كمال الدين محمد السيد: «جهينة» لم تكن مشروعاً عابراً وإنما وسيلة لتعزيز الوعي الإعلامي

5
johaina

لندن - «فويس)

في عصر التدفق المعلوماتي السريع والمستمر، أصبحت الشائعات والأخبار الكاذبة تهديداً حقيقياً يؤثر على استقرار المجتمعات وثقة الأفراد بمصادر المعلومات. مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الاعتماد عليها كمصدر رئيسي للأخبار، برزت الحاجة إلى منصات موثوقة تعمل على تصحيح المعلومات وتفنيد الشائعات. 

من هذا المنطلق، تأتي منصة «جهينة» كإحدى المبادرات الرائدة في مجال محاربة الأخبار الكاذبة، حيث تسعى إلى تعزيز الشفافية وترسيخ ثقافة التحقق من المعلومات قبل نشرها. تهدف جهينة إلى توفير بيئة إعلامية أكثر موثوقية، مما يسهم في بناء مجتمع واعٍ وقادر على التمييز بين الحقيقة والزيف. 

إذ أنها منصة مستقلة لا تنتمي إلى أية جهة أو كيان أو حزب سياسي أو ديني أو جهوي أو قبلي .. تسعى إلى البحث عن الحقيقة وإظهارها ومحاربة الأكاذيب والشائعات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت. وهي بذلك تقدم خدمات جليلة للمجتمع ككل.

في هذا الحوار،  الذي التقينا فيه الأستاذ كمال الدين محمد السيد، عضو فريق جهينة، سنتعرف عن كثب على دور منصة جهينة في مكافحة الشائعات، وآليات عملها، وأثرها على المجتمع.

فإلى الحوار..

• كيف بدأت جهينة؟

– بدأت «جهينة» كفكرة قبل أن تتحول إلى منصة فعلية لمحاربة الشائعات والأخبار الكاذبة. كانت البداية تحديداً في فبراير 2016، عندما أطلقنا صفحة على «فيسبوك» مخصصة للتصدي للأخبار المفبركة والشائعات التي كانت تنتشر بسرعة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي. لكن الفكرة نفسها كانت تراودنا قبل ذلك بفترة طويلة، نتيجة لملاحظتنا التأثير السلبي لهذه الأخبار على الأفراد والمجتمع ككل.

أحد الأحداث التي دفعتنا إلى اتخاذ هذه الخطوة كان خبراً انتشر بقوة على الفيسبوك في ذلك الوقت يقول إن فتاة سودانية تقيم في الإمارات العربية المتحدة عثرت على مبلغ 2 مليون درهم داخل حقيبة في موقف للسيارات. وبحسب الخبر، قامت الفتاة بتسليم الحقيبة إلى قسم الشرطة في دبي، مما دفع شرطة دبي إلى تكريمها والإشادة بأمانتها، إلى جانب إهدائها سيارة «بي إم دبليو» موديل السنة. الخبر كان مصحوباً بصورة لفتاة سمراء تقف بين عدد من أفراد الشرطة الإماراتية، مما جعله يبدو حقيقياً ومُقنعاً للكثيرين.

لكن الفضول دفعنا إلى التحقق من صحة هذا الخبر باستخدام خاصية البحث العكسي عن الصور. وكانت المفاجأة أن القصة مفبركة تماماً، والصورة مأخوذة من الصفحة الرسمية لشرطة دبي على الفيسبوك. الصورة الأصلية كانت تعود إلى مناسبة مختلفة تماماً، حيث ظهرت فيها الأستاذة مريم الرصاصي، مدير الإدارة المالية في موانئ دبي العالمية، أثناء توقيعها اتفاقية تعاون بين موانئ دبي وشرطة دبي. لم يكن للخبر أي علاقة بالفتاة أو القصة المتداولة.

هذه الحادثة كانت نقطة تحول بالنسبة لنا. أدركنا أن هناك من يستغل ملامح الأشخاص أو سياق الصور للترويج لأخبار مفبركة تخدع الناس بسهولة. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء منصة متخصصة هدفها كشف الحقائق، والتعامل مع مثل هذه الشائعات بأسلوب علمي ومنهجي. أردنا أن نكون جزءاً من الحل وأن نساهم في تعزيز وعي المجتمع بخطورة الأخبار الكاذبة وتأثيرها السلبي.

«جهينة» لم تكن مجرد مشروع عابر، وإنما كانت استجابة لحاجة حقيقية في وقت أصبح فيه التضليل الإعلامي والشائعات مشكلة عالمية. ومع مرور الوقت، تطورت المنصة من صفحة على «فيسبوك» إلى مصدر موثوق يلجأ إليه الناس للتحقق من الأخبار والمعلومات.

• لماذا تم اختيار الاسم جهينة؟

– تم اقتباس اسم «جهينة» من المثل العربي الشهير (وعند جهينة الخبر اليقين)، وقصته أن رجلين أحدهما من قبيلة جهينة واسمه الأخنس بن كعب، والآخر يدعى حصين بن عمرو من قبيلة أخرى، اتفقا على سلب من يلتقيان به. فلقيا رجلاً من بني لخم معه طعام وشراب فدعاهما وأكرمهما، ولكن بعد أن أكلا وشربا غدر حصين بالرجل وقتله، فلامه الجهني وعاتبه على ذلك، وأخذ كل منهما يتربص بالآخر حتى استطاع الأخنس أن يقتل صاحبه ليستولي على كل المال. ومرت الأيام، وكانت أخت حصين وتدعى (صخرة) تبحث عنه وتسأل الناس عنه. حينها نظم الأخنس بن كعب الجهني أبياتاً يعترف فيها بقتل حصين، ويقول: 

كصخرةَ إذ تُسائل في مراحٍ * وفي لخم وعِلمهما ظنونُ

تُسائل عن حُصَيْنٍ كل رَكْبٍ * وعند جهينةَ الخبرُ اليقينُ

ما التحديات التي واجهتها «جهينة» حينما انطلقت؟

– في الواقع لم تكن هناك تحديات تذكر عندما بدأنا جهينة، وذلك لعدم وجود ضغط في العمل في ذلك الوقت، حيث أن الشائعات لم تكن كثيرة كما هي في الوقت الحالي. كنا نكتب ونتحقق من شائعة واحدة أو اثنتين فقط كل شهر تقريباً. 

• ما رؤيتكم عندما بداية العمل، وهل تطورت الفكرة الآن؟

– عندما بدأنا في فبراير 2016، كانت رؤيتنا بسيطة ومتواضعة للغاية، لم يكن لدينا تصور بأن «جهينة» ستصبح أكثر من مجرد صفحة على الفيسبوك. كنا نهدف فقط إلى التصدي للشائعات والأخبار الكاذبة التي كانت تنتشر بسرعة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن نتوقع أن تتطور الفكرة إلى ما أصبحت عليه الآن.

ومع مرور الوقت بدأت الأمور تتغير ولاحظنا تزايداً ملحوظاً في عدد المتابعين على صفحة الفيسبوك، وبدأ الجمهور يتفاعل معنا بشكل أكبر ويعتمد علينا كمصدر موثوق للحصول على المعلومات الصحيحة. هذا الاهتمام المتزايد كان بمثابة دافع كبير لنا لتطوير الفكرة. لذلك قررنا توسيع نطاق عملنا وتحويل «جهينة» من مجرد صفحة على الفيسبوك إلى منصة أكبر وأكثر شمولاً. قمنا بإطلاق موقع إلكتروني رسمي على شبكة الإنترنت ليكون بمثابة أرشيف دائم ومرجع موثوق لكل من يبحث عن الحقائق وتصحيح الأخبار الكاذبة. أصبح الموقع يوفر محتوى أكثر تنوعاً وشمولاً، مع أقسام متخصصة للتحقق من الأخبار، وتقديم نصائح للجمهور حول كيفية التحقق من المعلومات بأنفسهم.

ثم خطونا خطوة إضافية بإطلاق تطبيق «جهينة» للهواتف الذكية. كان الهدف من التطبيق هو جعل الوصول إلى الحقائق أسهل وأسرع للجمهور. التطبيق يوفر تجربة مريحة ومباشرة للمستخدمين، حيث يمكنهم تصفح الأخبار المفندة، والتواصل مع فريق جهينة.

• كيف ترون وضع «جهينة» الآن بعد الانتشار الواسع لها في أوساط السودانيين؟

– إن الانتشار الواسع الذي حققته «جهينة» في أوساط السودانيين يُعد إنجازاً كبيراً ومصدر فخر لنا كفريق عمل. لكن في الوقت نفسه، هذا الانتشار ألقى على عاتقنا مسؤولية أكبر وعبئاً إضافياً يتمثل في ضرورة الالتزام بأعلى معايير الدقة والمصداقية في كل ما نقدمه. لقد أصبحنا ندرك جيداً أن هناك شريحة واسعة من الناس تعتمد على «جهينة» للحصول على المعلومة الصحيحة وسط هذا الكم الهائل من المعلومات المتدفقة يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

• ما الأسباب التي كانت وراء نجاحكم؟ 

– نجاح «جهينة» لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لمجموعة من العوامل الأساسية التي شكلت نهجنا منذ البداية. يمكن تلخيص أسباب نجاحنا في العمل الاحترافي والسرعة دون التسرّع وتحرّي الدقة والمصداقية وإبراز الأدلة والتفاعل مع الجمهور والالتزام بالحياد.

• ما الخطوات الرئيسية التي اتخذتها لإنشاء منصة جهينة؟ 

– كما ذكرت آنفاً كانت البداية بصفحة متواضعة في الفيسبوك ننشر وندحض فيها ما يقع بين أيدينا من معلومات مغلوطة متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي كانت في الغالب توضيح لأخبار عامة أو مقاطع فيديو مبتورة تستخدم خارج سياقها لتوصيل معلومة خاطئة.

• ما الاتهامات أو الانتقادات التي توجه إلى جهينة؟ وكيف تتصدون لها؟

– معلوم أن الحقيقة موجعة، وأن لا أحد يريد أن نكشف التضليل الذي يمارسه، لذلك الاتهامات كثيرة، مثلاً في الحرب الدائرة حالياً في السودان أحياناً نتهم بأننا نعمل لصالح جهة ما، وأحياناً نتهم بأننا نتعمد التأخير في دحض بعض الشائعات لمصلحة بعض الجهات، وأحياناً عندما نسارع في دحض شائعة ما يقال لنا إن هذه الشائعة لم نسمع بها إلا من جهينة، أو يقال إننا نحن من نفبرك ونطلق هذه الشائعات.

لكننا في «جهينة» نعتبر أن هذه الاتهامات دليل على أهمية العمل الذي نقوم به، فهي تعكس مدى تأثيرنا في كشف الحقيقة وفضح التضليل. طبيعي أن تكون هناك انتقادات، وأي عمل جاد لابد أن يواجه بالنقد والاتهام، خصوصاً من الأفراد أو الجهات التي تتضرر من فضح الأكاذيب التي تطلقها أو تلك التي تصب في صالحها. وهذه الانتقادات تدفعنا إلى مزيد من الدقة والحيادية في عملنا، وعدم التسرع في الحكم على صحة الأخبار أو نفيها. نؤمن أن المصداقية والشفافية هما حجر الزاوية في عملنا، لذلك نلتزم بتقديم أدلة دامغة وواضحة لكل ما ننشره، ونتجنب الدخول في أي صراعات أو جدل سياسي أو شخصي. إضافة إلى ذلك، نسعى جاهدين إلى بناء علاقة ثقة مع جمهورنا، من خلال توضيح آليات العمل لدينا بشكل مستمر، مثل: كيف نتحقق من صحة الأخبار، ومن أين نحصل على المعلومات، ولماذا قد يستغرق الأمر وقتاً لتأكيد أو نفي بعض الادعاءات. إن ردود أفعال الجمهور والانتقادات التي نتلقاها لا تثنينا عن مواصلة العمل، بل تجعلنا أكثر التزاماً بتحقيق رسالتنا في بناء مجتمع واعٍ وقادر على التمييز بين الحقيقة والزيف. نحن نرى في هذه التحديات فرصة لتحسين الأداء وتعزيز أدوات التحقق، مما يرسخ مكانة «جهينة» كمرجع موثوق ومستقل في محاربة الشائعات.

• ما معايير نجاح منصة جهينة؟ وكيف تحقق التوسع والنمو؟ 

– من أكبر معايير نجاح «جهينة» هو مساهمتها في بناء مجتمع رقمي واعٍ، حيث يصبح الجمهور أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل، مما يؤدي إلى الحد من التأثير السلبي للشائعات على المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تسلط المنصة الضوء على أهمية الصحافة المسؤولة، وتدعو إلى الاعتماد على المصادر الموثوقة ذات المصداقية.

وفي نهاية المطاف «جهينة» ليست فقط منصة للتحقق من الأخبار، بل هي حركة تهدف إلى إرساء ثقافة إعلامية مستدامة تحمي الأفراد والمجتمعات من التضليل الإعلامي. 

كما أنها ليست مجرد أداة للكشف عن الأخبار الكاذبة والشائعات، بل هي أيضاً وسيلة لتعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور. من خلال تقديم تقارير موثوقة وحقائق مدعومة بالمصادر، تسعى المنصة إلى تعليم الأفراد كيفية التحقق من المعلومات بأنفسهم، وتشجيعهم على ممارسة التفكير النقدي عند التعامل مع الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت.

• ما استراتيجيات العمل الناجح؟ 

– الحياد والسرعة مع عدم التسرع هما من أهم أعمدة استراتيجيتنا في العمل، حيث نلتزم بالحفاظ على الموضوعية الكاملة بغض النظر عن الجهة التي أطلقت الشائعة أو الجهة التي قد تستفيد منها. ومع ذلك، لدينا مجموعة من الاستراتيجيات الإضافية التي تضمن نجاح عملنا في محاربة الشائعات والأخبار الكاذبة، ومنها الدقة والشفافية والسرعة في تقديم الحقائق أمر ضروري لتقليل انتشار الشائعة، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب الدقة. نأخذ الوقت اللازم للتحقق الكامل قبل إصدار أي بيان أو تقرير. ومنها أيضاً التواصل الفعّال مع الجمهور، والحفاظ على الحيادية التامة، وعدم الانحياز لأي طرف أو جهة بل نركز فقط على كشف الحقيقة مما يجعلنا مصدراً موثوقاً للجميع.

• كيف تستفيد «جهينة» من التكنولوجيا لتحسين الخدمات؟

– اتجهنا في الفترة الأخيرة إلى الاستعانة بأحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور ومقاطع الفيديو والكشف عن التزييف الرقمي، مما يساعدنا في التعامل مع الشائعات التي تُصنع بطرق معقدة. 

• كيف تدير فريق العمل؟

– فريق العمل يعمل بتناغم كامل رغم عدم تواجدهم معاً في مكان واحد، حيث نعتمد بشكل أساسي على استخدام  تطبيقات الدردشة ومنصات الاتصال الرقمية لتنسيق العمل وتسهيل التعاون. 

لكن لضمان تحقيق الكفاءة والجودة العالية في الأداء، نتبع مجموعة من المبادئ والاستراتيجيات لإدارة الفريق منها تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح والاجتماعات الدورية عبر الإنترنت والتواصل المستمر والمرونة في العمل والمتابعة والتقييم. ورغم العمل عن بُعد، فإن هذه الاستراتيجيات تجعل الفريق يعمل بتناغم وكفاءة مما يضمن تحقيق أهداف المنصة في كشف الحقيقة ومحاربة الشائعات بشكل فعال.

• ما أبرز الشائعات التي تناولتها منصة جهينة؟ 

– تناولت منصة «جهينة» العديد من الشائعات المؤثرة، حيث ركزت على التحقق من معلومات وأحداث أثارت جدلاً واسعاً وأحدثت بلبلة في الأوساط العامة. من أبرز الشائعات التي تعاملنا معها شائعة مقتل قائد مليشيا الدعم السريع، حيث قمنا بالتحقق من صحة جميع مقاطع الفيديو التي ظهر فيها قائد المليشيا مما أدى إلى نفي الشائعات التي تحدثت عن موته أو مقتله.

هذا بالإضافة إلى أننا تعاملنا مع العديد من التصريحات الكاذبة والمقالات المفبركة التي نُسبت إلى شخصيات عامة وسياسية، وقمنا بتوضيح حقيقتها ونفي ارتباطها بالأشخاص الذين زُعِمَ أنهم أدلوا بها. كما أننا تعاملنا مع العديد من مقاطع الفيديو والصور التي تم تعديلها أو بترها لتقديم محتوى مضلل، وكشفنا بالأدلة التلاعب الذي تم بها.  

• كيف تحفز الفريق؟

– الفريق كله يعمل متطوعاً وبلا أي مقابل مادي، لكننا نؤمن بأن الدافع الحقيقي وراء عملنا هو الإيمان برسالتنا في محاربة الشائعات ونشر الحقيقة. التحفيز الأساسي الذي يدفعنا للاستمرار يتمثل في ردود الفعل الإيجابية ورسائل التشجيع التي تصلنا من الجمهور، حيث نشعر بالفخر عندما ندرك تأثير عملنا في توعية الناس وحماية المجتمع من التضليل. 

• كيف حصلتم على التمويل؟

– في الواقع، لا يوجد تمويل بالمعنى التقليدي الذي يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن منصة توعوية. نحن في فريق «جهينة» نعمل بشكل تطوعي تماماً، من دون أي رواتب أو عائدات مالية، لأن هدفنا الأول والأساسي هو خدمة المجتمع ومحاربة الشائعات والأخبار الكاذبة التي تؤثر سلباً على الأفراد والمجتمعات. ما يميز عملنا هو أننا نعتمد على نموذج عمل بسيط وغير مكلف. نعمل جميعاً عن بعد، مما يعني أننا لا نحتاج إلى مكتب فعلي أو مكان مخصص للعمل، وبالتالي لا نتحمل أي تكاليف للإيجار أو المعدات المكتبية. كل ما نحتاجه هو أجهزة الحاسوب أو الهواتف التي نملكها بالفعل، بالإضافة إلى اتصال بالإنترنت.

أما بالنسبة للوقت، فإننا جميعاً نخصص جزءاً من وقت فراغنا للعمل في جهينة، وهو ما نعتبره مساهمة شخصية ومسؤولية اجتماعية منا تجاه المجتمع. كل فرد في الفريق يأتي بخبراته ومهاراته، سواء في التحقق من المعلومات، أو الكتابة، أو التصميم، أو إدارة الموقع. بفضل هذا التعاون والعمل الجماعي، نتمكن من الحفاظ على استمرارية الموقع من دون الحاجة إلى تمويل خارجي أو تكاليف إضافية.

• هل تفكرون في نشر ثقافة التحقق والتقصي أو دعم لوسائل الإعلام السودانية والصحف والمواقع السودانية من خلال تأهيل الصحفيين والعاملين في هذا المجال؟

– بالتأكيد، نشر ثقافة التحقق والتقصي هو جزء أساسي من رؤيتنا ورسالتنا في «جهينة». نحن لا نهدف فقط إلى محاربة الشائعات أو كشف الأخبار الكاذبة، بل نطمح أيضاً إلى أن نكون مصدر إلهام للآخرين وأن نساهم في بناء مجتمع أكثر وعياً وقدرة على التعامل مع تدفق المعلومات بشكل نقدي ومدروس.

لقد بدأنا بالفعل خطوات مهمة في هذا الاتجاه. على منصة «جهينة»، نشرنا العديد من المقالات التي تتناول خطر الشائعات وتأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمعات. كما قمنا بشرح تفصيلي لكيفية التحقق من مصداقية الصور ومقاطع الفيديو باستخدام أدوات مثل البحث العكسي للصور على محركات البحث، وتقنيات تحليل المحتوى. هذه المقالات نُشرت تحت وسم #كن-جهينة، وهو دعوة مفتوحة للجمهور ليصبح كل فرد منهم شريكاً في محاربة الأخبار الزائفة، وليتعلم مهارات التحقق بنفسه.

وقد وجدت هذه المقالات صدى طيباً لدى الجمهور، وهو ما لمسناه من خلال عدد كبير من الرسائل التي وصلتنا. هذه الرسائل لم تقتصر على الإشادة بالمحتوى، بل تضمنت أيضاً طلبات لمزيد من المقالات والتوضيحات، ما يدل على تعطش المجتمع السوداني لفهم آليات التحقق والتقصي.

• كل وسيلة أو خدمة إعلامية تدعي الحياد في أجندتها، وما تقدمه يتفق معها البعض أو يختلف. فهل لدى المنصة أي اتجاه أو ميول خفية تؤثر على أدائها، بنفي بعض الأخبار وإهمال الأخرى؟

– نحن نؤكد أنه ليس لدينا أي توجهات أو ميول خفية تتحكم فيما نقوم بالتحقيق فيه أو تؤثر على أداء عملنا. عملنا يعتمد بالكامل على الحياد والالتزام بالمصداقية، حيث نهدف إلى كشف الحقائق بغض النظر عن الطرف الذي قد يتأثر بها أو الطرف الذي أطلق الشائعة. 

ومع ذلك، فإن طبيعة العمل الإعلامي لا تخلو من الانتقاد. هناك بالفعل أخبار كاذبة أو تصريحات مفبركة لا نتناولها أحياناً، ولكن هذا ليس بسبب أي انحياز أو إهمال متعمد، بل لأننا نركز فقط على الشائعات التي تنتشر على نطاق واسع وتجد رواجاً كبيراً بين الجمهور. أما الشائعات الصغيرة أو الأخبار التي لا تحقق مستوى الانتشار الذي يمكن أن يؤثر على الرأي العام، قد لا تكون ضمن أولوياتنا.  

الغريب في الأمر أن الاتهامات تأتي إلينا من جميع الأطراف ومن مختلف الجهات، حيث يتهمنا البعض بالتحيز عندما ننفي شائعة تمس طرفاً معيناً، بينما يتهمنا آخرون بالانحياز عند إهمال شائعات أخرى. في رأينا، هذا الانتقاد المتوازن من جميع الأطراف هو دليل على أننا نسير على المسار الصحيح، وأننا نعمل بحيادية تامة بعيداً عن أي أجندات أو ميول.  

• هل خدمة التقصي والتحقق تجد الاهتمام اللازم في كليات الإعلام والصحافة والجامعات السودانية كمادة أساسية؟ أم أنها لا تأخذ حقها في التطوير وتسليط الضوء عليها؟

– في السودان، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، بدأت أهمية خدمات التقصي والتحقق (Fact-Checking) تلقى اهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة، خاصة مع انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت. ومع ذلك، لا يزال هذا المجال بحاجة إلى مزيد من التطوير والتركيز في كليات الإعلام والصحافة والجامعات السودانية.

• ظاهرة انتشار الاخبار الكاذبة والإشاعات عبر السوشيال ميديا .. إلى ماذا تعزي ذلك؟

– ظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) تعتبر واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات في العصر الرقمي. هناك عدة عوامل تساهم في تفشي هذه الظاهرة، ويمكن إرجاعها إلى سهولة النشر وغياب الرقابة الفعالة وانعدام الحواجز بحيث أصبح أي شخص قادراً على نشر المحتوى دون الحاجة إلى وسيط أو جهة رقابية، مما يسمح بانتشار المعلومات دون التحقق من صحتها. وهناك أيضاَ ميل لدى بعض الناس إلى الإثارة من خلال الأخبار الكاذبة غالباً ما تكون مثيرة أو عاطفية، مما يجعلها تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية.

كما أن للحرب الدائرة حالياً في السودان تأثير واضح في زيادة انتشار الشائعات حيث تستخدم الأخبار الكاذبة كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، مثل تشويه سمعة الخصوم أو رفع معنويات المتحاربين.

• ما هي آليات التحقق من الأخبار المتدفقة عبر السوشيال ميديا والإعلام الرقمي من وجهة نظركم؟

– لابد من أخذ كل المعلومات بحذر سواء كانت خبراً أو صورة أو مقطع فيديو خاصة الغريب منها والتحقق منها بواسطة محركات البحث للتأكد من صحتها. 

