

بقلم: زين العابدين الحجّاز
• معظم أبناء جيلنا والسبقونا ما بنسوا المساجلات الشعرية التى دارت قديما بين الأستاذ الشاعرعبد الحليم على طه (ود المادح ) وصديقه اللدود ابن حي أبروف الشاعرمحمود الفكى (الحفيد) . قبل فترة تم الاحتفال باصدار كتاب توثيقى عن تلك المساجلات أتمنى أن أجد نسخة منه .
ولقد نشأت قصة خلاف طويلة بين الشاعرين عبد الحليم علي طه ومحمود الفكي في الثلاثينيات وامتدت لمرحلة طويلة في الاربعينيات وكان خلافا فكريا شهده نادي الخريجين بأم درمان واختلاف الفكر عند ذلك الجيل كان لا يفسد للود قضية . اختلفت الاتجاهات السياسية بين الشاعرين فمحمود الفكي كان مع الاتحاديين وعبد الحليم مع الاستقلاليين ودخل الخلاف في الحسب والنسب .
قال عبد الحليم أن محمود ينحدر أصلا من أصل تركي وجده هولاكو التتاري حفيد جنكز خان القائد المغولي ثم أطلق عليه لقب (الحفيد) وقال محمود أن عبد الحليم لا يفقه شيئا في الشعر فهو سلالة مداحين فأطلق عليه لقب (ود المادح) ثم أنشد :-
نقرات طار أبوك بتصمم الاضنين
نقراتوا التقول عنز الخلا أب قرنين


وفي فترة الانتخابات السياسية حيث كان عبد الرحمن علي طه شقيق الشاعرعبد الحليم مرشحا في الانتخابات عن حزب الامه ظهرت في كوستي طعون انتخابية وقيل بأنه بانه ينتمي الى عائلة حبشية أي أن أصله حبشي فسمع عبد الحليم هذه القصة التي روّج لها محمود الفكي فثارت ثائرته وكتب هذه القصيدة ردا عليه : –
والله الدهر انقلب وناس بتنسى عقابا
شوف حتي الغجر اتغيرت انسابا
طولتوا اللسان و الغجري قام اتشابا
جمع الغجر قال سوا ليهو نقابه
وين أبوكم جنكز يا غجر يا غلابه
تركتوجدكم ككو مع الربابه
سايبين عرضكم بايعينوا للسبابه
بالثمن البخس بالكسرة بالضرابه
نحن أولاد جعل أهل البلد وأصحابا
أهل الذكر والقوس مع النشابه
يوم جدك جرى وتور عجاج في سحابه
ساكاه الكلاب ودخلوه في شكابه
دقينا النحاس وقتين لقاه خرابه
عندما تم تعيين عبد الحليم على طه ملحقا ثقافيا فى الخارجية استغرب محمود الفكي من تبدل حال عبد الحليم وكثرة تنقله بين العواصم العربية والأوربية فبعث له بالأبيات التالية للدعابة والسخرية :-
سافرت البلود من بيروتا لي باريسا
ولي تونس بلد السفيرة عزيزة
بحلف لو كان أبوك صرف عليك بريزة
وعندما تم تعيين محمود الفكي مديرا للإذاعة لم يتأخر عبد الحليم عن القيام بواجب التهنئة شعرا فقال في تهنئته الساخرة :-
مبروك يا حفيد دابك وجدت الضال
وشغلك من زمان ياهو قلنا وقال
موجات الأثير أصبحت أنت تديرا
شاد فوق الخلق لمتين تفك السيرة
أيضا بين الشاعر عبد الحليم على طه ( ود المادح ) والزعيم اسماعيل الأزهرى أو )زهران ) – كما كان يحلو لود المادح أن يسميه – كانت هناك علاقه قديمة وحميمة حيث كانا أعضاء فى هيئة التدريس بثانوى كلية غردون . في زواج الزعيم اسماعيل الأزهري لم يتمكن صديقه ( ود الماد ح) من الحضور بسبب مرض الملاريا الذي أصابه فبعث له بالاعتذار شعرا وقال : –
زهران أخوي أنا كنت غايب مافي
سراني الخبر ماتقول أخوكم جافي
حبستني ملاريا خبيثه قول ياشافي
لولا المرض أنا كت بصلك حافي
انتهز (ود المادح) الفرصة للسخرية من سيارة الازهرى التى كانت لافتة للانتباه من حيث وحدانيتها و قدمها و صغر حجمها فأرسل له هذة الأبيات :-
دبابتك تزغرد وإنت نورك طافي
وأنبوبتك قديمة واللساتك مافي
والدقداق شديد إن طرشقت ياكافي
شيشك ياريّس سوق بى مهل شن لافي
وأنشد ذات مرة:
جرّبنا المدن ما لقينا فيه مزيه
عسكر تندقش والناس تقول في ديه
وحمير الحديد الناس غوهم غيه
ترماج الترك يغرف يكب لعشيه
**
والعجب العجيب أنا شفته بي عينيا
النسوان شباب سيقانها مي مكسيه
تقابض من طرف ماك شفتها الحلبيه
قليلات الحياء وقال سمو دي الحريه
خسمتك بالرسول والأولياء والساده
أمرق الذمة انت جعيلي ولا يماني ولا نقاده؟
وأذكر أيضا الأبيات التالية التى يسخر فيها ( ود المادح) من (الحفيد) :
جلد القرد بى هلبو
لابسو الحفيد يقدلبو
وش الحفيد زى صلبو
غاية الشبه بس اقلبو
يقول عبد الحليم علي طه :-
قدر ما أقول أتوب من الشعر واتفاداه
بنوت الشعر يمشن علي بزياده
لابسات العفاف توب العفاف الساده
يمشن بي مهل زي الغصون تتهادى
غردت البلابل حركت تتنادى
هيجت الشعور ورد الشعر واترادى
في وصف الحفيد قالوا الحفيد اتمادى
في الغي والضلال رخص فتحلو عياده
رأس مالو القرد خسران عليهو قلاده
دربكة وطبل زمبارة جايه هواده
ما بنكر عليك صنعت جدوده وأجاده
فتح الحلة خت فوقها سداده
جابو الموية جابو الرملة جابو وساده
أدى الحيط جبهتو وخت ايدو سداده
سكسك في النحاس غني العنب يا ساده
انجلت الحلل جات الصحون منقاده
والطشت انطرب والطوة جات طراده
سمر يا أباسمر همتك وراده
حبوبتك غزالة مغنية ونشاده
سموها الغزالة الحكمة من اضدادا
عاشت الف عام حضرت زمان أجدادا
ختت حنتك وربت حفيد أحفادا
بفاسوقة بغاسوقة بمروادا
ختاتت ودع تاجرة وكمان عقادا
مئة ألف نوع ما بنغلب تعدادا
وأداها الحفيد وأدوهو فيها شهاده
وأستخدم كمان باع القرد بزياده
لحلبا قراب بالشفع حسب العاده
يا أخي مالك بالشعر ومالك بتلدو ولاده
وزي ود الحرام بتمرقوا بالجباده
بنوت الشعر غاويانا ونحن اندادا
انت بتحزنها ونحن بنفك لحدادا
وهكذا كانت نوعية « المكاوة « و السخرية والدعابة المتبادلة بين الشاعرين .
عبد الحليم هو شقيق عبدالمجيد وعبدالرحمن على طه أول وزير لوزارة المعارف السودانية.
محمود الفكي هو شقيق المؤرخ عبد الرحمن الفكي وتمت تسمية ابن أخيه اللواء محمود عبد الرحمن الفكي على اسمه وهو الذي كانمديرادارة شئون الضباط ورئيس اللجنة التى وافقت على تعييني طالب حربى طيار فى سلاح الطيران . عمل مديراً لقاعة الصداقة بعد التقاعد بالمعاش ثم مستشاراً بالمتحف الحربي وعضوا في لجنة كتابة التاريخ العسكري وكاتبا بمجلة البحوث العسكرية . لهم الرحمة جميعا.
التحية لكل أبناء و بنات هاتين الأسرتين الكريمتين.
شارك المقال