
د. خالد مصطفى
كاتب صحفي
• المتصوفة هم الذين نشروا الدين الإسلامي في أنحاء السودان، وكانوا يتبعون أسلوباً رائعاً في التعليم، فكانت الخلاوي (التكاكيب) مفردها (تكابة) هي مؤسسة تعليمية متكاملة قبل دخول التعليم الحديث، فكان الناس في الخلوة يتعلمون القراءة والكتابة، ويحفظون القرآن، ويتعلمون الفقه لمعرفة أمور دينهم ودنياهم.
كما عمد المتصوفة إلى التصاهر مع كل المجتمعات التي عملوا بالدعوة فيها، ولم يصادموا الثقافات المحلية، بل شجعوا كل ما يدعو إلى مكارم الأخلاق من العادات القديمة، وبذا حفروا لأنفسهم عميقاً داخل قلوب المجتمع السوداني، وعملوا على ربط المجتمعات مع بعضها البعض، وتكوين البذرة الأولى للاندماج القومي، وتكوين نواة الثقافة السودانية الحالية.
ونتيجة لذلك، أصبحت بعض المجتمعات السودانية البعيدة عن بعضها البعض تتصل بعلاقات النسب والمصاهرات، وعلاقة الدين والأخوة في الله، وعلاقة الوطن، مما قوّى الجبهة الداخلية السودانية، وحافظ على الوحدة.
لنتخذ من مملكة تقلي نموذجاً لذلك، فهي مملكة سودانية أُسست في جبال النوبة، وصفت بأنها إسلامية منذ حوالي منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وقد لعب المتصوفة دوراً أساسياً في ذلك، ونتيجة لذلك أصبح عدد كبير من كبار المتصوفة في السودان على علاقة (جينية) بتقلي عن طريق أمهاتهم.
فأول من جاء إلى تقلي من المتصوفة بعد المؤسسين الأوائل (الشيخ محمد الرباطابي الجعلي والشيخ آدم أبوهيامة البديري الدهمشي)، هو الشيخ تاج الدين البهاري، الذي جاء من بغداد إلى سنار، ثم زار تقلي في القرن السادس عشر وبقي فيها فترة من الزمن ينشر الإسلام، وأعطى الطريق لعدد من الرجال في تقلي، يقال إنه أعطى الطريق لسبعين رجلاً، ثم عاد إلى سنار ولم يستقر في تقلي. وهو أول من نشر الطريقة القادرية في المنطقة.
ومن أشهر المتصوفة الكبار الذين لديهم علاقة بتقلي عن طريق أمهاتهم، نذكر منهم:
١/ الشيخ عبد الله العركي المصوبن (فريد عصره)، والدته هي (أم الحسين بنت الحاج سلامة الضبابي) من جبل الداير.
٢/ الشيخ حمد النحلان ود الترابي، والدته هي (قاية بنت الحاج سلامة الضبابي) شقيقة والدة الشيخ عبد الله العركي، (الشيخ دفع الله العركي وحمد النحلان ود الترابي أولاد خالات).
٣ / الشيخ مكي الدقلاشي تزوج امرأة من تقلي اسمها (خيرة)، وأنجبت له ابنيه الاثنين الشيخ النور، والشيخ إسماعيل الذي اشتهر بالشيخ (إسماعيل صاحب الربابة). كما ورد في كتاب الطبقات.
٤ / الشيخ فرح ود تكتوك والدته من (تكيم) في تقلي.
٥ / الشيخ عبد المحمود نور الدائم (رجل طابت)، والدته هي الليمون بنت الشيخ إسماعيل ود المك عمر أبو زنتر، المعروف في تقلي ب (إسماعيل فارس الحدب).
٦ / الشيخ عبد الله ود العجوز، والدته هي فاطمة بنت المك عمر، شقيقة المك آدم أم دبالو.
٧ / الشيخ برير ود الحسين (راجل شبشة). وهو تلميذ أحمد الطيب البشير مؤسس الطريقة السمانية في السودان، تزوج (حواء عجبت بنت المك ناصر) مك تقلي آنذاك، فأنجب منها أبناءه الشيخ الطيب، والشيخ التوم، والشيخ النور.
٨ / الشيخ مختار أبو عناية بن الشيخ جودة الله، تزوج من تقلي امرأة تسمى (كلة أم الحيران).
٩ / الشيخ علي ود كراشي، وهو من قبيلة كنانة في تقلي في منطقة (الحمرة أم خويتم) في حدود مملكة تقلي مع الشلك على جهة الضفة الغربية للنيل الأبيض. وكنانة من القبائل المختلطة اختلاطاً كبيراً جداً مع تقلي ومنذ عصور قديمة.
١٠/ الشيخ دفع الله ود بقوي من الجعليين المكابراب، وله علاقة بالعركيين، جدته هي أخت الشيخ يوسف أبوشرا، تزوج ثلاث نساء في تقلي، وكوّن أسرة كبيرة في تقلي عرفت ب (البقياب)، نسبة إلى جدهم (ود بقوي). وهو من العلماء الذين حاوروا المهدي في بداية دعوته.
١١ / الشيخ شرف الدين أبو صفية، قريب الشيخ بدوي أبو صفية زعيم البديرية في الأبيض، تزوج من بنت المك إسماعيل ود المك محمد في تقلي.
١٢ / الشيخ إسماعيل البصيلي بن الشريف يومان.
عمل الشريف يومان بالدعوة في تقلي واستقر فيها، ولأبنائه مصاهرات كثيرة مع تقلي، ولهم سجادة ومسيد في تقلي. والشيخ إسماعيل البصيلي هو الخليفة الثالث للشريف يومان، وهو أيضاً من العلماء الذين حاوروا المهدي في زيارته
الأولى لتقلي.
١٣/ الشيخ محمد أحمد بن عبد الله (من ذرية الشيخ القيناوي)، جاء من مدينة (قنا) في مصر، ومكث في توتي ثم رحل إلى الدويم، ثم جاء إلى تقلي وعمل بالدعوة، وتزوج من تقلي (بخيتة بنت المك عمر)، وأنجبت له الشريف سيد أحمد، ومحمد صالح، وأم الحسن، وأم الحسين. ومن زوجته الثانية في توتي أنجب ابنه الشريف (محمد الفاضل التقلاوي)، الذي أصبح أول زعيم ل (جماعة أنصار السنة) في السودان. كما أسس الشريف محمد أحمد (مسجد التقلاوي) بأم درمان، وتولى رعايته
أبناؤه من بعده.
١٤/ الشيخ قرشي بدوي زايد، وهو من الخضيراب، تزوج من بنات الحوش، وأنجب ابنه آدم وبنته النخيلة.
١٥/ الشيخ (تميم)، جاء من دار فور، واستقر في تقلي، وعمل بالدعوة فيها، وتزوج (اللبن بنت المك ناصر)، فأنجبت له الشيخ (ميرغني ود تميم) الذي ذاع صيته في فترة المهدية، وهو من العلماء الذين حاوروا المهدي في بداية دعوته، وكان من أشد معارضيه إلى أن تم اغتياله في الأبيض.
١٦/ الشيخ عبد الرازق وابنه داؤود أتيا من دارفور، من (دار قمر) وعملا بالدعوة، وتزوجا من تقلي وكوّنا أسرة كبيرة فيها عرفت ب (طاي).
١٧/ الشيخ (محمدين أبارو)، وهو من شيوخ الطريقة الإدريسية الأحمدية، عمل بالدعوة في تقلي في منطقة (تقوي) في قرية (أبو الحسن)، وتزوج من هذه القرية، وقد سميت القرية باسمه، وله أتباع كثر في المنطقة.
١٨/ الشيخ (أحمد كوزا)، جاء من دارفور، وهو من خلفاء الطريقة التجانية، وعمل بالدعوة، وتزوج امراتين من تقلي إحداهما من (تيقرنق)، والأخرى من (تنقل)، وذريته موجودة الآن في تقلي.
١٩/ الفكي علي عبد الرحمن الصبحي، جاء إلى تقلي وعمل بالدعوة، وتزوج ابنة المك عمر، فأنجبت له ابنه طلحة وبنته فضة، عمل ابنه طلحة بالدعوة في منطقة (أم شطة) شرق جبل (الليري) وله مسيد هناك.
٢٠/ وحديثاً في عهد الحكم الثنائي، تزوج المك أبكر ود المك جيلي من ابنة الشريف الهندي.
هذه لمحة عابرة عن مصاهرات المتصوفة في مملكة تقلي بجبال النوبة. فالذين يريدون (فرتقة) السودان لا يعرفون عمق العلاقات الثقافية والاجتماعية والدينية بين السودانيين، وسيخيب سعيهم، وندعو الله أن يخيب سعيهم ببركة هذا الشهر الكريم.. والسلام.
شارك المقال