لا تردي لي الرسائل..أيش أسوي بالورق؟ الخذلان جرح الروح الذي لا يبرأ

214
محجوب الخليفة

محجوب الخليفة

كاتب صحفي

• إنه لأمرٌ مؤلم أن يتحوّل القلب الذي خُلق ليُضيء، إلى موقدٍ من جمرٍ يلتهم صاحبه. العطاء في جوهره ليس صفقةً ولا ميزانًا، بل هو انسكاب الروح كما ينسكب المطر على أرضٍ عطشى. أنت لا تسأل المطر: لماذا تهطل؟ ولا النجم لماذا يضيء؟ كذلك هو القلب العاشق، يعطي لأنه لا يعرف سوى أن يعطي، ويغني لأنه لا يطيق الصمت، ويكتب لأنه لو كتم لانفجر.
لكن، ما أشد مرارة أن يقابل هذا العطاء بجدارٍ من الصمت البارد، أو بردٍّ مقتضبٍ لا يليق بفيض الحنين.
لن أنسى أبياتًا من الشعر كتبتها يومًا..
[كنتُ مسكينًا أُغنّي للنجوم،
أعشقُ الغيمات، أجري في المطر،
السنا يملأ قلبي مثلما الضوءُ تحبب في جبين السوسنات…
وكلّ ما عندي تناثر…]
لكن حين يتناثر هذا النور على أرضٍ قاحلة، يصبح العطاء نزيفًا والحنين ألمًا. وهنا يتجلّى صوت العتاب في أغنيةٍ خالدة، يقول فيها العاشق لمحبوبته وقد أعياه الانتظار، وأحرقه الجفاء:-
(لا تردّي لي الرسائل… إيش أسوي بالورق؟
والمحبة من طرف واحد عذابٌ واحترق…
أكتب الأشواق وأنثرها، وألقاها تحترق…
والهوى يا حلم عمري ما بقي منه الأمل).

هذه ليست مجرد كلماتٍ على لحن، بل صرخة روحٍ تذوب تحت وطأة الاستخفاف. إن الخذلان لا يكون في كلمةٍ جارحة، بل في غياب كلمةٍ كان القلب يترقبها؛ لا يكون في الفعل الظاهر، بل في ثقل التجاهل الذي يفرغ الروح من زينتها.

إنه عذاب أن ترى رسائلك تعود إليك صامتة، أو أن يلقى شغفك في زاويةٍ باردة كأوراقٍ مهملة. وما أقسى أن تشعر أنّك تسقي بستانًا لم يعد فيه سوى حجارة، أو تضيء ليلًا لا أحد يرفَع رأسه ليتأمل فيه نجومك.

ومع ذلك، ورغم كل هذا الوجع، يبقى العطاء أرفع من أن يُختزل في ردٍّ أو تقدير. العطاء الحقيقي يخرج من القلب لا لأنه ينتظر صدى، بل لأنه هو جوهر وجوده. غير أنّ الحكمة تقتضي أن تعرف أين تزرع نبعك، وأين تصون شعاعك. فليس كل أرضٍ جديرة بمطرٍ، ولا كل قلبٍ مؤهل أن يكون مرآةً لضيائك.

الحب يا صديقي ليس قصيدةً تُكتب من طرفٍ واحد، ولا أغنيةً بلا صدى. الحب الحقيقي هو حوار أرواح، وتبادل أنفاس، وتلاقٍ في منتصف الطريق. وحين يغيب ذلك، يصبح الحب شبيهًا بظلٍّ يطارده صاحبه، أو بموجةٍ ترتطم بالصخر لتعود أدراجها كسيرة.
دعني أقولها لك بصدق… من يستهن بعطائك لا يعرف قيمته، ومن يستخف بحبك لا يستحقه. لا تجعل من قلبك ورقةً بيضاء تُلقى في مهب الريح. فالقلب أثمن، والحب أقدس، والعطاء أجلّ.

أما الخذلان، فليكن درسك لا قيدك، وليكن بداية وعيٍ جديد لا خاتمة حلم. فما أجمل أن تستعيد ذاتك، وتدرك أنك لم تخسر حين أحببت، بل خسِر من لم يعرف كيف يحتضن هذا الحب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *