ليس إثماً أن تكون طارق الطيب

263
طارق الطيب
Picture of عبدالرحيم حمدالنيل

عبدالرحيم حمدالنيل

• ليس إثماً أن أكون صقراً أسود

في مزرعة الفلامنجو

أن أجيد السباحة كدلفين وأعبر النهر

حتى يظهر أصل لوني الأسود

فأخرج خفيفاً منتشياً

وليس إثماً أن أنادي صديقي القديم ليعوم

ليقترب من تاريخ الألوان

وليس إثماً أن أسخر من بياض العقول

الإثم أن أصدق مزاحهم الممسوس

وترجماتهم الغبية

وأن أقرأها على أنها الأصل

فأفقد أرهف حواسي.

سيكون جدل الهوية والانتماء محتدماً دائماً في هذا الكوكب المفخخ بالايديولوجيات واللغات والألوان، وسيكون على الفنان والمبدع والمثقف محاولة فك طلاسم المسألة واقتراح دروب للنجاة، لذلك كان الشاعر والقاص طارق الطيب السوداني الأصل/ المصري المولد والنشأة يحاول أن يمسك بخيوط السؤال العميق، وأن ينحت درباً يخص ذاته الموزعة بين الهويات المختلفة، فهو سوداني الجنسية مصري المولد، يقيم ويعمل في النمسا محاضراً في احدى جامعاتها.

وفي النص الشعري أعلاه الذي يحمل ذات اسم المجموعة الشعرية »ليس إثماً« الذي صدر عن دار آفاق المصرية في القاهرة بمعية مجموعة أخرى تحمل عنوان »بعض الظن«، يعلو صوت طارق الطيب بحثاً عن هويته، مقترحاً صوراً ورؤى ومشاهد لما يجب أن يكون عليه الأمر، معمِّقاً السؤال برغم اللغة المباشرة التي كتبت بها المجموعة للدرجة التي يقارب فيها الصوت بياناً سياسياً شعرياً حين يقول:

ليس إثماً أن أسأل المدعي العام أسئلةً تبدأ بلماذا

لماذا يرغب في تنازلي عن تاريخ نخلتي

لماذا يرغب في عبوسي ليؤكد شري وإرهابي

لماذا يرغب في ابتسامتي ليثبت رضا العبد في سحنتي

الإثم أن أدعهم يتصرفون كعلماء نفس مبتدئين

يفسِّرون حركة الأجسام وفق حركة جيرانهم

والفئران

سيكون على الشعراء والفنانين الذين يجابهون أقداراً صعبة ومصائر تتحطم تحت صيغة رفض يرونه في أوطانهم ويتذوقونه ويواجهونه في منافيهم ومهاجرهم، سيكون عليهم مضغ حنظل الهوية كثيراً ومحاولة التقاط المعنى المُر، وجوهر المسألة تحت رماد السياقات والصياغات المضطربة في جدل الهويات القاتلة، وستكون الذات المثقلة بأسئلة الأنا والآخر في خط المواجهة المشتعل أبداً، وطارق الطيب لم يكن بمنأى عن هذا الألم، لذا جاءت صرخته بهذا الوضوح وهذه المباشرة الوحشية.

»ليس إثماً« مجموعة شعرية تمثل طريقة جديدة في مشروع طارق الطيب، ولعلها تلخص هواجس الذات في مناخات الآخر الباردة، وقد كتبت قصائد المجموعة خلال العقد الأخير من السنوات، وهي مرحلة مهمة في تجربة طارق الطيب الكتابية يلاحظ فيها المتلقي أسئلة طارق الطيب الوجودية المرتبطة بشروط إقامته داخل أنساق زمانية ومكانية محكومة بصيرورة تنتج داخل عقل العالم الجمعي.

»ليس إثماً« و»بعض الظن« مجموعتان مهمتان في إنتاج طارق الطيب ومشروعه الكتابي، وهو كاتب مثابر ومجتهد ومهموم بمشروعه الأدبي.

من أجواء مجموعة »بعض الظن« نقرأ:

حين تسير في غابة

تنتبه لجمال السوسن والطير

لكنك في المدينة لا تعير الشجرة انتباهك

تزعجك أوراقها المنثورة في لامبالاة

تعبر كل وردة في الطريق

الإشارة الحمراء توقفك

عينك لا تنزل عنها حتى تخضَّر

خضرة الإشارة لدى البعض أحب من رؤية أي غابة

إنها طبيعة المدن

وطبيعة اللهاث

قصيدة سوسن ديوان «بعض الظن».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *