كُن ضيفاً مع من تُحب ومقيماً مع من يُحبّك

195
معتصم تاج السر

م. معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• في دروب الحياة حين نُحبّ نظن أن الحُبّ وحده يكفي ليُقيم…!

لكن الحقيقة أن الحُبّ كالنور يحتاج وعياً يُنظّمه ولُطفاً يُبقيه مشتعلاً دون أن يحرق.

فما أجمل أن يُحبّ القلب وما أصدق أن يُرافقه عقلٌ يزرع للحب ظلالًا من الحكمة،

وروحٌ تُسقيه رِقّةً كلّما جفّت المسافات، لينمو الحُبّ لا كعاصفةٍ تقتلعنا، بل كنسيمٍ يُنعشنا كلّ حين. 

ومن عمق التجارب ووشوشات القلب التي تعلّمتُها على مهل، قلتُ هذه المقولة التي أرجو أن يخلّدها الزمان للأجيال القادمة:

كُن ضيفاً مع من تُحب، ومقيماً مع من يُحبّك.

لأن القلب حين يحبّ كثيراً يتجاوز الحذر ويهمل التوازن.

لأنّ الحُبّ مهما سمت مشاعره يظلّ fragile هشًّا إن لم نُحسن التعامل معه.

ومن هنا كانت الحكمة:

أن من تُحبّه كُن معه ضيفاً لطيفاً.

فالضيف يُشرق كالقمر يأتي محمّلاً بالعطر يمرّ خفيفاً ويترك أثراً جميلاً لا يُنسى.

لا يُثقل المكان بشكواه ولا يُرهق الآخرين بتفاصيله، بل يمنح الحضور نكهة ويغادر قبل أن تُرهقهم الإقامة…!

لان من تُحبّه يريدك كما عرفك أول مرة كاملاً وأنيقاً، مشرقاً…!

يريدك لوحةً مكتملة لا يبهت فيها لون…! 

وصوتاً لا تجرحه النبرة…!

فكن ضيفاً جميلاً لطيف الحضور طيب الغياب واثق الخطى كالعطر حين يغادر المكان ويترك خلفه ذكراه.

أما من يُحبّك فذاك وطنك الذي لا يضيق بك…!

هو الذي يُحبك حتى حين تخطئ…! 

ويحتضنك حين تتبعثر…!

ويقرأ في صمتك ما عجز لسانك عن قوله…!

معه تستطيع أن تكون مقيماً بلا تكلّف بلا خوف ولا رهق الانكشاف…!

فهو يُحبّك كما أنت لا كما يجب أن تكون….!

فيه ترتاح ومنه تبدأ الحياة من جديد كلما أنهكتك الطرق.

وإن كُتبت لك السعادة في أن تَحِب وتُحَب فأعلم أن هذه نعمة نادرة كالنجوم في سماء الليل تتوهج بضوءها الخاص وتمنح الروح دفئاً لا يُقاس.

ومن جميل الحظ أن يعيش الإنسان لحظات كهذة حيث يلتقي قلبان صادقان في تناغم لا فكاك فيه.

لكن تذكّر دائماً أنه لا توجد علاقة حُبّ متساوية النسبة خمسين من مائة لكل طرف.

لان الحُبّ يميل … دائماً يميل…!!!

وكلما زادت نسبة حُبّك عن الآخر كان عليك أن تكون أكثر تجمّلاً لأنك الأقرب إلى «الضيف» لا إلى «المقيم»…!

فالاكثر محُبّ يُعاني بصمتٍ جميل…!

ويبتسم ليُخفي ارتجافة قلبه…!

ويقدّم دون حساب كغيمةٍ تهطل ولا تنتظر شكراً من الأرض…!

ومن تُحبّهُ في الحقيقة لا يقبل نقصك أو تقصيرك…!

فهو يُريدك على الدوام كما رآك في أول اللقاء صافياً كنسمةٍ في أول الصباح.

ولذلك عليك أن تنحني لكلّ الرياح وتتوارى خلف التغافل حتى لا تُكشف لك سوءاته…!

لأن الحُبّ من طرفك أكثر والرياح حين تهبّ قد تُسقط الكثير من الأقنعة…!!!

نعم … هو المتلقّي والمتلقّي لا عطاء له جبل على الأخذ دون العطاء…! 

وحين تعصف عثرات الحياة يفتضح…! 

فتظهر هشاشته أمام أول اختبار …! 

ويتركك في منتصف الطريق كحلمٍ لم يكتمل…!

فلتكن أنت الأذكى قلباً والأجمل روحاً…!

كُن ضيفاً حين يستوجب الحضور لطفاً ، ومقيماً حين يُتيح الحُبّ صدقاً وطمأنينة.

فلا تُبالغ في البقاء حيث لا تُقدَّر.

فالقلب الجميل لا يُهدر بل يُصان.

هذة خلاصة تجارب ومشاهدات ونداء أرسله للأجيال القادمة:

تعلموا أن تزنوا الحُبّ بالعقل…! وأن تحفظوه بالأدب والعرفان…!

وأن لا تُحمّلوا قلوبكم فوق ما تحتمل وأن تعرفوا متى تكونون ضيوفاً ومتى تستحقون الإقامة.

صدقاً وحقاً ……

كُن ضيفاً مع من تُحب، ومقيماً مع من يُحبّك…!

فالأول يراك بعين الإعجاب والثاني يراك بعين القَبول.

والأولى زائلة كحلمٍ جميل

أما الثانية فباقية كالأرض والأرض دوماً لا تخون.

هكذا تعلّمت من الحُبّ أن لا أُقيم إلا حيث يُكرَّم القلب…!

وأن أكون ضيفاً خفيفاً كالعطر،

مقيماً فقط حيث تنبت الطمأنينة.

وأدركت أن الحُبّ ليس إقامة دائمة ولا زيارة عابرة، بل هو فنّ الحضور بقدرٍ من الجمال والغياب بقدرٍ من الحكمة.

أن تعرف متى تُضيء كشمعة ومتى تنطفئ كغروبٍ نبيل لا يترك ظلاً من حزن.

فما أقصر المسافة بين القلب والعقل حين يتّحدان في درب الوعي وما أبهى أن يكون الحُبّ رحلةً ناضجة لا اندفاعاً مؤقتاً.

فلتكن في الحُبّ كما تكون الشجرة في الرياح تتمايل دون أن تنكسر وتعطي دون أن تَعُدّ الثمر.

هكذا فقط…

يبقى القلب أخضر والعلاقة سامقة.

ويصبح الحُبّ مقاماً وسكناً يليق بالنور.

محبتي والسلام؛؛؛

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *