• بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، امتلأت الوسائط بالحديث عن المناسبة وتهنئة حملة مشاعل العلم بيومهم العالمي، ومن أجمل اللحظات التي يعيشها المعلم الاحتفاء به والمكانة التي يجدها بين الناس، وعند التقاء المعلم بطلابه بعد أعوام من تخرجهم وهم في مواقع متفرقة، تغمره السعادة، ويتملكه الشعور بالرضا، كيف لا وقد اطمأن إلى أن جهده لم يضع سدى، وأن عمره الذي أفناه في سوح العلم آتى أكله.
إن المعلم الذي يخلص لهذه المهنة يرى نفسه في كل طالب درس على يديه، فنجاحهم هو ما سعى إليه وسهر الليالي من أجله، فإذا كان الوالد يفخر بنجاح أبنائه، ويعدّ نفسه قد نجح في أداء رسالته على الوجه الأكمل، فكيف بمن يرفد المجتمع كل عام بالمئات من الطاقات الشبابية المتسلحة بالعلم، الذين نرجو أن تكون رفعة هذه البلاد وتطورها على أيديهم، فهم قدر التحدي وأهلٌ لذلك.
في وجه آخر للموضوع، فكما أن مقابلة هؤلاء الطلاب بعد مرور هذه السنوات، تسعدني أيما سعادة، لكنها تلفت انتباهي إلى تسرب الأعوام من بين يديّ، خصوصاً أن هذه الأجيال تظهر عليها آثار الشيخوخة في بواكير العمر، فقد يأتي شخص نحوي مندفعاً باسطاً يده ليصافحني، وهو إما أبيض الشعر وإما أصلع الرأس. ويأتي آخر وهو يتوكأ على عصا، وثالث ينظر إليّ من خلف عدسات كأنها (قعر كباية). فأبدأ في إعادة شريط الذكريات للتعرف عليه، حتى يفاجئني بقوله: يا أستاذ أنت درستني، ويذكر لي المدرسة والسنوات، فليس أمامي سوى الاعتراف، لكن يصيبني الهم، فإذا كان هذا حال من درستهم فكيف أكون؟ لذلك يطول الوقوف أمام المرآة للتأكد من أنني ما زلت شاباً.
خاتمة
في مناسبة قابلت عدداً من طلابي الذين أعتز بهم، فمنهم من جاءني وحده، ومنهم من جاء معه والده أو أخوه، وكانت لحظات لا تنسى، استعدنا خلالها الذكريات، وزادت فرحتي بأنَّ كل واحد منهم قد تبوأ مكانة مرموقة، وصار علماً في المجال الذي سلكه. وأنا في هذا الجو الاحتفائي إذا بشخص يلقي عليّ السلام، فسألته: أنا درست أحد أولادك؟ فكانت الإجابة التي نزلت عليَّ كالصاعقة: أنت درستني أنا يا أستاذ.
يا رجل تذكر لعلك نسيت، قل إننا زملاء، أو أبناء دفعة. لكنه أصر على أنه أحد طلابي، وأخبرني باسمه الذي أتذكره جيداً. ومن يومها وأنا أقف كثيراً أمام المرآة وأسألها: هل هذا أحد طلابي؟ وأنتظر الردّ، مردداً أغنية (كلميني يا مراية).