من إشكاليات الرواية السودانية المعاصرة

110
الطيب صالح
Picture of عزالدين ميرغني

عزالدين ميرغني

• المتتبع لمسار الرواية السودانية الحديثة زمنيا ، وخاصة وسط الروائيين الشباب ، أو حتي الذين كتبوها في مرحلة زمنية متأخرة ، وقد اضطلعت علي العديد من المخطوطات الروائية التي لم تنشر بعد ، نجد أن الرواية السودانية تمر بعدة إشكاليات كثيرة . أدخلتها في متاهات عديدة.

يلاحظ ذلك الدارس والمراقب لمسار جائزة الطيب صالح العالمية برعاية شركة ( زين ) . بحيث أن نصيب الروائي السوداني من الفوز والجوائز جد ضعيف . والمنافسة مفتوحة ، لأن الكتابة السردية الروائية ، والقصصية ، كتابة كونية ، لا تعرف الحدود والفواصل . ولعل من حسنات مثل هذه المسابقات والجوائز ، أنها وقفة للمراجعة والنقد . رغم أن الرواية السودانية ، مثلها مثل الرواية العربية ، التي في عمرها الزمني لم تتعدي المائة عام. (القصة السودانية أقدم من الرواية). 

وهذه المائة عام مضي نصفها تعثرا في الولادة ، وهي ما تزال لم تنفطم بعد من داء المحاكاة والتقليد . في الشكل والقوالب السردية الأوربية . ولا شك أن من أهم معوقات الكتابة الروائية في بلادنا ، والتي ما تزال قائمة ، هو الجهل بها كجنس أدبي مستقل ، حتي وسط المثقفين . ثم صعوبة النشر والتسويق ، وحقوق المؤلف . رغم القلة من كتاب الرواية عندنا الذين استطاعوا أن يثبتوا أقدامهم ، وأن يخترقوا الحواجز ، ويذللوا الصعاب وأن يفتحوا منافذا وسط ركام الخطابات المنغلقة والمتخشبة . ووسط هيمنة وسيطرة الخطاب الشعري التقليدي . وقد حوربت الرواية ، تجاهلا وسخرية . ورغم تلك الصعوبات والعقبات ، استطاعت القلة من الروائيين ، وأولهم الطيب صالح ، أن يبدعوا مجالا جديدا للقول يختلف ، عن القول الشعري ، وعن خطابه الذاتي والغنائي المنغلق. 

جاءت الرواية السودانية عند روادها الاوائل لتحرر الذاكرة السودانية والمخيلة الشعبية عبر لغة تؤثر سعة الحياة علي سجن البلاغة ، كما يقول الناقد المغربي ( الدكتور محمد برادة ) . ومما يشرف الرواية السودانية منذ بداياتها وحتي الآن ، لم تكن أبدا لسان السلطة الرسمي . أو قالبها الخطابي . أي لم تتحول الي بوقا وصنعة سياسية مؤدلجة . والرواية دائما يجب أن تكون متحررة من كل ما يقيدها . وكل الروايات الخالدة في تاريخ الأدب الإنساني ، هي نتاج تجارب الكاتب الحياتية ، وقراءاته المتنوعة ، والتي تصبح وعيه الفاعل عند ممارسة الكتابة وما بعدها . وهو ما يفتقده جيل الرواية الجديد في بلادنا وفي غيرها . بحيث يريد أن يصير بين يوم وليلة ، أو من رواية واحدة ، كاتبا كبيرا ، وروائيا يحصد الجوائز . وأغلبهم قد للتشبث بطريقة معينة في الشكل والكتابة ، وطرق التخيل.

وهذا بلا شك هو نتاج القوالب اللغوية الشكلية ، التي تعودنا عليها ، في حياتنا المدرسية . وهذا الاستسلام اللغوي ، هو الذي يقود الي التحجر الكتابي ، ويعيق تحرر اللغة السردية ، ومن ثم يميت الوعي ، ويقفل الطريق أمام استكشاف الدروب السردية الجديدة. وطرائقها الحديثة المواكبة.

 ومشكلة الكثير من النصوص الروائية السودانية ، أنها نصوص لذة وليست متعة ، كما صنف ذلك الناقد الفرنسي ( رونالد بارت ) فالنص الروائي السوداني يريد أن يرضي القارئ العادي ، قبل أن يرضي الكتابة أولا . فهو يتملق القارئ ليعطيه الغبطة والفرحة ، نصوصا من ثقافة الكاتب وإليه ، من واقعه الاجتماعي ، فلا توجد بين النص والقارئ السوداني أي قطيعة أو خصام ثقافي . ومن إشكاليات الرواية السودانية عموما ، أنها دائما في ارتباط مريح مع القارئ بحيث ترضي أفق التوقع عنده ، كما يفعل المسلسل الإذاعي أو التلفزيوني. (القراءة والمتابعة المريحة ). 

فالقارئ السوداني لا يريد أن ينقله النص الروائي الي حالة من الضياع أو رهق التفكير . ولذلك لا يريد الروائي السوداني أن ينسف للقارئ أسسه التاريخية والثقافية والنفسية. ولا يريد أن يجعله متأزما أمام لغة لا يعرفها ولا يهضمها . وتلك إشكالية كبري تواجه الكتابة الروائية ، في بلادنا  ، بل في العالم العربي كله . كما ذكر الدكتور (فيصل دراج) في كتابه (الرواية وصعود التاريخ). (إن الرواية العربية لم تتحول حتي الآن إلي ظاهرة مجتمعية علي صعيد القراءة أو الكتابة.). وذلك كما يحدث في المجتمعات الأوربية. 

ومما يلاحظه الدارس للرواية السودانية ، أن أغلب جامعاتنا السودانية لا تدرس الرواية كمنهج للكتابة الأدبية . وانما تمر عليها بعض أقسام اللغات الأوربية ، كنص مساعد في تعليم القواعد النحوية . ومن أهم إشكاليات الرواية السودانية ، أنها جعلت القارئ الذي استقطبته ، واقفا عند سطح الواقع الذي يعيش فيه ، (الحب والزواج والطلاق). بحيث أنها لم تجعله قضايا العصر الكبيرة وهمومه الانسانية ، وأزماته النفسية . من خلال الشخصيات التي تتصارع داخل النص الروائي. كما يقول جورج لوكاتش (النقطة المشتركة بين كبار الواقعيين هي الانخراط جذرا في القضايا العظمي لزمنهم ، والتمثيل الذي لا شفقة فيه لجوهر الواقع الحقيقي.). وهو ما ينطبق علي أغلب النصوص الروائية المعاصرة في بلادنا ، وهو التجول المريح في سطح الواقع السوداني الظاهري ، السهل التناول مضمونا وشكلا. ودون الدخول بعمق في فجوات الواقع الاجتماعي السوداني. وهذا ما جعل الروائي السوداني يستسهل كتابة الرواية الواقعية الاجتماعية ، التي استهلكت روائيا.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *