
عمر حسن غلام الله
قاص وكاتب صحفي
• نزلت الطائرة القادمة من الرياض بمدرج مطار بورسودان، وهي المر ة الأولى لي التي أرى فيها هذا المطار.. إذ كانت آخر مرة سافرت فيها إلى بورسودان في العام 1979م قادماً من الخرطوم.. وقد علمت أن ذاك المطار ليس هو هذا.. وتوقعت أن يكون فخماً واسعاً أفضل من المطار القديم بعشرات الأضعاف..
نزلنا من الطائرة وركبنا البص الذي توقف بنا أمام بوابة مكتوب على لوحة أعلاها: «صالة الوصول»، دلفنا منها إلى الداخل فواجهنا كاونتر الجوازات مباشرة، أي بعد خطوات من البوابة، مددت الجواز للموظف الجالس في الأول، فأخذه مني ومرره على سكانر وختمه وأرجعه لي.. لم يأخذ الأمر دقيقة.. ربما 15 ثانية فقط. سعدت بهذا التطور.. وقلت بصوت مسموع: ما شاء الله.. رغم سرعته في الإنجاز إلا أنني أعيب عليه جمود تعابير وجهه.. وهذا معتاد معنا نحن السودانيين، فلا ابتسامة هوليوود ولا حتى الابتسامة الميكانيكية المصطنعة للمضيفة البريطانية في طائرة سودانير أواسط السبعينات (حكيت عنها في سلسلتي «رحلات ابن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا)، ورغم سماعه تقريظي هذا لم يتبرع بابتسامة أو طرح وجهه.. ولكن يجب عليه أن يطرح وجهه على الأقل للأجانب.. إذ هو أول سوداني يقفون أمامه.. والانطباع الأول First Impression يظل في نفس الإنسان ما عاش، وهو هنا يمثل بلداً وشعباً.
أمام كاونتر الجوازات وعلى يمين الداخل، يوجد جهاز الكشف على الأمتعة بالأشعة السينية، الفاصل بينه وبين كاونتر الجوازات- ربما خطوة أو خطوتان- تضع حقيبتك في الجهاز وتستلمها من الجهة الأخرى، بعد الجهة الأخرى خطوتان أو أقل تجد سير العفش الذي يخرج من فتحة في الجدار.. ما بين تلك الفتحة ونهاية السير حيث يعود من حيث أتى، ربما خمسة أمتار.. يفصل السير- عند خروجه من الفتحة- عن الحمامات خطوتان.. لذا رائحة النشادر النفاذة تغطي مكان انتظار الركاب لحقائبهم.
باب صغير يقود إلى ردهة الحمامات- حمامان فقط لا ثالث لهما- منظرهما لا يسر السودانيين- المضطرين لدخوله- ولكنه كارثي لو دخله غير سوداني.. ولو سلمنا جدلاً بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان (حمامان فقط لصالة وصول مطار يسمى «دولي»)، فما تبرير عدم نظافته وتطهيره بالكلور أو الديتول؟
بحثت عن موقف عربات العفش فلم أجده.. ولاحظت أن بعض عمال يمسكون ببعض عربات قديمة معظمها مكسورة وبئيسة المنظر، وغصباً عنك تستعين به في نقل عفشك، لأنك لن تجد عربة لنفسك.. لن أقارن ذلك بمطار الرياض، ولا حتى بمطار أديس أبابا، ولكن لو قارنته بمطار كيقالي في رواندا- الدولة الأفريقية الفقيرة الناهضة حديثاً من براثن حرب أهلية قاسية- لكان البون شاسعاً، لدرجة صرف النظر عن المقارنة من أساسها. كيف تثنى لهؤلاء السيطرة على عربات نقل العفش الخاصة بالمطار والتي دفع ثمنها المسافرون؟ وأين إدارة المطار من كل ذلك؟
توجد طاولة الجمارك بنهاية كاونترات الجوازات وبعيد نهاية سير العفش بخطوة، تتعداها فتكون في مكان متسع قليلاً عبارة عن صالة ربما مساحتها 6×6 أو تزيد قليلاً، وقد مررنا بموظفي الجمارك والذين يراجعون ملاحظات زملائهم على العفش في طريقنا إلى بوابة الخروج.
مضطراً كنت قد طلبت من أحدهم أن ينقل عفشي (كرتونة واحدة) بعربته، وعند خروجنا إلى ساحات المطار، جاء من يعرض علينا استقلال سيارته بأجرة- لم أسأل كم هي- فاعتذرت بأن هناك من يستقبلني، فعرض عليّ تبديل عملة..
سألت عامل عربة نقل العفش كم يأخذ، فقال لي 22،
يقصد 22 ألف، وبعبارة أخرى 22 مليون.. وعندما ضربتها في سعر الريال وجدت أنها تساوي- وقتها- 32 ريالاً! وعندما وصل مستقبليّ أخبرتهم بما قال، فأعطوه 10 وقبِل بها.. كان عايز يدقسني..
في المرة القادمة بمشيئة الله سأصف صالة المغادرة.
شارك المقال