محمد المهدي

محمد المهدي الأمين

مستشار التحرير وكاتب صحفي

 • التراث العربي حديقة غناء، دوَّن فيها الأسلاف تفاصيل حياتهم وأيامهم، يجد فيها المطلع  الحِكم والعبر والعظات والأمثال والطرف نثراً وشعراً، ونحن نلج إلى هذه الحديقة بين فينة وأخرى، لنتزوَّد منها بما يعين على مواصلة السير في دروب هذه الحياة. 

ترتيب الحمقى والمغفلين

كتب ابن الجوزي   عن الذين بدت منهم أكبر الحماقات وظاهر الغفلة، مرتباً إياهم في (أخبار الحمقى والمغفلين):

أول القوم «إبليس» 

 فإنه كان متعبِّداً مؤذناً للملائكة، فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل فعل مغفَّل؛ فإنه لما رأى آدم مخلوقاً من طين أضمر في نفسه: لئن فُضِّلتُ عليه لأهلكنَّه، ولئن فُضَّل عليَّ لأعصينَّه. 

 ثم اتبع إبليس في الغفلة والحمق «قابيل»، فإن من أعظم التغفيل قوله لمن قُبِلَ قربانه: لَأَقْتُلَنَّكَ وهذا من أسمج الأشياء؛ لأنه لو فهم لنظر سبب قبول قربان أخيه ورد قربانه. 

ومثل هذا التغفيل حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ، ومثله كفار قريش أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ. ومن جنسه قول النمرود أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ.

ومثله قول فرعون

 أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، فافتخر بساقية لا هو أجراها ولا يدري منتهاها ولا مبتداها، ونسي أمثالها مما ليس تحت حكمه. وليس في الحمق أعظم من ادِّعاء فرعون أنه الإله، وقد ضرب الحكماء له مثلًا فقالوا: أُدخِل إبليس على فرعون فقال: من أنت؟

قال: إبليس. قال: ما جاء بك؟ قال: جئتُ أنظر إليك فأعجب من جنونك. قال: وكيف؟ 

قال: أنا عاديتُ مخلوقاً مثلي وامتنعت عن السجود له فطُرِدتُ ولُعِنْتُ، وأنت تدعي أنك أنت الإله! هذا واللهِ الجنونُ البارد.

ومن أعجب التغفيل اتِّخاذ الأصنام آلهة، فالإله ينبغي أن يَفعل لا أن يُفعل.

ومن التغفيل بنيان نمرود الصرحَ، ثم رميه بنشابة ليقتل بزعمه إله السماء، أتراه لو كان خصمه في مكان فرأى قوساً موتورة إلى جهته، أما كان يمكنه أن ينزوي عنها؟

ومن أعظم التغفيل ما جرى لإخوة يوسف في قولهم: أَكَلَهُ الذِّئْبُ ولم يشقُّوا قميصه. 

ومن عجيب التغفيل قول بني إسرائيل لموسى وقد جاوز بهم البحر: اجعل لنا إلهاً.

 تجمُّل المرء 

سئل الأصمعي: 

بِمَ يتجمَّل المرءُ؟

قال: بعلمٍ يرفعه.

قيل: فإن لم يكن له علمٌ؟

قال: فبمالٍ يستره.

قيل: فإن لم يكن له مالٌ؟

قال: فبأدبٍ يواري سوأته.

قيل: فإن لم يكن له أدبٌ؟

قال: فصاعقة من السماء تحرقه.

تفضيل البنات على البنين

قيل لأعرابي: أتحب أبناءك الذكور أكثر أم الإناث؟ فقال على الفور: الإناث!

قالوا: ولماذا؟

قال: أنا رجلٌ أكولٌ، حين كنتُ صبياً كانت أمي تطعمني من ألذ الطعام، ثم تزوجت فصارت زوجتي تطعمني ألذ مما كان عند أمي، ثم أنجبت بنتاً فوالله ما نظرتْ عيني إلى لقمةٍ إلا خصَّتني بها ووضعتها في طبقي أو فمي، ثم أنجبتُ ولداً، فما نظرت عيني إلى لقمةٍ إلا أخذها العاق بيده وسبقني إليها فمُه!

اختصارات «ابن منظور» 

كان الإمامُ ابنُ منظور (صاحب لسان العرب) كثيرَ الاختصارِ للكتبِ، فلا يكادُ يقفُ على كتابٍ مطوَّلٍ إلا اختصره.. حتى حُكي أن ولداً لهُ رأى رجلاً طويلاً فقال له: لو رآك أبِي لاختصرك.

من أين وقعت العداوة؟ 

‏خرج قوم للحرب سوى جبان واحد منهم، فقال له أحدهم: ألا تخرج إلى العدو؟ 

فردَّ عليه: والله ما أعرف أحداً منهم ولا يعرفني أحدٌ، فمن أين وقعت العداوة بيني وبينهم؟ 

لا قيمة للحياة بعدكم 

مرَّ طفيليٌّ بقوم يأكلون، فسلَّم  عليهم وقال: ماذا تأكلون؟ 

قالوا: نأكل سمَّاً- يريدون التخلص من تطفله – فقال لهم: الحياة بعدكم لا قيمة لها، وجلس يأكل معهم.

سبابٌ على قبر

‏اشتهر أعرابيٌّ بأنه كثير السباب،

فلما مات أوصى أن يكتب على قبره:

أيها الزائر قبري

اتلُ ما خُطَّ أَمامك

ها هنا صارت عظامي

ليتها كانت عظامك

المنجّم الفاشل

كان جحا جالساً  مهموماً، فمرَّ به أحد المنجُّمين وقال له:

أستطيع أن أكشف لك عن مستقبلك وأعرف حاضرك بخمسين درهم فقط. فابتسم جحا قائلاً: لو كنت تجيد التنبؤ حقاً لعرفت جيداً أنني لا أملك درهماً واحداً أشتري به طعامي.

طبيبٌ وحفَّارٌ

كان عند رجلٍ غلامٌ من أكسل الناس، فأرسله مرة يشتري له عنباً وتيناً، فأبطأ عليه حتى عِيل صبره، ثم جاءه بأحدهما، فضربه وقال له: ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين. ثم مرض الرجل، فأمر الغلام أن يأتيه بطبيب، فغاب ثم جاء بالطبيب ومعه رجل آخر، فسأله عنه فقال: أمَا ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ فقد جئتك بالطبيب، فإن شفاك الله تعالى، وإلا حفر لك هذا قبراً، فهذا طبيب وهذا حفَّار.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *