عوض الكريم فضل المولى
كاتب صحفي
• يُعدّ السلام أحد أهم القضايا التي تشغل الساحة العالمية منذ عقود، والسودان واحد من دول العالم يعيش صراعات متكررة ذات أبعاد سياسية، دينية، إثنية، وجهوية، واقتصادية. وعلى الرغم من تعدد الاتفاقيات ومحاولات المصالحة التي مرت على البلد، إلا أنّ تحقيق السلام الشامل والعادل ما زال حلماً بعيد المنال، بسبب جملة من المعوقات التي تتداخل فيها العوامل الفكرية والاجتماعية والاقتصادية.
التعريف العلمي للسلام في الاصطلاح هو حالة من التوازن والاستقرار، تنشأ عند غياب الصراع أو العنف، وتتحقق بوجود العدالة، والأمن، والتعاون بين الأفراد أو الجماعات أو الدول.
من وجهة نظر علم الاجتماع والسياسة، يُعرَّف السلام بأنه:
«نظام من العلاقات الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية، يُقلِّل من احتمالات النزاع العنيف، ويعزز التفاهم والثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة».
أما في علم النفس، فيُنظر إلى السلام بوصفه:
«حالة من الهدوء الداخلي والاتزان الانفعالي لدى الفرد، ناتجة عن توافقه مع ذاته ومع محيطه».
والسلام سلوكياً يُفسَّر علمياً بأنه سلوك اجتماعي قائم على الاحترام والتعاون، وعدم اللجوء للعنف أو العدوان في حل الخلافات، ويُعد مؤشراً على النضج الاجتماعي والذكاء العاطفي لدى الأفراد في المجتمعات.
إلا إننا في بلد مُنيت بمعوقات كثيرة للسلام، أعد منها ولا أعددها.
أولاً: معوقات السلام في السودان
يمكن تلخيص أبرز معوقاته في مجموعة من العوامل المتشابكة، التي ساهمت في إطالة أمد النزاعات، وإضعاف فرص التعايش السلمي، من أهمها:
1. الفكر الديني.
وأحب أن أبدأ بهذا نسبة إلى مفهوم التدين السياسي الذي يملأ الساحة اليوم وفاعليته الكبيرة.
لقد استُخدم الدين في السودان ولا يقصد به الإسلام، إنما أشكال التدين في السودان السماوية وغير السماوية. إذا ما أخذنا أن التدين هو عمل الناس في الأرض.
حيث إنه يستخدم أحياناً أداة للتمييز (الأحزاب الدينية والجماعات السلفية والطرق الصوفية والجماعات الفقهية الحديثة والطوائف المسيحية وغيرهم)، بدلاً من كونه وسيلة للتقريب بين الناس.
أدى توظيف الخطاب الديني في السياسة إلى خلق حالة من الشكوك والانقسامات بين المكونات الدينية، وغياب الفهم الصحيح لقيم التسامح والعدالة والمواطنة التي يدعو إليها الدين نفسه.
ثم السلام مع النفس عبر تزكية الإنسان وتحريره من الخوف والجهل.
السلام الاجتماعي عبر العدالة والمساواة بين الناس. تطوير فهم التدين ليواكب الإنسانية في عصرها الحديث.
إن الإسلام في مستوى السُّنة (وليس الشريعة وحدها) يحمل قيم الحرية والسلام والمحبة، وأن تطبيقها هو الطريق لإنهاء العنف والحروب والتمييز.
2. البعد الإثني
يتميز السودان بتنوعه الإثني الكبير، وهو تنوع يمكن أن يكون مصدر قوة لو أُحسن استثماره. لكن الواقع يشهد أن الانتماءات القبلية كثيراً ما طغت على روح المواطنة، ما أدى إلى نشوء صراعات داخلية قائمة على أساس العِرق والانتماء القبلي بدلاً من المصالح الوطنية المشتركة.
3. الجهوية
تُعد الجهوية من أخطر ما واجه السودان بعد الاستقلال، إذ تولّدت مشاعر تهميش لدى مناطق عديدة، بسبب عدم التوزيع العادل للسلطة والثروة. هذا الشعور بالغبن الجهوي غذّى النزاعات، وأضعف مفهوم الدولة الجامعة.
4. البعد الأيديولوجي
الصراع بين التيارات الفكرية والسياسية المختلفة – سواء كانت قومية، يسارية، دينية، أو ليبرالية – ساهم في خلق بيئة سياسية غير مستقرة. كل تيار يسعى لفرض رؤيته الخاصة على حساب التوافق الوطني، ما أعاق بناء مشروع وطني جامع.
5. الأطماع الاقتصادية
تُعد الموارد الطبيعية الوفيرة في السودان (كالذهب، النفط، الأراضي الزراعية. مصادر المياه وغيرها، والحواكير) عاملاً محورياً في النزاعات. فقد تحولت المنافسة على السيطرة على الموارد إلى وقود للحروب، بدل أن تكون وسيلة لبناء التنمية والسلام.
6. الاستعلاء العرقي
أسهمت النظرة الفوقية لبعض المكونات تجاه الأخرى في تعميق الإحساس بالتمييز. فبدلاً من التفاخر بالتنوع الثقافي والعرقي، أصبح الاختلاف سبباً للتفرقة والتصنيف، مما خلق فجوة في النسيج الاجتماعي الوطني.
7. تعدد اللغات
رغم أن التعدد اللغوي في السودان يُعدّ ثراءً ثقافياً، إلا أنه تحول في بعض الأحيان إلى عامل فصل بين المجموعات، بدلاً من أن يكون جسراً للتواصل. غياب السياسات اللغوية العادلة ساهم في تهميش لغات بعض المجموعات، ما أثر في شعورها بالانتماء.
8. الخدمة المدنية
تعرضت الخدمة المدنية السودانية للتسييس والمحسوبية، مما جعلها أداة للولاءات الضيقة بدلاً من كونها جهازاً وطنياً قائماً على الكفاءة والمساواة. هذا التسييس أدى إلى فقدان الثقة بمؤسسات الدولة، وأضعف قدرة الجهاز الإداري على دعم جهود السلام والتنمية.
السلام في السودان لا يمكن أن يتحقق بمجرد وقف الحرب وتوقيع الاتفاقيات، بل يحتاج إلى معالجة جذرية لهذه المعوقات. لا بدّ من ترسيخ قيم المواطنة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتوزيع السلطة والثروة بعدالة، مع نشر ثقافة الحوار والتسامح. إنّ السلام الحقيقي يبدأ من العقول والقلوب قبل أن يترسخ في النصوص والاتفاقيات.
شارك المقال
