية والأمان والمساواة وإحترام الأنا للآخر وصفاء الأخلاق ونظافتها وإعداد المواطن الصالح لدولة صالحة .
• وسط كل هذا ماهو الدور الإيجابي الذى قام به الكاتب العربي بما فيهم أنت في تغيير هذا المشهد وتفعيله سياسيا وثقافيا وسياسيا بغرض تغييره وصناعته من جديد وهل تري إمكانية ثورة قادمة شعبيا ونخبويا لإقتلاع الفساد من جذوره ؟.
– أرى أن المستقبل هو للجديد الذى يقتلع جذورا ميتة ويزرع بذورا يانعة فهناك فى عالمنا العربي من قاموا بهذا الدور وخصبوا جذور الحياة وجعلوا النماء يزدهر فهم أجيال وأجيال أشير لك عن المبدعين الكبار فى زماننا العربي والسوداني فى السودان هناك الدكتور حيدر ابراهيم والدكتور عبد الله على ابراهيم والأستاذ كمال الجزولى وهناك نقاد الأدب الدكتور عبد الماجد عبد الرحمن والدكتور هاشم ميرغني والدكتور مصطفي الصاوي ومهدي بشرى ومجذوب عيدروس وأحمد الصادق وفى التشكيل هناللك الدكتور حسن موسي وفى الموسيقي أنس العاقب وهناك عربيا درويش وعبد الصبور وأمل دنقل ومحمد بنيس وعلى شمس الدين وادونيس وهناك الروائي الجميل بشرى الفاضل والروائي المكافح بركة ساكن وأمير تاج السر والحسن البكرى ومن العرب واسيني الاعرج وسمير قسيمي هم كثيرون جدا يستحقون لوحة شرف كاملة لكل المبدعين العرب فى كل الأزمنة والأمكنة أما المستقبل فهنالك شعراء مجددون منهم محفوظ بشرى ومحجوب كبلو والياس ونجيب وبابكر الوسيلة ونجاة محمد عثمان وعبد القادر الكتيابي وعالم عباس ،هناك رأي سائد يمثل موقفا صلبا ضد الجمود والتصلب والجفاف الذى ساد ينابيع الإبداع الفكري والحضاري والسياسي في العالم العربي وفي العالم عموما حتي كدنا نحن في العالم العربي نفقد وطنا عزيزا فلسطين تمثل شرف الامة العربية إلى جانب فقدان الديمقراطية شعبيا ونخبويا فكيف لنا الخروج من هذا المازق واسيني وامير تاج السر اكدا انهما لن يكتبا حرفا الا بعد ان يمتلكا البديل النظري لهذا الواقع المتردي.
الدور هنا معقود علي فعالية الفكر العربي الان علي الثورة والتغيير فهو دور جماعي تقوم به الامة كلها من المحيط الي الخليجي .
• أين موقع الجيل القديم جيلكم والأجيال الطالعة الجديدة من خلال قراءتك لهذا الواقع المتجاذب بفعل قوي القديم وقوي الجديد ثم أين ديسمبر السودانية تلك الاغنية الثورية التي أنشدها جيل التلاتين من العمر؟
– الإشكال الإجرائي فى الكتابة حينما تجد نفسها موضوعة بين القديم والجديد فالكاتب الروائي عليه أن يكتب زمانه فهو ليس مطالبا بكتابة القديم فهو مسئول عن عصره وليس مسئولا عن المستقبل رغم أن كل نص معاصر يحمل شيئا من الماضي وشيئا من المستقبل لأن وجدان الكاتب هو عبارة عن ذكرياته وراهنه وآماله المستقبلية، الكتابة فى الراهن هي جميع كل الأسئلة فتجربة الكاتب الجديد أو المعاصر تستمد خبرتها التقنية وميراثها الثقافي من التراث القومي والتراث العالمي داخل هذه الدائرة على الكاتب أن يكتب وهو منطلق نحو الأمام وملتفتا الى الوراءلكي يستطيع أن يستوعب حاضره وراهنه وبهذا فهو ليس ملزما بتقليد الماضي بل هو مطالب بإبداع الحاضر ولهذا أنا أنصح الكتاب الجدد أن اصالتهم الإبداعية مرتهنة بإكتشافهم للواقع الحاضر الذى يعيشون داخله عليهم أن يكونوا مغامرين فى شجاعة شريطة أن يمتلكوا الأدوات اللازمة لإبداع النص الجديد وفق هذا الزمن الجديد وهذا لا يعني الإنقطاع عن التراث الثقافي القومي والعالمي فمسار التاريخ لا ينفصل عن الماضي بالكامل