وهناك عدة آليات وأدوات يمكن استخدامها للتحقق من صحة المعلومات، سواء كانت نصوصاً أو صوراً أو مقاطع فيديو، مثل استخدام محركات البحث للتحقق من الأخبار واستخدام خاصية البحث العكسي للبحث عن الصور ومقاطع الفيديو.

• هل هناك أدوات أو إضافات يمكننا تثبيتها على متصفحات الويب للقيام بعمليات التدقيق والفحص وفلترة الأخبار .. وهل تنصح بتثبيتها؟ 

– نعم هناك العديد من الأدوات والإضافات التي يمكن تثبيتها على متصفحات الويب لتسهيل عمليات التدقيق والفحص وفلترة الأخبار. هذه الأدوات تساعد في التحقق من صحة المعلومات، وتحليل الصور والفيديوهات، وتقييم مصداقية المصادر. مثل إضافة عدسة قوقل وإضافة InVid وإضافة Reverse Image Search التي ينصح بتثبيتها في المتصفح للتحقق بسرعة من مصادر الصور.

• هناك خدمات لتقصي الحقيقة من وكالات ومواقع عالمية وعربية مثل رويترز، وميزان فرانس برس، اين تجدون منصتكم كمنافسين نظراً لفارق الإمكانات؟

– الفرق هائل في الإمكانات والموارد. فهذه الوكالات العالمية تمتلك ميزانيات ضخمة تسمح لها بتوظيف فرق عمل متخصصة، واستخدام تقنيات متطورة، وتغطية تكاليف التحقيقات الميدانية، كما أنها تعتمد على خبراء متفرغين وفرق عمل متفرغة تماماً للتحقق من المعلومات، بما في ذلك صحفيين استقصائيين، ومحللين تقنيين، وخبراء في مجالات متعددة، في حين أن منصة «جهينة» كما ذكرت لك تعتمد على فريق عمل محدود وغير متفرغ ويعمل بموارد محدودة ووقت أقل مقارنة بالوكالات العالمية.

• هل تتواصلون مع الأطراف المعنية للتحقق من الشائعات والأخبار الكاذبة؟ أم تكتفون بالتقنية وآليات التحقق لديكم؟

– نعم نحن في كثير من الأحيان نتواصل مع الأطراف والجهات المعنية عن طريق الهاتف أو الحسابات الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك للحصول على ردود سريعة وللتأكد من صحة الأخبار المتعلقة بها خاصة إذا كان الخبر يتعلق ببيانات أو تصريحات رسمية.

 • نلاحظ أن بعض من وسائل الإعلام والصحافة تقع ضحية التسرع في نشر الأخبار.. ما هي نصيحتكم؟

– الصحفي الناجح هو الذي يمتلك الحس النقدي والقدرة على التحقق التي تمنعه من الوقوع في فخ المعلومات المضللة أو الأخبار الكاذبة. لذلك قبل أن يشرع الصحفي في كتابة خبر أو مقال ما عليه أن يتأنى ويتأكد من صحة جميع التفاصيل المتعلقة به.

• ما هي أكثر جهة تبث الأخبار الكاذبة من خلال تجربتكم؟

– لاحظنا في الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في وتيرة الشائعات وكمية الأخبار المضللة من طرفي الحرب في السودان، وذلك لأن الشائعات أصبحت تستخدم كسلاح وأداة من أدوات الحرب النفسية للتأثير على معنويات الطرف الآخر أو لكسب تأييد المدنيين، أو لتوجيه الرأي العام لصالحها.

• ما أهمية وجود وحدة الرصد والتحقق في كل وسيلة إعلامية سودانية على وجه الخصوص؟

– في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الإعلام اليوم، خاصة مع الانتشار الواسع للشائعات والأخبار المفبركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد يبدو وجود وحدة مخصصة للرصد والتحقق في كل وسيلة إعلامية أمراً ضرورياً. 

ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تمتلك كل صحيفة أو قناة فضائية وحدة مستقلة للتحقق، بل يكمن الحل في تعزيز ثقافة التحقق داخل المؤسسة الإعلامية بأكملها، حيث يصبح التثبت من الأخبار جزءاً لا يتجزأ من عملية العمل الصحفي. 

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *