من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعاً.. القولون العصبي: نظرة شاملة على مرض العصر

120
د. عصام صالح

مقدمة

• القولون العصبي (IBS) يُعد من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعًا، ويصيب الملايين حول العالم، مسببًا ضيقًا نفسيًا وجسديًا يؤثر سلبًا على جودة الحياة. يعاني المصابون من أعراض مزعجة مثل المغص، الانتفاخ، اضطراب الإخراج، دون أن تظهر فحوصاتهم أي خلل عضوي واضح.

ما هو القولون العصبي؟

القولون العصبي هو اضطراب مزمن في وظيفة القولون يتميز بنوبات من الألم البطني وتغير في نمط الإخراج (إمساك، إسهال، أو تناوب بينهما)، مع غياب أسباب عضوية واضحة في الفحوصات.

أنواع القولون العصبي:

النوع المصحوب بالإمساك (IBS-C)

النوع المصحوب بالإسهال (IBS-D)

النوع المختلط (IBS-M)

النوع غير المصنف (IBS-U)

انتشار المرض عالمياً

تشير الإحصائيات إلى أن القولون العصبي يصيب حوالي 10-15% من سكان العالم.

أعلى نسب الإصابة تُسجل في أمريكا الشمالية وأوروبا بنسبة 12–15%.

في الشرق الأوسط، النسبة تقدر بـ 8–10%.

النساء أكثر عرضة للإصابة بمعدل الضعف مقارنة بالرجال.

• مثال حي:

 «سلمى، 34 سنة، تعمل معلمة، لاحظت أنها تعاني من ألم بطني متكرر مع انتفاخ خاصة قبل الاجتماعات أو أثناء الفترات الدراسية المشحونة. بعد مراجعة طبيب الأسرة وإجراء الفحوصات، تم تشخيصها بمتلازمة القولون العصبي المرتبطة بالقلق.»

أسباب القولون العصبي

القولون العصبي لا يُعرف له سبب عضوي واضح، لكنه ناتج عن تفاعل عوامل متعددة:

1. الضغوط النفسية والقلق والتوتر

يؤثر التوتر على حركة الأمعاء وإفرازاتها.

• مثال: شاب جامعي بدأ يعاني من إسهال متكرر كل صباح امتحان، وشُخص لاحقًا بالقولون العصبي المرتبط بالتوتر.

2. اضطراب حركة الأمعاء (motility)

تسارع أو بطء غير طبيعي في حركة الأمعاء.

3. فرط الإحساس الحشوي

تحسس مفرط لجدران الأمعاء حتى للمثيرات الطبيعية.

4. تغير في التوازن الميكروبي داخل الأمعاء

5. عدوى معوية سابقة

• مثال حي: «محمد، 29 عامًا، أُصيب بعدوى بكتيرية حادة أثناء السفر لمخيم صيفي، وبعد الشفاء، بدأت نوبات الإسهال والانتفاخ واستمرت شهورًا.»

6. عوامل وراثية

التفريق بين القولون العصبي وأمراض مشابهة

من الضروري استبعاد أمراض أخرى لها أعراض مشابهة ولكنها عضوية وخطيرة، مثل:

أمراض الالتهاب القولونية مثل داء كرونز والتهاب القولون التقرحي

سرطان القولون

الداء البطني (السيلياك)

فرط نمو البكتيريا بالأمعاء الدقيقة (SIBO)

الفحوصات اللازمة:

الفحص السبب

فحص الدم الكامل كشف فقر الدم أو علامات التهابية

وظائف الغدة الدرقية لأن قصورها يسبب إمساكًا

اختبار الأجسام المضادة للسيلياك للكشف عن حساسية القمح

فحص البراز للكشف عن التهابات أو دم خفي

تنظير القولون عند وجود أعراض تحذيرية أو تجاوز عمر 50 عامًا

علامات الخطر (Red Flags):

فقدان وزن غير مبرر

نزيف شرجي

فقر دم غير مفسر

تاريخ عائلي لأمراض القولون الالتهابية أو السرطان

الحمى المستمرة

• مثال حي:

 «أمينة، 55 سنة، كانت تظن أن أعراضها مجرد قولون عصبي، لكنها لاحظت فقدانًا للوزن ودمًا في البراز. بعد فحص القولون، تبيّن أنها تعاني من التهاب قولوني تقرحي وتمت معالجتها مبكرًا بفضل التشخيص الدقيق.»

العلاج

أولاً: تغيير نمط الحياة

تقليل التوتر

ممارسة رياضة يومية (مثل المشي أو اليوغا)

تنظيم ساعات النوم

ثانيًا: النظام الغذائي المناسب

تقليل الأطعمة التي تزيد الغازات مثل:

البقوليات، الكرنب، الألبان في بعض الحالات

تجربة حمية FODMAPs

زيادة الألياف (في حالة الإمساك فقط)

• مثال حي:

 «مروان، موظف بنك، كان يعاني من انتفاخ دائم. بعد مراجعة أخصائي تغذية واتباع نظام منخفض الفودماب، تحسنت أعراضه بنسبة 80%.»

ثالثًا: العلاج الدوائي حسب نوع الأعراض

العرض الأدوية المقترحة

الإمساك لاكتولوز، بيكوسلفات

الإسهال لوبيراميد

الألم البطني ميبفرين أو ديسيكلومين

الانتفاخ سيميثيكون أو الفحم النباتي

القلق والتوتر أميتريبتيلين أو سيرترالين بجرعة منخفضة

رابعًا: العلاج النفسي

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

جلسات الاسترخاء والتأمل

التنويم المغناطيسي المعوي (ثبت نجاحه في تقليل الأعراض)

الوقاية وتقليل النوبات

الأكل المنتظم وببطء

شرب الماء بكميات كافية

تجنب الكافيين والمنبهات

مراجعة الطبيب عند تغيير الأعراض

فهم الذات: بعض المرضى لاحظوا ارتباط الأعراض بمواقف حياتية أو طعام معين

• مثال حي:

 «رنا لاحظت أن كل نوبة إسهال تأتي بعد خلافات زوجية أو ضغط في العمل، فبدأت برنامجًا للعلاج السلوكي الذي ساعدها على التحكم بالأعراض.»

أثر المرض على الحياة اليومية

صعوبة في العمل أو حضور المناسبات

توتر نفسي وقلق دائم

سوء التغذية بسبب تجنب الطعام خوفًا من الأعراض

• مثال واقعي:

 «ليلى، محاسبة في شركة كبرى، اضطرت لرفض ترقية بسبب كثرة غيابها نتيجة الألم والحرج الناتج عن القولون العصبي.»

متى تزور الطبيب؟

أعراضك تتغير فجأة

بدأت تعاني من ضعف أو نزيف

الإسهال أو الإمساك مستمر رغم العلاج

فقدت وزنًا أو شهيتك

الخاتمة

القولون العصبي مرض مزمن لكنه غير خطير. يعتمد نجاح العلاج على فهم المريض لحالته، تجنب المحفزات، واتباع خطة علاج شاملة جسدية ونفسية وغذائية. ويظل الدعم النفسي والطبي المتواصل حجر الأساس في رحلة المريض نحو التكيف والسيطرة على الأعراض.

• إعداد: جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين ببريطانيا (SBPCA)

نحن نعمل على رفع الوعي الصحي المبني على المعرفة، ونشر ثقافة التشخيص المبكر والعلاج الآمن.

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *