قراءة في رواية (لا ماء يرويها).. للروائية السورية د. نجاة عبدالصمد (2-2)
Admin 10 مايو، 2025 527

بقلم: زينب خوجة
كوردية من مدينة عامودا في سوريا - مدرسة مساعدة «لغة فرنسية»
• وكلما دقت أزاميل الحفريات في أرض البلاد طولاً وعرضاً ثقوباً كثيرة بحثاً عن حياة أقصد بحثاً عن الماء تذكرت بحث الذكور عن الدم وهم يدقون ذاك الاسفين عميقاً في جدارية الأنوثة وحصنها بحثاً عن الدم، مزيداً من الدم وخلف الباب يقف الجميع منتظراً بشرى الأحمر على خرقة بيضاء صك أمان الأنثى وعبورها إلى صف من يرتدين وسام العفة ،وأنا أتذكر عدم انزعاجي من غنمات أمي تمضغ الحنظل وتجتر القش ،التبن والقمح والشعير في الأرض في موسم الحصاد حين أنني كنت استشيط غضباً ونفس تلك الأغنام تنتهك حرمة الحديقة وتجتز وريقات على وشك النهوض بقاماتها، ووروداً قانية لاتزال في أول عهدها بالربيع فأتذكر خليل الذي كان يكبر حياة بأشواط قميئة وهو ينال منها المقتل تلك الوردة التي احبت ناصر الذي يبعد بيته عنها مسافة صبار زرعوه حداً بين البيتين. ويكرر خليل مافعله والدها مع أمها كي يحافظ الوأد على طقوس جنائزه بأساليب لبست مسميات أخرى ،ولتستمر المآتم السبعة في حياتنا نحن حياة رقم لاأدري كم ، لنتسمر في حضرتها. أولها أن يظل وجه الكل كظيماً يوم ولادتها ويوم حيضها،ويوم فض بكارتها،ويوم حملها بصاحب السمو او بصاحبة الوجع والى يوم مخاضها الذي يهتز له عرش الحياة الذي دون ان يعبء به اخ أو أب أو زوج أو ابن والفطام والترمل، ويوم مماتها،،

قلتَ لي: »أنتِ في عيني كهذي الخريطة«
وقلتَ لي: »صارتْ حزمةُ الخيبات فضفاضة أكثر من حزمة
الأحلام، وانتهينا إلى فراغ،«
قد أنضجك الزمن ولم يُنضجني، ما يزال خوفي وجُبني يسبقان
رغبة قلبي.
ناداني الحب بأقصى غوايته ولم أسافر معه. قد مرّ درس )ما بعد
الحب( على رؤوس نساء الأرض من قبلي، ومثلهن أنا، مرّ بي ولم
أتعلّم
للملح الذي يتركه الماضي مذاق الوجع،عندما يستحيل الإنسان إلى حكاية هو من يرويها ،تتراكم النعرات المبطنة المكتومة البوح، فتترجمها الأصابع الثابتة التي تصالحت مع مايجب أن تدسه في جيوب الكتب فقد تغلبت منذ بعض وقت طويل على الخوف الذي كمم الألسنة وهي باستمرار لا يكل تسمع شكوى الذاكرة تحث على الصراخ ،فكانت أنامل نجاة عبد الصمد وهي تحفظ عن ظهر حب وحنين تفاصيل الإنسان والأمكنة ولم تغادر تينك التفاصيل كما لو أنها تحمل ريشة رسام يتقن الفواصل بين الحكايا المعطوفة على بعضها ،فرسمت لنا بإبداع متقن حيثيات وطن اختارت منه مكاناً احتضن وجع صبية لم يكن لها من اسمها الا النصيب الاوفر فما الحياة سوى شخصية حياة بكل متناقضاتها العدل واللاعدل والحب والحق والعقوق والصبر والغضب والصمت المدجج بالأنين مسموعا دون جدوى والحظوظ التي وقعت من ثقب الأدراج فتلقفتها أكف المرابين الذين يتقنون فن العيش على حساب المستضعفين قلبا وقالبا ،أجادت الكاتبة وصف المكان بأشيائه التي كاد أن يكون لها صوت مرأي فكاننا أمام مشهد يفتح لنا باب البيوت على مصراعيها فتوغلنا عميقا مع الكاتبة الى غرفة المعيشة في بيت حياة وحجرتها ومكان خلوتها وسمعنا صوت اقرانها في الشارع وعلاقتها مع اخواتها والمقارنات التي لا تنتهي عن الذكور والاناث وعن الجمال والقبح الذي يصنعه البشر ويشهرونه سلاحا على الرقاب وتمشينا معها حتى مدرستها وشاغبنا معها حتى أن دمها سال من جبيننا وهي صغيرة وبل وحتى كنا شهداء زور في ليلة دخلتها وقبلها كنا معها في الطريق مرغمة إلى بيت خليل والغبرة تبدأ تسود حياتها من تحت عجلات السيارة والزمن .خليل الذي أرادها فنالها رغم أنف رفضها ولم ترد هي فخاب رجاؤها، وهنا مكمن الوجع هنا تركت لنا الكاتبة أن نتقمص أدوار الشخصيات فكان لنا ان نحكم عليها تبعا لما نقرأه ونعايشه معها فأحببنا حياة وصديقاتها وناصر وكثيرا ما قلنا لا لتصرفات ومواقف رأينا أنها ما كانت يجب أن تكون وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى تأثرنا بشخصيات الرواية فدافعنا عنها وحاربنا ضد شخصيات أخرى فاللغة الرصينة للكاتبة وابداعها في استخلاص الكلمات من طبيعة البيئة التي تنحدر منها جعلت وقع كل حكاية وموقف قويا علينا فانتصرنا للحب وازدرينا تصرفات أم ناصر وأم حياة وموقف أبيها وقسوته وتمنينا لو ختمنا كل فراق بلقاء وتمنينا لو داوينا تلك الجراح ولثمناها وربتنا على كتف أبطالها ،والأجمل أننا تعرفنا إلى مدينة الكاتبة وعرفنا من أين استقت
حواراتها ،فعرفتنا بالدروز ، ومرج العكوب ويوحنا المعمدان وأسماء العوائل كعائلة المجدلاني وحتى أنها خلقت لنا لغة خاصة لنحاكي الكائنات والأشجار والورود وحتى الصبار الذي كان شاهدا على كل ماحدث في مرج العكوب وغيرها من الأمكنة وباختلاف العادات في نفس الوطن الذي كنانحن أيضا فيه فتشابهت أوجاعنا واختلفت مشاربنا مع أننا كنا تحت سقف نفس الخيمة يفصلنا عن بعض سنين من لا معرفة بالآخر لاسباب لا تخفى على أحد ،وعلمنا انتماء الكاتبة من خلال وجهة نظر الشخصيات وتحركاتهم وعلاقتهم بالطبيعة والدين والانسان والقضايا الشائكة وطريق النضال والانتصار لتلك القضايا و الحديث عن الحكم في البلاد والحروب وفلسطين ولبنان وسلطان باشا الاطرش وانتقالها من مشرق الوطن لمغربه وشماله فلم تهمل حتى ان تنسب أصل عمل الحفارة إلى أصحابها ناهيك عن ما كان يؤلم بفعل أن تكون هي من تدفع ثمن بسكوتة ابنها أن تهدي نفسها لخليل الذي يشتهيها وينال منها كلما عنّ له ذلكوكيفما شاء فالنساء حرث الرجال فلهم ان يؤتوا حرثهم أنّا شاؤوا وهي تكتب بطريقة غير اعتيادية عن الشبق الذكوري وتفاصيل الليالي الحمراء الدامعة والرغبات المكبوتة التي كثيرا ماتكون شذوذا لا اخلاقيا كأن لايروى عطشه المنتشي الا برؤية وتخيل امراة اخرى « ارجوان» وهو يمارس العلاقة مع حياة
في الواقع لا يسعني سوى أن أتوقف في نفس اللحظة التي ادرك أنني لا يجب ان اتوقف عن الحديث عن هذه الرواية التي شدتني إلى عمق غائر في الجدل مع نفسي وهوت بي الى أبعد ما وصلت إليه ازاميل الحفارات بحثا عن الماء.
** تمت كتابة هذه القراءة في إطار ورشة (الماء…ذاكرة النساء) التي تنظمها مندي لثقافة السلام وإدارة التنوع.
شارك القراءة