
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• في تصريحاته الأخيرة، حاول وزير الإعلام السوداني خالد الأعيسر تقديم تبريرات هشّة لقرارات حكومته المتناقضة، خاصة فيما يتعلق بقطع العلاقات مع (دولة العدوان) الإمارات. لكن الحقائق تكشف عكس ذلك تماماً، حيث تظهر تصريحاته تناقضاً صارخاً بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية. فكيف تقطع الحكومة العلاقات مع دولة تتهمها بدعم المليشيات، ثم تترك الباب مشرعاً أمام الشركات الخاصة والأفراد لمواصلة تصدير الذهب للدولة نفسها؟ أليس هذا تناقضاً يصل حدّ الازدواجية الخطيرة؟ وأين الإطار القانوني والسياسي الذي يستتبع إجراءات القرار؟!
الوزير يتحدث عن «إجراءات ستتبع» و«لجان مختصة»، كأنما نعيش في ظروف طبيعية، بينما الواقع يقول إن كل يوم تأخير في تنفيذ القرار يعني مزيداً من التمويل الذي يصل للمليشيات عبر الذهب السوداني. المفترض أنَّ أي قرار بقطع العلاقات مع دولة معادية يستلزم إجراءات فورية وحاسمة، وليس انتظار تشكيل لجانٍ بينما تستمر الشركات في ضخ الأموال لخزينة العدو. هذا ليس تسييراً للأمور، بل مماطلة تخدم الطرف المعتدي أكثر مما تخدم السودان.
الأكثر إثارة للاستغراب، هو دفاع الوزير عن استمرار العمل القنصلي مع الإمارات، مستنداً إلى اتفاقية فيينا، بينما يتجاهل جوهر القضية: كيف تترك الحكومة قنصلياتها تعمل في دولة تتهمها بالضلوع في حربٍ ضدّ السودان؟ أليس هذا تناقضاً يفضح عدم جدية القرار؟ الاتفاقيات الدولية لا تمنع من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية المصالح الوطنية، خاصة عندما تكون هذه المصالح مهددة بدولة تعتبر نفسها في حالة حرب معلنة مع السودان.
الوزير يسخر من «الغرف الإلكترونية» التي تتحدث عن هروب المسؤولين، لكنه يتجاهل سؤالاً مهماً: إذا كان الجميع في مواقعهم كما يزعم، فلماذا لا نرى أي تأثير ملموس لهذا الحضور على الأرض؟ لماذا لا تزال المليشيات تعبث بمقدرات الشعب؟ ولماذا لا يزال الذهب يتسرّب عبر الحدود؟ الحديث عن «الصمود» يبقى مجرد شعارات جوفاء، ما دامت القرارات الحاسمة تُتخذ ثُمَّ تُفرغ من مضمونها عبر الثغرات القانونية والمماطلات الإدارية وغياب المسؤولين والمسؤولية.
في قضية السفير الذي خان العهد، نجد النمط نفسه من التناقض. كيف تسمح الحكومة بتعيين شخص غير موثوق في موقع حساس أصلاً؟ ثم تُفاجأ بخيانته؟ هذا ليس دفاعاً عن الوطن، بل اعتراف ضمني بضعف الآليات الرقابية، وسوء الاختيار الذي يقصي (الناجحين) ويعيِّن (الراسبين). الأمة لا تحتاج إلى خطاب التبرير هذا، بل إلى أفعال حاسمة، تثبت أن القرارات ليست مجرد ردود فعل إعلامية، بل سياسات مدروسة تنفَّذ بلا تردد.
أخيراً، ادعاء الوزير بأنَّ الحديث عن زيارة سرية لإسرائيل هو «محض افتراء» يثير التساؤلات: أين هي آلية الرقابة على تحركات المسؤولين إذا كانت مثل هذه الادعاءات تظهر أساساً؟ لماذا لا تكون هناك شفافية كافية تمنع حتى ظهور مثل هذه الافتراءات؟ الحكومة تطلب ثقة الشعب، بينما تترك أفعالها مجالاً للتساؤلات والشكوك.
الخلاصة أنَّ تصريحات الوزير كشفت عن فجوة خطيرة بين القرارات المعلنة وتنفيذها على الأرض. الأزمة لا تحل بالخطابات الإعلامية، ولا باللجان التي لا تظهر نتائجها، بل بإجراءات فورية وحاسمة، حتى مع كل من يتعامل مع العدو، وتثبت أنَّ القطع معه ليس مجرد شعار، بل سياسة تنفّذ على كل المستويات: الدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية. السودان لا يحتاج إلى مزيد من التسويف، بل إلى قرارات جريئة، تترجم الكلام إلى أفعال قبل أن نكون وقوداً لترددنا، ونُحصَد كحصاد الهزيمة، برصاصة دفعنا ثمنها ولم نجرؤ على تفاديها.
شارك المقال