لا أتاجر بمشاعر الجماهير.. أفعل الصواب ولو تأخر التصفيق

34
pic02

أحمد الصمد الأمين العام ورئيس القطاع الرياضي بالنادي الأهلي مدني

حاوره: رئيس التحرير

• الجماهير تنتظر… الشمس تنحدر خلف المدرجات. في مكتب بسيط عند نهاية الممر، يجلس رجل وحيد. وراءه صورٌ بالأسود والأبيض.. لاعبون شباب يرفعون الكؤوس، وملاعب غابت في ذاكرة الزمن. هذا هو أحمد محمد عبدالصمد، الأمين العام ورئيس القطاع الرياضي بالنادي الأهلي مدني. الرجل الذي أعاد الروح لجسد نائم.

«الرياضة هنا ليست لعبة، إنها تراب الأجداد»..

وُلد من رحم الملعب. أبوه حمل قميص النادي في الستينيات. ثم صار – المدرب القدير – وقاد الفريق سنواتٍ طويلة، كما قاد سفينة العمالقة عبر عواصف التحديات. أحمد نفسه كان جندياً في خط المواجهة، حين كانت الكرة طيناً وحمماً. عرف كيف تسقط الأجساد على العشب، وكيف تقوم… عرف أن النادي الأهلي مدني ليس حجراً وبوابةً، بل هو قلب المدينة النابض.

عندما تسلم القيادة، كان النادي كالجمل المنهك: بطولاتٌ غابت، وروحٌ انكسرت، وجيلٌ نسي معنى «العهد الذهبي». لم يصرخ… لم يخطب… فقط.. حفر الأرض بيديه.. أعاد بناء الفريق من الصفر بعزيمة الرجال.

صان تحالفاتٍ صامتة.. جمع رجال الأعمال حول طاولة واحدة، «النجاح وطنية قبل أن يكون رياضة».

رفض الرحيل، حتى في ليالي الهزائم، كان ظله يُرى في الممرات، يلمس الجدران كأنه يستعيد ذاكرة الحجارة.

فهو يمتلك أخلاق القادة… حتى أعداؤه يحنون له رؤوسهم، ويقولون: «هذا الرجل يُصلح ما يفسده الآخرون.»

فهو لا يصرخ في وجه الحكام، ولا يشهر أصابعه في وجوه المنافسين… يعامل اللاعبين كإخوة له.. يأمرهم بالجدية، ثم يغفر لهم الزلات.

اليوم، تعود بشائر البطولات كطيور مهاجرة، والعرش حتماً عائدٌ.

في خزانة التذكارات، كؤوسٌ يحفظها عن ظهر قلب، وعينه تتطلع إلى ما هو أبعد…

شباب مدني يغنون في الشوارع: «عاد الأهلي سيداً»، لكنه يقول: «هذه البداية فقط… سنبني أسطورةً جديدة من الصبر».

في زاوية مكتبه، صورةٌ قديمة: ثلاثة أجيال…أبوه عبدالصمد، وجيلٌ قريب إلى قلبه، والجيل الحالي الذي يقوده بحنكةٍ ودهاء.

الدم لا يكذب. حين يرى لاعبيه أمام عينيه، يشعر أن الروح تُولد من جديد.

الآن، يجلس أمامنا… يداه متشبكتان كجذور شجرة قديمة، وعيناه تشعان كفحم متأجج. هذا هو الرجل الذي حول اليأس إلى إرادة، والغبار إلى ذهب. في هذا الحوار، سنسبر أغوار روح مَنْ أعاد للأهلي مدني مجده التليد… سنكشف كيف يُصنع النصر من لحم الأخلاق، ودم العزيمة، وعظم الأفكار رغم التحديات الجسام.

«لا تنتظروا كلماتٍ كبيرة… انتظروا عملاً يبقى».

هكذا يقول أحمد محمد عبدالصمد.

اقرأ الحوار الكامل لترى كيف تبرق أسطورة الأهلي.. من الظلام إلى القمة.

• وُلدتَ من رحم الملعب.. كيف شكلت نشأتك في عائلة رياضية فلسفتك في إدارة النادي؟

– صحيح، أنا ابن هذا التراب. ولدت والنادي جزء من تفاصيل البيت والذاكرة… فلسفتي هي حب النادي كما البيت.

• كيف ترى مسؤولية الحفاظ على إرث النادي الأهلي الرياضي؟

– أراها أمانة. ليس مجرد شرف، بل عبء جميل على أعناقنا…

• حين تسلمتم ما أول قرار اتخذتموه لإنقاذ موقف النادي آنذاك؟

– أول قرار لم يكن معلناً، لكنه كان داخلياً: اتفاقنا على أن لا نرفع الراية البيضاء…

• حفرت الأرض بيديك لبناء الفريق من الصفر.. كيف أقنعت اللاعبين والجمهور بتحقيق المستحيل؟

– بداية دعنا نتفق بأن هذا العمل لا يمكن أن يقوم به فرد واحد، ولذلك دعني أتحدث بلسان الجماعة وبروحها.. الأهلي ظل على الدوام كالأسرة الواحدة ونحن على نهج السابقين نعمل ونستلهم ما يقودنا إلى الأمام..  بصفتي المفوض من المجلس برئاسة القطاع الرياضي فكلمة السر في تعاملي مع اللاعبين أنني لم أستخدم الشعارات. بل خاطبت قلوبهم قبل عقولهم…

• صنعت تحالفات صامتة مع رجال الأعمال.. ما الصعوبات التي واجهتموها لجمع الدعم؟

– الثقة كانت رأس المال الأول…

• ما أكثر لحظة شعرت فيها بأن النادي الأهلي بدأ ينهض من كبوته؟

– ربما كانت مباراة الموردة امدرمان أحد الفرق الكبرى في دوري الوسيط…

• يقول منافسوك: هذا الرجل يُصلح ما يفسده الآخرون.. ما سرّ تعاملك الاحترافي حتى مع الخصوم؟

– الاحترام ، وأحترم الخصم حتى وإن اختلفنا…

• تعامل اللاعبين كإخوة.. كيف توازن بين الحزم في اتخاذ القرار والرحمة في معالجة الأخطاء؟

– المعادلة صعبة، لكن ممكنة…

• ما القاعدة الذهبية في كتابك «أخلاق القادة» التي لا تتجاوزها حتى تحت ضغط الجماهير؟

– لنعمم أيضاً ونحن نتحدث.. لا أتاجر بمشاعر الجماهير. القاعدة الذهبية عندنا: افعل الصواب ولو تأخر التصفيق.

• كيف حوّلتَ الأهلي مدني إلى مشروع مجتمعي؟

– أعدنا للنادي أنفاسه الحية.. نفضنا غبار الغياب عن مقاعده، وفتحنا قلوبنا قبل أبوابنا لكل عاشق لسيد الأتيام.

• ما المشروع الأكبر الذي تخطط له لضمان استمرارية العهد الجديد؟

– المشروع الأكبر عندنا كمجلس إدارة والذي تواثقنا عليه، هو تحويل النادي إلى منظومة مستدامة تعتمد على الأكاديميات، والاستثمار في البنية التحتية، وتوليد موارد ذاتية. نريد أن يعيش الأهلي مدني بعيداً عن المزاجات والدعم المؤقت.

• لو عدتَ بالزمن إلى يوم تسلمك المنصب، ما النصيحة التي تقدمها لـ«أحمد» ذلك اليوم؟

– سأقول له: لا تتعجل، واستمع أكثر مما تتكلم. الناس لا تقيس الجهد، بل النتائج، فاصبر ولا تتغير.

• ما فلسفتك في إدارة القطاع الرياضي؟ وكيف توازن بين متطلبات الجمهور وواقع الإمكانيات؟

– أعمل على أساس أن الجمهور شريك وليس عبئاً. أوضح الحقائق بشفافية، وأربط الأهداف بالموارد. لا نبيع الوهم، لكن نبني الحلم تدريجياً.

• ما هي المعايير التي تعتمدها في اختيار المدربين واللاعبين؟ وهل تفضل النجومية أم صناعة النجوم؟

– لا أقوم بهذا الأمر وحدي.. نحن أفضّل صناعة النجوم. نبحث عن الالتزام والانتماء قبل الموهبة. نريد من يرتدي الشعار بقلبه قبل قدميه.

• كيف تتعامل مع ضغوط الجماهير في فترات الخسارة أو الأداء المتذبذب؟

– أتفهّمها. الجماهير تحب وتعبر بطريقتها. دوري هو امتصاص الغضب وتحويله إلى طاقة بناء، لا هدم.

• ما أكبر تحدٍ واجهته منذ توليك المنصب؟ وكيف تعاملت معه؟

– إعادة الثقة داخل النادي. الانكسار كان عميقاً. بدأنا من الصفر، خطوة بخطوة، وأثبتنا أننا نملك النفس الطويل.

• كيف تتعامل مع أزمة نقص التمويل أو الدعم المادي؟ هل لديك استراتيجية بديلة؟

– نعم. نعمل على تنويع مصادر الدخل، عبر الدعم الحكومي و الرعايات والمبادرات المجتمعية.

• ما هي خطتك للتعامل مع المنافسين من الأندية الأخرى، وهل ابتعاد نادي الاتحاد عن دوري النخبة في صالح الأهلي أم على العكس من ذلك؟

– لا أرى في ضعف المنافس مكسباً. نريد دوري قوي فيه الأهلي والاتحاد وجميع الأندية. التنافس يُولد الإبداع ويرفع من جودة الأداء.

• ما هي استراتيجيتك لاكتشاف المواهب الشابة وتنميتها؟

– قمنا كمجلس بتأسيس شبكة رصد على مستوى الأحياء والمدارس ، ونعمل على تاسيس أكاديمية متخصصة تُعنى بالتكوين الفني والنفسي.

• هل لديكم مشاريع لتحسين البنية التحتية أو المرافق الرياضية؟

– نعم. لدينا خطة لتأهيل الملعب، وإنشاء مرافقة حديثة تليق باسم الأهلي مدني.

• كيف تتعاملون مع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل لديك سياسة محددة في هذا الجانب؟

– نتعامل باحترام واحتراف. نرحب بالنقد البناء، ونُفضّل أن نتحدث بأفعالنا لا بكثرة التصريحات. نملك فريقاً إعلامياً مسؤولاً عن المتابعة والتفاعل.

• ما هي معايير اختياركم للرعاة والشركاء الاستراتيجيين؟

– نختار من يؤمن برؤية النادي، ويفكر بعقلية الشراكة . العلاقة يجب أن تكون طويلة الأمد مبنية على الاحترام والمصداقية.

• كيف تقيم علاقة النادي بالجمهور؟ وهل لديك برامج لتقوية هذه العلاقة؟

– العلاقة تحسنت كثيراً. أطلقنا مبادرات تطوعية، وفتحنا المجال أمام الجمهور للمساهمة بالرأي والمشاركة. الجمهور هو الوقود الحقيقي.

• ما هو الإنجاز الذي تفخر به أكثر خلال فترة عملك؟

– استعادة ثقة الناس في الأهلي. هذه الثقة هي البطولة الأهم، لأنها أساس كل نجاح قادم. وقناعتنا أنه لن يكون للأهلي مجد حقيقي إلا باسترداد قلوب جماهيره أولاً. هذه الثقة المتبادلة هي التاج الذي سيكلل كل إنجاز، والرصيد الذي سيُموّل كل حلم، والضمانة الوحيدة لاستمرارية العطاء.

• ما هي أهدافكم القريبة والبعيدة للنادي؟

– القريبة: الحصول علي مركز متقدم في دوري النخبة ومواصلة التطوير. البعيدة: بناء كيان مؤسسي مستقل ومستدام، ينافس قارياً.

• كيف تقيس نجاحك كمسؤول رياضي؟

– بمدى التأثير الذي نتركه. هل تحسنت المنظومة؟ هل شعر اللاعب والمشجع والمدرب بالتغيير؟ نعم منظومة الفريق في تطور تدريجي والنجاح لا يُقاس بعدد البطولات فقط.

• كيف تتعاملون مع الآراء النقدية أو المعارضة التي تختلف مع رؤية النادي ومسيرته؟

– أسمع الجميع. لا أملك الحقيقة وحدي. بعض النقد مؤلم لكنه صادق. نستخدمه كمادة للتصحيح والمراجعة. لتصغ الآذان جيداً فالحقيقة ليست حصرية… نقد قد يوجع، لكنه نور يضيء دروب التصحيح. فلنجعل من كل ملاحظة مرآة نرى فيها عيوبنا، ومن كل توجيه سلماً نرتقي به نحو الأفضل.

• في ظل الظروف الاستثنائية التي رافقت قرار المشاركة في الدوري، كيف تقيّمون اليوم هذا القرار بعد النتائج المشرفة؟

– كنا نعلم أن القرار محفوف بالمخاطر، لكننا آمنّا بقدراتنا. اليوم أثبتنا أن الأهلي يملك رجالاً يعرفون قيمة التحدي.

• من هو قدوتك في الإدارة الرياضية؟ ولماذا؟

– والدي أولاً، ثم كل إداري يؤمن بالعمل المؤسسي. أحب تجارب من جعلوا الرياضة مشروع حياة، لا مناسبة عابرة.

• ما هي الصفة التي تعتقد أنها الأهم في المسؤول الرياضي الناجح؟

– الصدق. إن لم تكن صادقاً مع نفسك ومع الآخرين، ستنهار عند أول مطب.

• كيف تُقَيِّم فرص سيد الأتيام في المنافسة على لقب دوري النخبة، خاصةً بعد مواجهتيه أمام كلٍ من الهلال والمريخ؟

– الأهلي يملك الروح والعقلية الآن. لا نخاف من الأسماء. نحترم الجميع، لكن نؤمن أننا نستطيع أن نكون رقماً صعباً حتى في وجه الكبار.

• كلمة أخيرة لجماهير الأهلي مدني التي تُغنّي: «عاد الأهلي سيداً»؟

– شكراً لصبركم ودعمكم. ما زلنا في بداية الطريق، لكننا معاً سنكتب فصلاً جديداً من المجد. الأهلي ليس فريقاً… إنه حكاية مدينة.

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *