محمد المهدي

محمد الأمين المهدي

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• قال النبي – صلى الله عليه وسلم:  «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تزهّد في الدنيا، وتذكر الآخرة»، رواه ابن مسعود، أخرجه ابن ماجة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: «فإنها تذكّر الموت». وفي الترمذي عن بريدة: «فإنها تذكّر الآخرة». 

وزيارة المقابر مستحبة للرجال (وفقاً للمذاهب الفقهية الأربعة)، لأنها تذكر بالموت وتليّن القلب، والزيارة تكون بآداب خاصة، تتمثل في السلام بخشوع، وقراءة الفاتحة أو سورة يس، والدعاء للميت. 

وجاء في الحديث «ولا تقولوا هُجْراً»، والمعنى النهي عن الكلام السيئ عند زيارة القبور، مثل الصراخ والنياحة، أو الكلام الذي يغضب الله. 

أما الشاعر جرير الذي توفيت زوجته، وهو المعروف بامتلاكه ناصية الشعر وإبداعه في ضروبه المختلفة، وعلى رغم عدم وجود ما يحول شرعاً بينه وبين الزيارة، فقد منعه الحياء من زيارة قبرها، وذاك المنع عائد للعادات والتقاليد والعرف السائد. 

لكنْ جرير الذي لم يزر قبرها، كتب أجمل الأبيات في رثائها، معترفاً بأفضالها، فجاءت قصيدته صادقة ومعبرة، فكانت كلماتها درراً، فصارت رمزاً للوفاء، فخلدها التاريخ. 

وهذه بعض أبياتها 

لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ

وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ

وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ

في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ

فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً

وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ

وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَبرَةٌ

وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ

أَرعى النُجومَ وَقَد مَضَت غَورِيَّةً

عُصَبُ النُجومِ كَأَنَّهُنَّ صِوارُ

**    

وَلَقَد أَراكِ كُسيتِ أَجمَلَ مَنظَرٍ

وَمَعَ الجَمالِ سَكينَةٌ وَوَقارُ

وَالريحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها

وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ

وَإِذا سَرَيتُ رَأَيتُ نارَكِ نَوَّرَت

وَجهاً أَغَرَّ يَزينُهُ الإِسفارُ

صَلّى المَلائِكَةُ الَّذينَ تُخُيُّروا

وَالصالِحونَ عَلَيكِ وَالأَبرارُ

وَعَلَيكِ مِن صَلَواتِ رَبِّكِ كُلَّما

نَصِبَ الحَجيجُ مُلَبِّدينَ وَغاروا

يا نَظرَةً لَكِ يَومَ هاجَت عَبرَةً

مِن أُمِّ حَزرَةَ بِالنُمَيرَةِ دارُ

تُحيِي الرَوامِسُ رَبعَها فَتُجِدُّهُ

بَعدَ البِلى وَتُميتُهُ الأَمطارُ

وَكَأَنَّ مَنزِلَةً لَها بِجُلاجِلٍ

وَحيُ الزَبورِ تُجِدُّهُ الأَحبارُ

لا تُكثِرَنَّ إِذا جَعَلت تَلومُني

لا يَذهَبَنَّ بِحِلمِكَ الإِكثارُ

كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا

مُتَبَدِّلينَ وَبِالدِيارِ دِيارُ

لا يُلبِثُ القُرَناءَ أَن يَتَفَرَّقوا

لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهارُ

هذا الفيض من المشاعر وجرير لم يقف على قبرها، ولو لم يمنعه الحياء، لفاضت مشاعره وكتب قصيدة ترقى إلى مصاف المعلقات، لذا أقول: ليتك زرت قبرها يا جرير. 

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *