أيّها الطفل السوداني،
أنتَ النسيان الذي تلده الصحراء،
حيث لا يرسمك التاريخ إلّا كظلّ باهت،
ككائن بلا وجع
في عينيكَ يتوهّج الغبار،
يحكي عن قصص بلا صدى،
عن أحلامٍ قُطعت تحت وقع البنادق،
وصورٍ لم تُعلّق على جدران الذاكرة العالميّة
أيّها الطفل السوداني،
أنتَ الخرقة الممزّقة في جسد العالم،
وصدى صمتٍ يتردّد تحت أقدام العواصم،
حيث تُطوى حكايتك بين صفحات لا تقرأ،
ويُحكى عنك كأنّك سرٌ في الريح،
ذاهبٌ بلا أثر، بلا اسم، بلا وجع مسموع
أيّها الطفل،
أنتَ الرسالة المحجوبة خلف الضجيج،
النبض الذي لا يسمعه أحد،
والصورة التي تهتزّ بين أصابع التاريخ،
حين يُغلق العالم أبوابه،
ويُغلق القلب قبل العين،
كأنك ظلُّ نهرٍ جافٍ لا يسكن إلّا في الذكرى
أنتَ البركان المكبوت،
المحاصر في أعماق التعتيم،
وصوتك، الذي لا يصدح إلّا في بؤس الكلمة،
كأنّه صدى صرخة يبتلعها السكون
ويُعيد رسم الخريطة دونك
دون أن تُكتب أسماؤك على خارطة الدموع
أيّها الطفل السوداني،
أنتَ الغائبُ عن مأدبة الكُتّاب،
ذاك الذي لا يليق اسمه على صفحاتٍ ملطخة بالألقاب،
بين شعراء ينسجون من القوافي مآسي تُغنيها الريح،
ومفكرين يعزفون على أوتار الأمجاد القديمة،
فيما أنتَ هناك، تحت رماد النسيان،
كأنّك وليدُ خرابٍ لا يستحقّ روايةً،
ولا دمعةً تذرفها أقلامهم المصقولة بالكلام
يرمونك في قاع المجهول،
كطفل بلا نسبٍ ولا نسبٍ يُعتد به،
بين قبائل الخطاب العربي،
تجلس أنتَ وحيدا، بلا أثر،
بين من يتغنّون ببطولاتٍ منسيّة،
ويهمسون بأسماءٍ لا تحمل وزنك،
كأنّك نكرةٌ لا يليق بك صدى
أيّها الطفل السوداني،
هم يتقاسمون الكلمات،
ويغزلون الأمجاد في دوائر مغلقة،
ويرسمون التاريخ كما لو أنّه حكايةٌ من ألف ليلة،
وينسونك أنت،
ذاك الذي لا يُذكر إلّا حين ينسون أسماء من هم أقرب
هم يكتبون عن دمٍ مزخرف،
وعن جراحٍ مزيّنة،
أما دمك، فهو دُموعٌ بلا مفرّ،
وصمتٌ بلا صدى،
كأنّك ظلُّهم السري الذي لا يجرؤ أحد على البوح به
ألا يراها أحد؟
هذه الحرب
التي تأكل أطراف الطفل السوداني
كجوعٍ قديمٍ عاد بثياب جديدة،
كأنّ الخرابَ أمرٌ روتيني،
لا يستحقُّ البثّ العاجل،
ولا قصيدةً من شاعر يتلو شجنهُ على مسامع النخبة
ألا يسمعها أحد؟
هذه الحرب
هذا الصراخ المتقطّع بين جدران من طين،
وهذه الرصاصة التي عبرت سريره
دون أن تُدان في بيان أو تُرفَع لها رايةُ استنكار؟
أين العيون التي ترقُب العالم؟
أين القلوب التي تحفظ أسماء القتلى؟
أم أنّ الطفل السوداني
ولدَ خارج التغطية،
خارج العروبة القابلة للبثّ والمساءلة؟
السماء تنظر وتصمت،
والكُتّاب مشغولون ببلاغة الخراب في أمكنة أخرى،
الشعراء يكتبون عن دمٍ له نسب،
وعن موتٍ يُليق بالمنابر،
أما موته،
فهو عاديّ، شاحب، لا يحتملُ مجازًا،
كأنّه لا يصلح حتى ليكون استعارة
هذه الحرب،
مستمرّة كأنّها وظيفة حكوميّة،
تجدّد عقدها كلّ يوم،
ولا أحد يراها،
لأنّ الطفل السوداني
ليس مرئيّا بما يكفي،
ولا فادحًا بما يكفي،
ولا أبيض بما يكفي…
ليُصنّف خبرا
شارك القصيدة