قصيدة جديدة: الراوي الأخير في مناطحة الماعز 

60
دخيل الخليفة

شعر: دخيل الخليفة - الكويت

 

 (إلى نصار الصادق الحاج)

أيتها الرمالُ السُّمرُ، والسماءُ المثقّبةُ بالدخان.

يا سحرَ القلوبِ المعذَّبةِ بالبياضِ واللغةِ الطريّةِ،

خذي أكبادَنا ليستريحَ عبيدُ الكلام المُجوّفِ،

سادةُ الأسوارِ العاليةِ واللهجةِ المكسّرة،

عابرو الحدود، جُباة الوهمِ في أبجديةِ الخسائرِ الأبدية.

خذي الدمَ والطيبةَ، ليرسموا الخرائطَ المزوَّرةَ على أبوابنا

ما الذي سيذبحُه الفقراءُ الطيبونَ ليخدموا الغيومَ المتجهمةَ والأنيابَ الحُمْر

غيرَ أطفالِ فرحتهِم اليابسة؟

نسائهم المدعوكاتِ بعنبرِ الجوع

كهولهِم المسروقينَ من المسرّاتِ الحزينة

قدّمينا هدايا للعيونِ المنتفخةِ أيتها الرمالُ السمر

قصعةً لصدإ الريح المسعورةِ 

شيّدي من أحزانِنا قصوراً في مدنِ القصدير

يحقُّ لهم تحنيطَنا ـ نحن الشفّافين جداًـ

افتراسَ كركراتِنا البريئةِ في ظهيرةِ الشاي

سرقةَ ما تبقَّى من محاصيل الحُبّ والبياضِ،

فقط لتهنأ أحذيةُ الأشكنازِ على الساحل الطويل.

آكلو الانتفاضةِ البيضاء، سفاحو مدنِ الأشباح، الغارقون بوهمِ التاريخِ واللغةِ الميّتة، متمرّدو اللونِ المرقّط، أصحابُ المخالبِ الشفافةِ الطويلة، أثرياءُ الأبراجِ العالية، سارقو النيازكِ من مهدِها، شياطينُ حربِ الغوريلا، تركوا توابيتَهم مكشوفةً في شوارع الزمنِ المعلَّب!

وسيرسمون ندمَهم على أبوابِ السلطنةِ الزرقاء.

ليقتلوا ظلالَنا إذن،

ربما سيعْثرونَ على مناجمِ أحلامِهم الصُّفْرِ في قلوبنا

على مزيدٍ من البياضِ في أرضِ الأرواح

لكنهم لن يُغادروا مملكةَ «كوش» فرحينَ بالغنائم

لكلِّ أرضٍ حرّاسُها من النجوم. 

السماءُ تتسعُ، الأرضُ تضيق!

اتركوا الزمنَ يتَرمّلُ

لا تُزيلوا الملْحَفةَ عن جسدِ الحنْطةِ، 

قبلَ عامٍ تسرّبتْ للزارِِ لتتطهَّرَ من لعنةِ الريحِ الحمراء

كانت تتمايلُ في رقصةِ إلهِ الخصوبةِ بعدما ارتقَتْ بخورَ الطلْح؛

السمراءُ في النهار، البيضاءُ في الليل

 إنها عفّةُ الوقتِ الجريح.

هذه النارُ بوابةٌ لالتهامِ الضوءِ المخبوءِ، تسويرِ الموانئ المفتوحةِ، قَطْعِ الأصواتِ العاليةِ، تحييدِ الهواء، ثَقْبِ الرئةِ لتنزحَ الأشجارُ إلى خيامٍ مؤقّتة.

ثمّة رؤوسٌ مشتعلةٌ،

جماجمُ معبّأةٌ بالهواء.

الأرضُ رماد، وهذا الأزيزُ غريب! 

الخارطةُ تنكمشُ

حرّاسُها يتباعدون

اللغةُ تموتُ

الهواءُ يتعفّن!

هناكَ من يبتلعُ طرفَ الخارطةِ وسَط غفلةِ اللهو.

حكايةٌ منسيةٌ أرضُ المناجمِ النائمة 

إنها تتحزّمُ بالصمْغ 

تغتسلُ بالذهبِ والفضةِ وتنامُ على العقيقِ والزّنْك

بينما أهلُها يمْضغون السعُوط 

يشربون «العَرْديب» 

يتَزيّنون بـ «الشُّلُوخ» وينامونَ بلا موعد

 كلُّ من أضاءوا «نوباتيا» لم يفْتَحوا نافذةً للشمس؛

باتَ الغدُ غباراً!

من سيكونُ الراوي الأخيرَ في مناطحةِ الماعز، في احتضارِ الطواويسِ على المسرحِ المستباح؟ من سيكتبُ وصيةَ الأرضِ على أشلاء السنابلِ في حفلةِ النار؟ أيةُ أسئلةٍ ستلْبدُ في الهامشِ لتنطِقَ في نهايةِ المتاهة؟ 

سيمتلئُ الهشيمُ بالغائبين!

يأخذُ السديمُ مساحةً حُبلى بالأكفانِ والفخاخِ وضجيجِ كهنةِ الوقتِ الضائع!

فرعونُ ينبشُ المقابرَ بحثاً عن البلّور؛ الورودُ تتَخطّفها أقفاصٌ مستعارةٌ؛ جثةٌ تصرخُ: «يا كهوفَ الأبجديةِ لمَ كلُّ هذه الكوابيس؟» صدىً يترددُ: «أضاعوني وأي فتى..» 

النيلُ الأحمرُ يتخثّرُ بلا حراسٍ في مهبّ اللعبة!

الراوي انتحرَ على بقايا جثة!

ربما للنص بقية..!

 

شارك القصيدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *