الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• في كل مرة تطل فيها أمريكا على السودان، لا تأتي كما تزعم حاملة زيتونة السلام، بل كما لو كانت تجلب معها غصن زيتون مسموم، تخفيه تحت ثياب الحكيم العالم، بينما في يدها الأخرى سيف لم يُغمد منذ أن رأت في الأرض السوداء بئراً من نفط وذهب وأراضي تُحاصر بها الجغرافيا.
إنها الرباعية الأمريكية، لا لوقف الحرب، بل لتأجيل السلام حتى يستكمل الاستنزاف دورته، وحتى تعمل واشنطن على رسم خريطة السودان من جديد، لا بقلم جغرافي، بل بدم أبنائه، وبأيدي من لا يعرفون من السودان إلا أنه ساحة نفوذ، لا وطن.
تطل أمريكا بين الحين والآخر بخديعة جديدة، كما لو كانت تعيد كتابة القصة نفسها بألفاظ جديدة، والسودان يبقى هو الضحية والجلاد والشاهد والمشهود في آنٍ واحد. ففي كل مرة يُقال: «سنرفع العقوبات إذا…»، وفي كل مرة يُكتب بعدها «إذا» بحبر من دماء الأبرياء.
هي الوعود الكاذبة، التي لم تُوفِّ أمريكا بها ولو مرة واحدة، كما لم تُوفِّ بها في أفغانستان ولا في العراق ولا في ليبيا ولا في اليمن، بل كان الإخلاص الوحيد هو للدمار، وللتقسيم، وللبيع بالمزاد العلني.
ولا تغيب عن المشهد الإمارات، تلك التي لم تعد دولة، بل ميليشيا ممولة، تلبس ثوب الدبلوماسية، بينما تُمسك في يدها سكين الغدر، تطعن بها في خاصرة السودان، وتقيم معسكرات التمرد، وتدعم آل دقلو، كما تموِّل الفوضى في كل مكان طاله نعالها النجس وأقدام النفوذ الأمريكي القذر.
إنها الدسائس في الظلام، تُنير ليل الميليشيا، وتطفئ نهار الدولة، وتقيم السلام المزيف على أنقاض الوطن الحقيقي.
والجيش السوداني، ذلك الذي كان يقاتل من أجل تراب الوطن، يقاتل اليوم من أجل بقاء الكيان، لا من أجل بقاء النظام، فقد تحوّل من جيش وطني إلى درع بشري يصد عن الشعب طلقات المؤامرة الدولية.
يقاتل جيش السودان اليوم، لا فقط ميليشيا مدججة بالسلاح الإماراتي، بل يقاتل وَهمَ السلام الأمريكي، ويقاتل وعوداً كاذبة لا تُرى إلا في عيون من لا يعرفون لغة التاريخ، ولا نكسة الجغرافيا، أمثال بولس النغِل قائد الخِب والتدليس.
إنها رباعية الشيطان، لا رباعية السلام…
فأمريكا، التي تُطلق المبادرات كما تُطلق غازاتها، لا تفرّق بين الضحية والجلاد، بل تعرف يقيناً أن الضحية هو السودان، والجلاد هو من يحمل جواز السفر الأمريكي والمتدثرين بأثواب الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية.
فها هي أمريكا «العظيمة» تعيد استعمارها الخفي، عبر اللغة والقانون والخانعين، والمنظمات غير الحكومية، تقيم السلام الاستعماري، وتعيد رسم الحدود بقلم الدم.
تلك التي تُصلّي للسلام، بينما تموِّل الحرب، وتقيم مؤتمرات السلام في قاعاتها الفسيحة المفروشة بالسجاد الأحمر، بينما الدم الأحمر يجري في شوارع الفاشر.
وحاكم أبوظبي.. الذراع العربية للمشروع الصهيوأمريكي، يدلل التمرد، ويُموِّل الانقسام، ويقدِّم الدعم اللوجستي للميليشيا، تحت شعار: «السلام مع إسرائيل أولاً، والدمار في السودان أبداً».
إن السلام الذي تريده أمريكا ليس سلاماً، بل استسلام، والمبادرة التي تطلقها ليست مبادرة، بل مذبحة مؤجَّلة، والرباعية التي تقيمها ليست «سلام مربع»، بل دمار يمشي على أربع، تُغني فيها أمريكا لحن الوعد، وترافقها الإمارات بالإيقاع، وحيناً بـ«عشرة بلدي»، بينما السودان يُمسك بالكلمات، ويحاول أن يكتب نهاية تحفظ له كرامته، لكن الحبر ينفد، والورق يُمزَّق، والدم يجف، والوطن يُباع بالدولار، ويُشترى بالدرهم، ويرسم بقلم الرباعية التي لا تعرف من السلام إلا اسمه، ومن الوطن إلا جثته.
فيا سوداننا، لا تنتظر السلام ممن لا يعرف حرمة الدم إلا في التقارير، ولا معنى الوطن إلا في الخرائط. فالسلام الحق لن يأتيك من الخارج، بل من دمائك التي لم تجف بعد، ومن أرضك التي لم تُبعْ بعد، ومن شعبك الذي لن يستسلم أبداً.
والواضح جلياً، أن خيارات السودان وحكومته، ليس لها سوى طريق واحد وحسب.
وإذا ما سُئلت يا وطني: «متى يحين صبحك؟»، فقل: «إذا ما تبدّل الظل بنور، وارتدى السيف رداء العزة، وصارت «الرباعية» أربع حفنات من ترابي تعانقها أقدام أطفالي فوق رُبى أم درمان، لا فوق مائدة القرار في نيويورك…
عندها فقط، ولا قبلها، سأكتب على صفحة رمال النيل: «السلام كان دائماً داخلي، فأدركت أن من يحمل قلبي لا يحتاج إلى عذرٍ من أحد ليستفيق».
شارك المقال