فى رأيي الخاص جدا أن ديسمبر أكدت بما صنعته من إبداع هو متحقق الشروط التاريخية الكاملة ومن هنا جاءت حقيقة هذا الإبداع وواقعيته التي تمثل مصداقيته الثورية . كانت الثورات السابقة وتخصيصا ثورة اكتوبر التي أعتبرها نموذجا للفعل الثوري الثقافي والسياسي أنها جاءت بشكل إبداعي خاص يمثل زمانها والمطلوب على مستوى الإفتراض المثالي أن تحقق كل ثورة ذاتها وظروفها الثقافية والسياسية وفق زمانها الثقافي التاريخي إذ أن لحظة هذه الثورة هي لحظة خاصة تصورالتركيب الفكري والجمالي الذى يؤرخ لهذه الفترة، إن النقد الفني والأدبي والفكري والسياسي الذى قرأ إبداع ديسمبر
قرأها على ضوء إبداعات ثورة اكتوبر كنموذج يحتذى هذا النقد يطالب بتكرار لحظة تاريخية لها شروطها الخاصة كزمن تاريخي إنتهى والآن ديسمبر أمام لحظة تاريخية ذات تركيب مختلف وتعقيدات مختلفة فى زمن عصري ثقافي وسياسي مختلف ولهذا لابد من أن يختلف المزاج الجمالى ما بين الأمس والآن ولهذا تجد أن ابداعات ديسمبر أكثر عفوية ثورية إنها لحظة جديدة ذات براءة جمالية خاصة وهذا شيء طبيعي ومن الخطأ قياس الكمال بمعيارى القديم والجديد
• كيف تقرأ ما يقدمه كتابنا السودانيون في خارج الوطن نقادا وشعراء وروائييين ومفكرين ودورهم فى صنع مشهد ثقافي سوداني سياسي حضاري سودانيا عربيا افريقيا إنسانيا عالميا وذلك لأننا بصدد ثورة حقيقية شاملة وكاملة ؟
– أعتقد أن الدور الفعلي والواقعي الذى يقومون به الآن هو أنهم يكتبون نصا من خلال منصات إبداعية عالمية وهذا يعني أنهم يكتسبون خبرات وقدرات إبداعية إجرائية مأخوذة من خبرة علمية تقنية جماليا وحرفيا مما يفيد ويقوي النص فى البلدان النامية عربيا وافريقيا واسيويا إن النهضة الروائية التى شملت امريكا اللاتينية كانت بسبب إتصال الروائيين فى امريكا اللاتينية بكتاب اوروبا الغربية ماركيز نزح إلى باريس لفترة وكذلك فعل بورخيس واسترياس وإستمدو الكثير من الحرفية الابداعية والروائية وهو ذات الشىء الذى فعله كتاب الولايات الامريكيبة المتحدة حينما إلتحقوا فى باريس بمنتدى الأمريكية جيرترود اشتاين وهم من الكتاب الشباب ت إس اليوت ،ازرباوند فكس جرالد، وهمنجواى، فاستطاعوا أن يرفدوا الشعر الوطني فى كل من الامريكيتين بروافد التجديد والتقنيات المتقدمة فى الكتابة الجديدة ولهذا أتوقع بالضرورة أن تفيد هذه التجربة التي يقوم بها بركة ساكن وهو الآن يحضر مختارات قصصية لعدد من كتاب السودان مما يشيع بعضا من الحوار المتوقع بين هنا وهناك وكذلك يفعل امير تاج السر وعماد البليك ونفيسة زين العابدين وبشرى الفاضل ويحي فضل الله في كندا والبرنس فى كندا فهذا من النشاطات التي تؤثر فى الكتابة الإبداعية السودانية المعاصرة كما أثرت فى الخمسينات كتابات فيتورى وتاج السر وفارس والجيلي فى ربط قصيدة التفعيلة العربية كتجديد فى الشعر وصلت أصداؤه الشكلانية الحرفية إلى الخرطوم ومثل هذا الفعل الثقافي يفتح آفاقا للحوار الثقافي السوداني القومي مع الحوار الثقافي العالمي كنا فى الأسئلة الثقافية الماضية ندير حوارا مع الإخوة العرب في العواصم الثقافية المتعددة فعلينا أن نفتح نفس القنوات مرة أخري وأن نفتح قنوات جديدة مع كتاب افريقيا لأن ركائز ثقافتنا السودانية تقوم على الإفريقية والعربية والإنفتاح على ثقافات العالم عموما ومن الملاحظ هنا حسب ما جاءت أسئلتك المحيطة فى هذه القضية أن هنالك انقطاع فى الوصال والاتصال بإبداع ببعض الدول العربية الأخرى كدول الخليج مثلا البحرين وعمان والاردن والكويت أما لبنان ومصر والجزائر والمغرب فإن ثقافتهم تصلنا فى الخرطوم لنشاط منافذهم الثقافية.

