

التجاني سعيد
• في البدء أقول أن الشاعر لا يختلف عن سائر الناس إلا بالتعبير وبغير ذلك (أعني بالتعبير ) فالناس متساوون ، فقد تجد من هو غير شاعر وأصدق وجدانا من الشاعر .. وقد تجد في الشعراء من هو أصدق وجدانا من غير الشاعر .. وأنا لا ادري هل جمعت بين الصفتين أم إنفردت بالتعبير وحده .
أقول هذا حتي لا يظن الناس أن مجرد كتابة أغنية تعطي إمتيازا للشاعر وتجعله تفضيلا من الآخرين … فالفتاة التي كانت مصدر الهامي في ( من غير ميعاد ) .. أحبها في ذات الوقت رجل آخر تبين لي فيما بعد أنه كان أصدق عاطفة مني وأشد تألقا فقد لفت إنتباهها إليه أكثر مني .. وفاز بها عن رضاها .. وهذا مؤشر لنجاحه وإخفاقي …
كانت هذه الفتاة جارتنا وكانت تكبرني بسنين قليلة ، وقد أحببتها ( جملة وتفصيلا ) أما هي لم تكن تعبأ بي ( جملة وتفصيلا ) وقد توددت إليها ببعض الأشعار … فكأنما كنت أقدم إليها ( معادلات رياضية ) أو عبارات هيروغلوفية وبذلت كل الجهد لتلتفت إلي .. فلم تفعل .. لقد كانت هزيمة لي بكل المقاييس ، وكانت هي القصة العاطفية الثانية التي أحتسي فيها مرارة الحرمان ، وفي اليوم الذي قدم فيه الراحل الأستاذ محمد وردي هذه الأغنية علي الهواء مباشرة .. كانت هذه الفتاة تشاهد التلفاز في بيتنا مع أسرتي .. فلما ذكر وردي إسمي قبل تقديم الأغنية إلتفتت إلي بدهشة شديدة وقالت لي : هل أنت المقصود ؟ قلت لها : طبعا ، فقالت لي : وفي من كتبت هذه الأغنية ؟ فقلت لها 🙁 في واحدة من جاراتنا ) …!فتبسمت ولم تزد علي ذلك ،وكانت هذه الإبتسامة هي كل ما نلته من قصة حب أرختها هذه الأغنية ….
شاع الخبر بعد ذلك أن التجاني كتب هذه الأغنية في ( فلانة ) فكنت أحس أنها راضية بهذا الأمر .. ولكنها في الوقت ذاته لم تبد أي مشاعر إيجابية نحوي .. فعلمت ساعتها أن الشاعر ولو كان النابغة الذبياني أو إبن الرومي أو المتنبي أو البحتري لا يمكن أن يستحوذ علي قلب فتاة بشعره .. ولو حدث ذلك فسيكون لإنسانيته فقط … ، والقصيدة كتبتها في زمن يسير وكنت وقتها في السنة النهائية بالثانوية .. وقد وصلت هذه الأغنية للأستاذ محمد وردي عن طريق الصحف .. فقد قام بنشرها والتقديم لها صديقي الأستاذ الشاعر محمد يوسف موسي ، وعندما وصلني خبر قبول الأستاذ وردي لهذه الأغنية لم أصدق .. ولذلك لم أسع لمقابلته ..أو التعرف عليه .. ولم يتم ذلك إلا بعد أن قدمها وفي أول لقاء بيننا وأول كلمة وجهها لي كانت ( لو كنت عارفك شافع ما كنت غنيت ليك ) …..
لهذه الاغنية وقع خاص في قلبي لأنها هي التي قدمتني للناس ، وبها إستطعت أن أجلس علي سرج واحد مع كبار شعراء وردي أمثال أسماعيل حسن والفيتوري وصلاح أحمد إبراهيم وبقية هذه الكوكبة الرائعة .
وفي أول لقاء بعد ظهور الأغنية مع الأستاذ الشاعر إسماعيل حسن عانقني بشدة وقال لي كلمات كلها تشجيع ودفع إلي الأمام .. فقد كان طيب النفس جميلا لأبعد الحدود ، وفي مرة ذهبت إلي نادي الفنانين ( سابقا ) لمقابلة الأستاذ وردي فوجدته جالسا مع دهاقنة الغناء السوداني الكاشف وأحمد المصطفي وصلاح بن البادية وقدمني لهم الأستاذ بقوله ( هذا شاعر أغنيتي الأخيرة ) فالتفت إلي الكاشف وقال ( ما شاء الله ..) وقال نحوها أحمد المصطفي والتفت إلي صلاح بن البادية وقال : ( بس ما تخلي وردي يحتكرك زي ما إحتكر إسماعيل حسن ) في إشارة منه للتعامل معه . لقد ظلت وستظل هذه الجلسة من أجمل ذكرياتي علي الإطلاق .. ولن تغادر ذاكرتي ما حييت .. والغريب أن هذه الأغنية كانت سببا في قصة حب فاشلة مع فتاة أخري تمخضت عنها أغنيتي الثانية ( قلت ارحل ) ..أما حكاية ( قلت ارحل ) فستروي لكم بعد وفاتي إن شاء الله.
شارك المقال