ليبولد سيدار سنغور ابن الثقافة الإفريقية يحكي تجربته الشعرية: أنا شاعر إفريقي وسيِّدٌ في اللغة ومتعدد الثقافة ودمائي مهجنة
Admin 21 يونيو، 2025 298

عزالدين ميرغني
• المستقبل في العالم للإنسان المهجن (شارل ديجول)
( من ترجماتي عن الفرنسية )
• صدر هذا الكتاب قبل سنوات , وفيه يحكي الشاعر السنغالي ليبولد سيدارسنغور عن تجربته الطويلة في كتابة الشعر . وهو يتحدث في هذا الكتاب في لقاء مطول مع أحد الصحفيين الفرنسيين , من أهل الاختصاص الثقافي والذي يقول فيه : ( قبل الكلام عن الشعر يجدر بنا الحديث عن الإنسان المهجن , وهذه الهجنة , أو الامتزاج العرقي , هي التي تؤكد , التعدد الثقافي للكثير من بني الإنسان في هذا الكون العريض الممتد . وأنا نفسي من دماء إفريقية مهجنة . ودمي ممتزج بعدة قبائل إفريقية , وبداخلي أيضاً بعض الدماء البرتقالية . وفي مطلع شبابي , كنت أخجل من الكلام في هذا الموضوع . وعندما كبرت , وقرأت كتب التاريخ , وعلم الأجناس , تأكدت أن المستقبل سيكون للشعوب المهجنة . وكما قال شارل ديجول : ( إن المستقبل سيكون للإنسان المهجن ) . والكتاب والشعراء الكبار في أوربا , يعتبرون بأنهم نتاج لعدة أعراق وثقافات مختلطة . وإذا كان النقد الحديث يؤكد , بأن الكاتب الكبير تصنعه قراءته السابقة , فإنني أضيف عليها , بأن الكاتب الكبير , أيضاً تسبقه ثقافاته المتعددة . لأن الثقافة السابقة , والنابعة من المكان والبيئة , تجري في دم الكاتب , وتبقى في داخله طول حياته .

ومنذ أن كنت يافعاً , وطفلاً صغيراً , تأثرت بالشعراء الشعبيين في قريتي , وحتى سن العاشرة . بعدها تأثرت بحكم ثقافتي الفرنسية المبكرة بالشعراء ( فيكتور هوجو , ورامبو , ومالارمييه , وفاليري , وبودلير ) , تأثرت بهؤلاء الشعراء الكبار لأنهم شعراء الشكل والمضمون , وشعراء الهذيان الروحي , وشعراء التوق إلي الانعتاق والحرية , والمقدرة على الوصف والتصوير . واستدعاء الخيال الجامح . وقبل أن أتحدث عن صعوبات الشعر , في ربع القرن الماضي ( القرن الماضي ) , ( القرن التاسع عشر ) . فإنني يجب أن أؤكد , جد إعجابي بتجربة الشاعر الفرنسي الكبير ( رامبو ) . وأقصد هنا تجربته الشعرية . رغم أن الشاعر ( بودلير ) , لا يزال تحت الدرس والتحليل وحتى الآن , وسيكون كذلك في المستقبل . وقبلها يجب أن نعرف , بأن هذه الثورة , وهذا التجريب والتجديد في الشعر , قد قام بها الشاعر الفرنسي الكبير ( فكتور هوجو ) , قبلهم . بعدة مراحل متدرجة . وقد تأثرت به كثيراً , في بدايات القراءة , وفي كتابة الشعر المبكر . والشعر العظيم في كل التاريخ , يجعل من كاتبه سيداً في اللغة ومجدداً لها . وعندما أقول الشاعر ( هوجو ) , فأعني بأنه كان سيد اللغة شعراً ونثراً . فلا يجدد اللغة , إلا الشعر العظيم . لقد كان فيكتور هوجو , من الذين جعلوا من الشعر , قضية عامة , وفكرة متجددة, وعاطفة متقدة , وفعلاً تحس به . وبعد الشاعر ( بارناس ) , والذي استعاد الخطاب الشعري الفرنسي التقليدي , جاء بودلير , وهو الأول الذي غنّى (لفينوس السوداء ) , والذي أدخل الشعر الفرنسي , في غابات إفريقيا لأول مرة . واستخدمها في رموزه , وإشاراته ومعانيه العميقة , وهو الذي دائماً ما يقول ( يا لجمال الشموس في النهارات الدافئة ) . ويقول فيها : (عندما أحتويك بذراعى , يا مليكة المعبودات , يخيل لي بأنني استنشق عطر الدماء التي تجري في عروقك ) . وعندما جاء الشاعر ( رامبو ) , أخذ يجدد في الشعر الرمزي , وقد استلهم ثقافات الشعوب الأخرى , ولم تقيده الثقافة الفرنسية , ولم تسجنه في أسوارها . وفي رأيي المتواضع , فأنا أعتبره المجدد الأول , في الشعر التقليدي الفرنسي , خاصة , وفي الشعر الأوربي عامة . وتأثير الثقافة الإفريقية واضحاً في شعر ( رامبو ) في شعره الغزلي , وفي روحانياته العميقة .

إن تأثير الثقافة الإفريقية الزنجية , على الثقافة الفرنسية , لم يكن في الشعر وحده , فالناقد الفرنسي الشهير ( ايمانويل بيرل ) , يرى , بأن مدرسة باريس التشكيلية , قد تأثرت أيضاً بالفن والرسومات الإفريقية الزنجية . وأنا أرى بأن هذا التأثير لم يجد حظه القوي من الدراسة . وهو تأثير قوي , لا يتصوره الكثيرون . ويظهر هذا جلياً وواضحاً , في النحت والتشكيل . خاصة في التجسيد وليس التجريد . وهذا التجسيد , المتأثر بالجسد الإفريقي , والرسومات البدائية الزنجية , يمثل بعداً ميتافزيقياً عميقاً وخفياً . وبقدر ما يساعد علم الأحياء , فإنه كذلك يحتوي على دلالات منطقية و فلسفية عميقة . ورغم ذلك فمن جانبي المتواضع كشاعر , فإنني أرى بأن التأثير الإفريقي والزنجي , في الشعر الفرنسي أشد وأعمق من تأثيره على الفن التشكيلي . وقد بدأ هذا التأثير منذ البدايات الأولى , والتي تدعو للتجديد , في الشعر الفرنسي التقليدي , فيما يخص الشكل والمضمون , والتي بدأت في القرنين السادس عشر والسابع عشر . والتي نادت بالأخذ من ثقافات الآخرين , وعدم الانغلاق جغرافياً وثقافياً . بعد هذه الدعوة أخذ الشعر الفرنسي ينفتح على ثقافات الآخرين , في أوربا , والبحر المتوسط , وإفريقيا , ومن الثقافات الجرمانية والسلافية . فالتجديد في الشعر , كما يقول نقاده الكبار , لا يكون في الشكل فقط , وإنما يشمل المحتوى والمضمون . ويشمل الانفتاح على كل الثقافة الكونية كالثقافة الآسيوية وتتمثل في الشعر الياباني والهندي والصيني , والعربي والفارسي , وأخيراً الإفريقي الزنجي . فهذه الكيانات الثقافية الكونية , إذا لم يتأثر بها الشعر , فإنه ينغلق ويضمحل , ويصبح محلياً ضيقاً فيموت . وكنت أقول دائماً , لو أن اللغة الفرنسية قد تعمقت أكثر في الثقافة الإفريقية , وتركت التعالي الكولونيالي , لأصبحت أكثر ثراء , وأكثر شاعرية , وأكثر قبولاً وانتشاراً . فعبقرية اللغة لا تأتي من انغلاقها وتعاليها , وإنما من مرونتها وانفتاحها على الثقافات واللغات الأخرى . وأريد أن أؤكد , بأن الشعر الإفريقي حتى في وسطه الشعبي , لا يقل عن الشعر الفرنسي الحديث , في موسيقيته ومعانيه العميقة . ورمزيته الخفية . والتي كتب عنها الشاعر ( بودلير ) , وبهذا يجب أن استشهد بأشعار الشاعر الكبير ( رامبو ) , خاصة في ديوانه ( موسم في الجحيم ) , فرغم التفسير الظاهري لهذه الأشعار في النقد الأوربي , ولكنها تحمل في باطنها رمزية وفلسفة عميقة , وهو في هذا العمق يمثل تأثره القوي بالثقافة الإفريقية . إن النقد الأوربي قد تاه ومعه علم اللسانيات , في تفسير كلمة الرمزية . وهي كلمة مصدرها اللغة اليونانية , ( symblon ) , وهي تعني فيما تعني , تجريد اللغة من معناها الظاهري إلي معناها المبطن الخفي . أما الرمزية بمعناها الأعمق في إفريقيا , فتعني الصورة الخفية , أو التصوير والتشبيه غير العادي , للأحياء والأشياء . لأن الصورة عندنا في إفريقيا , لها عمقها وقدسيتها , أكثر من المجتمعات الأوربية . تلك الصورة المتأثرة بالسحر والطوطم , والأساطير القديمة , ومتأثرة بسحر المكان , وحكايات الأجداد . إن أغلب ما جاء به الشعر الأوربي من رمزية وتجريد , قد سبقه الشعر الإفريقي حتى في عاميته في الوسط الشعبي .

في حياتي تأثرت جداً , وتعمقت في قراءتي , لرسالة الدكتوراه , للبروفيسور ( آلاسان نادوا ) , بعنوان ( الفكر الإفريقي ) , تلك الرسالة التي أصبحت مرجعاً في الدراسات والثقافة الإفريقية , والتي خصص فيها الفصل الأول للفكر الإفريقي , وعلاقته بالأسطورة . هذه الأسطورة لها تأثيرها في الإنسان الإفريقي , متدرجة منذ ميلاده وبداياته الأولى , وحتى مماته . فالأساطير الإفريقية لها علاقة بالنظام الشمسي والفلكي عموماً , وتأثيرهما حتى على الحياة اليومية لهذا الإنسان . في الزراعة , وفي موسم الحصاد , ونزول الأمطار . وتشمل حتى الولادة والإنجاب , والإيمان بالآلهة . فالأسطورة في الحياة الإفريقية تمثل قبل كل شيء منهجاً في التربية , ومن ثم تشكيل الإنسان الإفريقي نفسياً واجتماعيا وعقائدياً , حيث العلاقة بين الأرض والسماء , وبين الخالق والمخلوق . وهذا التأثير يتمثل في تشييد المعابد , وفي الطقوس الاحتفالية الدينية , وفي الأقوال والحكم , والأمثال , والرقص , والغناء وأشعاره , وحتى في حركات الجسد وتعبير الكلام . وكما ذكر صاحب رسالة الدكتوراه , في إحدى فصولها ( إن الحياة اليومية للإنسان الإفريقي , المرتبطة بالطوطم والسحر والغموض , والإيمان الخفي بروح الأجداد , إنما تمثل الرمزية الحية للخلود والأبدية دون أن يعرف الإنسان الإفريقي ذلك . وهي تحتاج للرواية والشعر في تقديمها للآخرين ) . وهذه الرمزية الطقوسية والتي يمارسها في يومه , شكلت حياته الخاصة مع نفسه , والعامة مع الآخرين . مع المرأة , ومع المجتمع من حوله . فالأسطورة هي المعنى والمسيطر الخفي لحياة الإفريقي قديمه وحديثه . هذه الطقوس لها لغتها الخاصة , والتي تتسع لاستيعاب غموض الأسطورة , ورمزيتها العالية , تلك اللغة , التي تختلف عن لغة الحياة اليومية العادية , باختلاف الصورة , ثم الدال والمدلول . وأنا شخصياً يوجد في مكتبي , عدة تماثيل وأقنعة إفريقية , مطلية بعدة ألوان حمراء وسوداء , منها ما يمثل إله الخصوبة , والخير والشر . وهنالك قناع إفريقي ذو نتوء بارز , في الجبهة والأنف , منحوت على جسد فهد متوثب , وحيوان له عدة أرجل وأذرع . وكل هذه التماثيل والأقنعة , تمثل الرمزية التي ذكرتها من قبل . ( الرمز المجسد ) , فالرمز الإفريقي يمثله التجسيد وليس التجريد , فلغته ليست غامضة , لأنها تمثل الإنسان البسيط في إيمانه ومعتقداته , وهذا البساطة تشمل حتى رئيس الجمهورية ( كان سنغور رئيساً للجمهورية ) . خاصة للفرد الذي يؤمن بأن الجسد له طقوسه , كما للروح أيضاً , وهما سوياً يقودان للإله في عليائه . والرقص يساعد في في اندماج الروح والجسد . ( نظرية الحلول) وهذه الأساطير ورمزيتها العالية , موجودة في أمريكا اللاتينية , حيث سحر الغابات , وقامات الجبال الشاهقة , وهي تمثل نفس البيئة الجغرافية الإفريقية .
لقد حاول الشاعر ( رامبو ) , وخاصة في ديوانه ( موسم في الجحيم ) , أن يكون زنجياً أصيلاً , وإفريقياً صميماً , كان يستشهد ويقتبس من أسفاره سحر الزنوجة والأفريقانية في فطرتها البدائية السليمة , وبمعنى أخص مقدرته في التخييل والترميز . واستدعاؤهما في الحياة اليومية . تلك الرمزية التي أوحت للكثير من النقاد التعابير والمصطلحات النقدية , مثل (الحروف واللغة الملونة ) , ( والايقاع البدائي ) , ( والفطرة السليمة الأولى ) , و( النص المتعدد المعاني ) , و( الجملة الموسيقية ) , و( شعرية النص ) , وكل هذه المصطلحات تنطبق على روح الإنسان الزنجي المشعة والمبتهجة , , متمثلة في الشكل , ومحتوية على المضمون , ففيها اللون , وفيها الحركة , والتي تعطي للصورة بلاغتها والاحساس بها .
إن الشاعر الكبير ( رامبو ) , لم يفصل بين الفعل والتفكير , وبين الروح والجسد , وكان هدفه أن يمتلك الحقيقة , تلك الحقيقة التي لا توجد إلا في الروح والجسد مجتمعان . وهذه الحقيقة هي التي يؤمن بها الإنسان الإفريقي , العارف بالأسرار , والمؤمن بالإله . إن تفاعل الروح مع الجسد , هي التي قال عنها الباحث والناقد (آلان بوسكيه ) , في خلال إقامته في السنغال : ( لقد تبين لي أن الإنسان عندكم , قد أعطى للغة إيقاعاً جسدياً , فجعلها لغة حية ومتحركة , يمكن أن تتنبأ حتى بالمستقبل البعيد ) .
إنني أستطيع أن أقول وبكل ثقة إن فرنسا خاصة , وأوربا عامة , كانت في مسيرة تطور الشعر والتشكيل والموسيقى والغناء عندها متأثرة بمسيرة الثقافة السوداء . لقد زرت بيكاسو وقد قال لي : ( إن الفن التشكيلي الأوربي قد تأثر بالفن الإفريقي , وما المدرسة السريالية في التشكيل والأدب , إلا نتاجاً لهذا التأثير ) . لقد نادينا في العام 1930م , بالدعوة لمدرسة ومصطلح ( الزنوجة والأفريقانية ) , وقلنا في أحد بياناتنا ( بأن في أوربا كتاباً تأثروا بنا دون أن يعلنوا ذلك , وأطلقنا عليهم ( أهل الفن الإفريقي ) , لأن روحهم وإلهامهم وخيالهم , كان زنجياً خالصاً . خاصة أهل المدرسة السريالية التي ذكرها بيكاسو . وفي الشعر ما نقوله أوضح وأبين , ولقد ذكر أحد النقاد أن الشاعر ( سانت جون بيرس ) , أخذ من الفلسفة الإفريقية , واغترف منها خاصة من جزر الإنتيل ) .
لقد لاحظت منذ دراستي الأولى , أوجه الشبه بين الحضارات الإغريقية القديمة والحضارات الإفريقية , في ما يخص الإيمان بالأسطورة , والسحر والتصوف , وعلاقة الإنسان بالطبيعة والكون , والنظام الشمسي , وفي الاعتقاد بأن الإنسان الفنان , يمثل خليفة الله في الأرض . وبمثل ما أن أدارت الحضارة الإغريقية ظهرها للطبيعة , واحتفت بالإنسان الإله , فإن الحضارات الإفريقية قد آمنت بهذا . وكما قال الكاتب الفرنسي الكبير ( أندريه مالرو ) , : ( إن هذه الحضارات قد مجدت الإنسان البطل , وقربت الإله للإنسان , أكثر وأكثر ) . لقد كان وضع الشاعر في الحضارة الإفريقية كبيراً وعظيماً , وكذلك عندنا في إفريقيا . والفلاسفة الإغريق قد اتخذوا من الشعر أداة لتوصيل الحكمة والأخلاق الفاضلة والمثالية الحقة . فالشاعر يمثل الحكمة والجمال المخفي والبطولة المتجددة . إن مشكلة الغرب أنه ومنذ أفلاطون , وأرسطو قد أبعدوا الآلهة من الحياة , ومجدوا الإنسان المتفوق الفارس على حساب الإله . فالأسطورة إذا حاولنا تعريفها كما جاءت في القواميس القديمة , هي ( حكاية خرافية شعبية ) , تجعل الأشياء حية . ويجب أن لا يفوتنا أيضاً بأن الإنسان الحديث والمتحضر أيضاً , قد يخلق أساطيره . فقد يمجد شخصية حقيقية ويأسطرها , أو حدثاً تاريخياً عظيماً , مثل الحرب العالمية الثانية , مثل شخصية ( شارل ديغول ) , و( تشرشل ) , و( كارتر ) , و ( بريجنيف ) , و( القنبلة النووية ) , وتأتي قوة الشعر الحديث في مقدرته على خلق أساطيره الحديثة , بتقنية الترميز العيني . ( أي استنطاق الأشياء والحيوان , وجعلهما أحياء ) . بلغة الرمز , وليس بلغة المباشرة . والأسطورة يجب أن تتغلغل في دواخلنا حتى تُكتب في أدبنا , حتى تجاوب على أسئلة الإنسان الخالدة , حول ثنائية الحب \ والكره , والخير \ والشر , والرجل \ والمرأة , والأمل \ والحرية . دون أن نهمل الشكل الشعري المتعارف عليه , والذي قلت عنه وأقول دائماً : { ليس هناك ما يدوم غير الكلام , وليس هنالك ما يخلد بغير الكلام } .
لقد تأثرت منذ صغري بالأسطورة , والحكاية الشعبية , والتي سمعتها في القرية , وحتى في العاصمة { داكار } , أما تأثري الأكبر فكان من شاعرات القرية وحكيماتها الكبار . فقد كنت أحفظ أشعارهن في الهدهدة , وفي الأعياد والمناسبات . لقد تحدث بعض النقاد عن تأثير المسيحية في شعري , ولا أنكر ذلك , ولكن تأثري الأكبر يأتي من الثقافة الإفريقية القديمة بآلهتها وأساطيرها , وحكاياتها . والمسيحية نفسها هي نتاج الحضارة الشرقية والحضارات الشرقية أقرب للحضارات الإفريقية من غيرها . لقد حاولت في شعري , أن يكون ممزوجاً بعدة ثقافات , لكي يكون أقرب للتعبير عن الإنسان في كونه المطلق . وإخائه الغير محدود مع أخيه في الإنسانية . وقد كان ديواني , { مرثية لمملكة سبأ } , يمثل صوتي الشعري الأقرب لم أؤمن به واعتقده . فهو يمثل نوعاً من الإخاء بين المسيحية , وأديا إفريقيا القديمة . وأردت أن أؤكد في كل أشعاري , بأن الشعر هو لغة في داخل لغة , وهذه اللغة الخاصة , لا تأتي إلا بالنضج والتعمق والدراسة . فلغة السليقة وحدها لا تنتج شعراً جيداً . فنحن في إفريقيا , نسمي الشعراء المتجولون , والحكاؤون , بأسياد اللغة . لقد استفدنا من اللغة الفرنسية بتحديث الشعر الإفريقي , ولقد استفادت الفرانكفونية أيضاً من شعراء إفريقيا , فقد جعلنا نحن شعراء إفريقيا , من الشعر , الكلام الذي يغذي الوجدان ويمتع الآذان . وهكذا هو الشعر العظيم يصل إلي الأذن أولاً , وترسله بعدها إلي الوجدان . وإلا يصبح كلاماً عادياً . وهذا ما يجعل الشعراء العظام قلة في التاريخ الإنساني . وأنا دائماً من الذين ينادون , بأن نكتب الفكرة العاطفية , حتى تتسلل إليه بهارمونية الإيقاع والموسيقى . وأن يكون الشعر هو فاكهة الحضارات الإنسانية ممتزجة ومتماهية مع بعضها البعض , ولأن الفاكهة هي المزاغ المشترك عند الإنسان في كل مكان وزمان.
شارك المقال