• لماذا تبني مواسساتنا الثقافية والفكرية والسياسية على أسئلة إفتراضية قصيرة المدي تشتعل فجاة ثم تنطفي فجاة؟
– دولنا العربية المعاصرة تفشل دائما فى صناعة السؤال الحقيقي ومن ثم فهي بفعل سوء النية وتماثلا مع التناقضات المتحزبة بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة فهي بالضرورة تصنع إجابات للإسئلة ناقصة وضعيفة ومضللة وهذا ما تجده حتى فى الأزمنة الديمقراطية فكثير من أحزابنا السودانية الديمقراطية مثلا تفككت وتحولت إلى روافد داخل هذه الأحزاب مما أضعف الأحزاب الكبرى وفتح بابا للانقلابات العسكرية المتتالية بين الفينة والفينة ومما أشاع دكتاتوىيات فى كثير من بلدان الشرق الأوسط دكتاتوريات ذات أوجه مكشوفة أو مغطاة بطبقة كثيفة من (الميك اب) الديمقراطي والشعبي حتى قضية فلسطين التى نعزي الصعوبات التى تواجهها للخيانات السياسية القومية هي بسبب الفشل الذاتي السياسي والحضارى داخل الدول العربية ذاتها فما يخون القضية الفلسطينية سياسيا هو هذا الترهل والضعف السياسي غير القادر على حل المشكلات الحضارية الثقافية والسياسية داخل الدول العربية نفسها فكيف للضعيف أن ينجد جارا أو صديقا ضعيفا.
• هنالك ظواهر ثقافية متعددة تظهر فى هذه الاوانة وهي ضعيفة الشكل والمحتوي وذات خطاب متلجلج وهي لا تعرف طريقها ولا تعرف أهدافها تنطلق فى عالم افتراضي غامض وهلامي وغير محدد الملامح ومتضخم الذوات بشكل إسطوري بلاهدف سوى نرجسية عالية ومتطلبات للشهرة غير المستحقة.. هل هذا من مظاهر الفراغ الثقافي ؟
– هذا بسبب ضعف القدرة الفكرية والفنية وبسبب بعد الكفاءات الإبداعية والفنية لفقر الساحة ولتقدم المبدعين الكبار في السن كابلى مثلا حيدر ابراهيم مثلا كمال الجزولي مثلا محمد المكي ابراهيم مثلا ابراهيم اسحق مثلا
كل هذا الذى ذكرته أنت هو يمثل الأسباب التي كونت هذه الظاهرة إلا أنها أسباب تفصيلية أما السبب الأعم هو بطش الدولة الدكتاتورية التي كممت الأفواه وحبست حرية الإبداع وجففت ينابيع الحوار التعددي فهاجر كثير من المبدعين إلى دول المهجر والآخرون هجروا فعل التعبير الفكري والسياسي والفني فشاع هذا البوار وأصبح الفضاء واسعا لكل من هب ودب وإختفت المواهب الكبيرة في هذا المهرجان البهلواني لاسيما إنه فى الأساس لم تتأسس صناعة ثقافية جادة لعدم توفر شروط الصناعة الثقافية رأس المال والمصانع ومعدات هذه المصانع الآلية والبشرية وغياب الإستراتيجيات الفاعلة لتأسيس هذه الصناعة وإنفراد الصناعة الثقافية العربية والأجنبية بسوق إنتاج السلع الثقافية المجلة والصحيفة والدراما التلفزيونية والدراما السينمائية والمسرح الدرامي والغنائي الإستعراضي وتدهور فن الغناء والموسيقي بسبب ضعف روؤس الأموال مما أضعف قدرات التلقى الإبداعي مما أضعف ايضا الاستهلاك الثقافي فاختلت إمكانات توازن الإنتاج الثقافي ما بين رأس المال والفائض الربحي مما أدى إلى ضعف الخبره اللوجستية وكفاءة المستهلك الشيء الذى أدى إلى رواج السلع الثقافية التي بلاقيمة فكرية وجمالية فى كل الأجناس الإبداعية ولعلك تلاحظ وفرة ورواج الانتاج الثقافي الاستهلاكي فى القنوات الفضائية سودانيا وعربيا وشيوع ثقافة التسلية وقطع أوقات الفراغ مما أدى إلى هذه الثرثرة المزعجة والقليلة القيمة وفق المقياس الفكرى والجمالى الاصيل والاكاديمي العلمي ولهذا هذا هو المشهد كما وصفته أنت إنها إذا أزمة فقدان المتلقى الكفء
• لماذا راجت الرواية على الشعر واختفى المسرح واختفت القصة القصيرة ؟
– راجت الرواية لأنها أصبحت فى تقديري الذى جعلني أسميها بالفن الثامن على قرار ماسميت به السينما بالفن السابع سميت السينما بالفن السابع لأنها استعانت بالأجناس الفنية الستة الأخري وهي فن التصوير الفوتغرافى وفن المعمار فى بناء الديكورات وفن الموسيقي في الموسيقي التصويرية وفن الحوار من المسرحية وفن الحكاية الدرامية من الأدب وفن حركة الجسد من المسرح الدرامي ومن الإستعراض الراقص ولهذا أسميت الرواية بالفن الثامن لأنها تأخذ الحكاية الدرامية من الأدب وتأخذ التصوير الفتوغرافى وتركيب الكادر المشهدي من التشكيل والحوار من المسرح والإضاءة والإظلام من توزيع الإضاءة فى اللوحة التشكيلية والوحدة الدرامية من الإيقاع الموسيقي ووحدة العمل الدرامي من الهارمونى الموسيقي و الوصف من اللغة والإستعانة بعلم النفس فى تركيب الشخصية الدرامية وإستعارة الوحدة البلوفونية من الموسيقي أيضا حيث وحدة تركيب المشاهد كأجزاء توصل إلى وحدة العمل الروائي ولهذا فإن الرواية تستعين بالأجناس الإبداعية المجاورة فتعدد عناصر هذه اللغة التي نجدها فى الرواية تستقطب عددا كبيرا من القراء، أما المسألة الجوهرية هنا هي أن ذلك إتفاقا سريا خفيا بين مؤلف الرواية وقارؤها هذا الإتفاق السرى تقول بنوده إن الروائي يقدم فى الرواية مخاطر عديدة للقارىء على شريطة أن القارى هنا يحيا هذه المخاطر دون أن يصاب بشىء من الضرر فها هي عربة تصطدم ويكون المتفرج مشاركا بخياله دون أن يصاب بشىء فهو يدخل الرواية مشاهد خطيرة لا يصيبه منها ضررفالمتفرج هنا يخوض هذه التجارب الخطيرة ويحدث له تطهير من المشاعر السلبية كالخوف أو الحزن أو التشاؤم أو عدم الثقة فى الحياة فهو يعيش مخاطر الحياة مجانا فى مقابل بسيط جدا هو أن يصدق هذا الإستلهام ( الوهم )الذى يقدمه له المؤلف هذا هو السبب الأساسي فى الإقبال على الرواية وتفوقها فى السيطرة على الخيال العام

• ماذا عن الفكر السياسي والإجتماعي فى الراهن الثقافي؟
– لابد من إستخدام المناهج العلمية الأكاديمية المتخصصة فى العلوم المختلفة والظواهر الإجتماعية والسياسية المراد بحثها وذلك بالجدية اللازمة والنزاهة الأخلاقية التى تحددها المناهج البحثية هذا من خلال منطق اللغة العلمية الموضوعية التي تبعد عن الذاتية والأهواء الشخصية والمنافع والمصالح الشخصية حتى يصل البحث الى حقائقه العلمية الثابتة فى البناء لمشاريع التقدم الحضاري والثقافي والسياسي والذى ينفذ عمليا خلال فترات زمانية محددة بغرض النهوض التنموي والحضارى وتقوية النسيج الإجتماعي فى بناء دولة ناجحة فى ظل هذه الظروف الإقتصادية الصعبة وفى ظل وباء الكرونا وإبعاد اشباه هذه الأخطار
وبالطبع إن هذا لا يتم إلا فى ظل مشروع دولة ديمقراطية تقوم على العلم وحرية التفكير وجهود البحث العلمي أما النقد الفكري عموما بما فيه الفكر السياسي والفكر الإبداعي الفني الجمالي لابد له من إنضباط المنهج البحثي الإجتماعي الجمالي حيث يعالج الظواهر الواقعية فى المجتمع فى الفترة الراهنة والفترة القادمة وكل هذه المشاريع التنموية الثقافية والحضارية لابد لها من مؤسسات على رأسها كفاءات أكاديمية متخصصة ومجالس إدارة نزيهة واسعة الأفق السياسي والثقافي ولها رؤية ثاقبة للدولة المستقبلية الكاملة والمرتبطة بطموحات شعبها وهذا لا يكون إلا بتكافؤ القدرتين القدرة التنظيمية والقدرة التطبيقية وإتاحت منصات لحرية النقد ومراقبة تطور هذه المشاريع
• هل تري أن هنالك جهة يمكن أن تشارك بكفاءة لإ نجاح مثل هذه المشاريع ؟
– بالطبع أن هذه المشاريع تحتاج إلى التوعية الجماهيرية حتى تتبني الجماهير هذه المشاريع وذلك لا يكون إلا عبر وسائل الاتصال الإعلامي لهذا أن المشاريع هذه برمتها لا يمكن أن تتحقق بشكل عملى وسليم إلا بجعل الجمهور جزءا منها أن يتبناها ،وأن يراقب خطواتها فى النمو، وأن يوقف تراجعها إلى الوراء بالنزاهة الفكرية والأخلاقية والمسئولية الكاملة فالمسئولية هنا مناصفة مابين الجمهور والدولة بحيث لانجد فى الطرقات جماهيرا تنادي باسقاط الحكومة فكلنا سائل ومسئول وهكذا
• سوق الكتاب العربي بين المراكز الثقافية ودول الهامش الثقافي ؟
– إن توزيع الإنتاج الثقافي (إبداعيا وفكريا)غير عادل إذ تقوم بصناعة الكتاب فى عالمنا العربي الدول ذات دور النشر الكبرى التي تتوفر لديها كل مقومات الإنتاج الصناعي حيث تمتلك أحدث المطابع وأحدث تقنيات صناعة الكتاب من تصوير وإخراج وترويج إلي جانب أن هذه العواصم الصناعية الثقافية هي التي تمتلك أسواق الكتاب فى جميع أنحاء العالم العربي نفوذا أو إقتصادا هذا إلى جانب أن أكبر النقاد من ذوى النفوذ الفكري والجمالي النقدي هم متمركزون في العواصم الثقافية الكبرى الجزائر القاهرة الرباط مراكش وبعض دول الخليج ذات الأسواق الكبيرة ورأس المال المممول ومعارض الكتاب المبهرة والجاذبة وهنالك حرية التعبير التي كانت تمتاز بها بيروت التي كانت تسمى (بسويسرا العرب) إذ كانت تعتمد إعتمادا كليا فى صناعة الكتاب على كل الشروط التي ذكرناها إلى جانب حرية التعبير وعدم الرقابة السياسية ثم ضف إلى ذلك أن النفوذ الثقافي التي تمارسه الثقافة العربية المعاصرة يسيطر على دول الهامش الثقافي العربي السودان الصومال مورتانيا والدول الفقيرة عموما ولكن لك ان تلاحظ أن إتحادات الكتاب العرب التي تختار فى كل مدة زمنية تحتكرزعامتها الإدارية العواصم الثقافية الكبرى على التوالى فهنالك دول المركز وهنالك دول الهامش وكل المشهورين من الكتاب العرب الذين يكون عليهم إقبال هم من كتاب العواصم الثقافية الكبرى فهم الأكثر إنتشارا والأضخم توزيعا أما كتاب الهامش الثقافي العربي فهم الأقل إنتشارا والأقل توزيعا بسبب أن كل السلطة فى رأس المال وفى الصناعة وفي التنسيق مرتبطة بكتاب هذه العواصم ولك هذه الشواهد إن الطيب صالح لو لم يكتب عنه رجاء النقاش أو لم يترجمه ديفيد جونسون أأكد لك أنه كان سيكون مجهولا حتي الآن ولك أن تتصور أن ضخامة الكاتب المصرى طوال الأزمنة السابقة لا تقوم على موهبته فقط رغم إعترافنا بهذه الموهبة الكبيرة ولكن هناك ظروف محيطة ،قوة الدولة ونفوذها فى العالم العربي مما يؤدي إلى سيطرتها على الأسواق وبسبب الشهرة الإسطورية لكتابها وحتي نحن فى السودان مثلا فإن كتابنا الذين هاجروا وأصبحوا يشاركون فى منصات الكتابة العالمية لهم شهرة داوية امير تاج السر فى الخليج بركة ساكن فى النمسا وطارق الطيب وبشرى الفاضل فى كندا وعماد البليك فى مسقط وحسن البكرى فى الخليج.
• دور معهد العالم العربي في باريس فى تنشيط الكتاب العربي فى اوروبا؟
– معهد العالم العربي فى باريس هو منبر مهم جدا فى توصيل الثقافة العربية من خلال أهم معبر ثقافي عالمي هو اوروبا الغربية ،وقد بدأ هذا المعهد جهوده التوثيقية والبحثية إلى توصيل الثقافة العربية المعاصرة إلى العالم وبذلك يحاول أن يربط بين الثقافة العربية المعاصرة والعربية التي يمثلها التراث العربي إلى العالم كافة وهو يقوم الآن ومنذ عشرات السنين السابقة بتقديم مخطوطات نصوص فى الشعر وفى الرواية وفى النقد وفى الموسيقى وفى كل الأجناس الإبداعية العربية وقد قدم عددا كبيرا من الكتاب فى سوريا وفى المشرق العربي وفى العراق وآخر عمل قام به هو أنه أعطي مترجم رواية السوداني بركة ساكن ( الجنقو مسامير الارض ) جائزة الترجمة الأولى وهو يدأب بقوة وبعمق وإحاطة كاملة للنصوص العربية الإبداعية والبحثية والعلمية وهو مجهود يعم ويشمل كل الإبداع العربي فى هذا المحيط الواسع والملاحظ إنه ينوع فى أنواع الثقافة العربية المعاصرة من حيث المضامين والقضايا وطرائق الإبداع مما يمثل عملا محيطا بمضامين هذه الثقافة العربية المعاصرة ولقضاياها وحراكها الحضارى السياسي الفكري والجمالي.
وفى الآونة الأخيرة إستطاع الروائي بركة ساكن أن يحرر مجموعة قصصية سودانية يشارك فيها عدد من الكتاب السودانيين ويترجمها المعهد ويوزعها معهد العالم العربي والجدير بالذكر أن هناللك مؤسسة ثقافية فى ولاية اريزونا الامريكية تابعة لشركة نشر انجليزية فى لندن كانت قبل ثلاث سنوات قد إختارت مجموعة قصصية سودانية لمختارات من الكتاب السودانيين وكانت بعنوان (حكايات من الخرطوم ) وهي المجموعة التي اختارت منها جائزة كين قصة بشرى الفاضل (البنت التي طارت عصافيرها).
شارك الحوار