قراءة في الحال والمآل: المشهد السياسي يضع أوهام النخب على  مشجب التاريخ

2
د. أسامة خليل

بقلم: د. أسامة خليل

•  في إحدى رواياته المشهورة يقول الكاتب الأفريقي الحائز على جائزة نوبل في الآداب ويلي سوينكا «نحن الآن في عمق الهاوية وبالطبع لايمكننا السقوط أكثر من ذلك»، هذه المقولة تعبر بشكل صارخ عن حالة التبلبل الفكرى والتخبط السياسي الذي يعترى كثيراً من ممارسات النخب السياسية في لحظات «النزع» والطلق عندما تحين ساعة ولادة الأمم بعد أن تتكامل أدوات التغيير وتتشكل الوعي بأهميته في لحظة الحسم  الثوري. 

  فاللحظة التاريخية الآنية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن  الشعب السوداني بدأ يستشرف أفقاً جديداً تطيح بمسلمات الحقب الماضية التي كانت تعتقل حرية الفرد وتُُفقر معرفته بطرائق التصرف الحر في خلق وعي مغاير تسهم في تنمية العقل الجمعي وتبدع في خلق أنفاق جديدة للحياة بعيداً عن أسر السجون النفسية والعقلية التي يضعها الآخرون أمام وجهات النظر  المختلفة  للتفاعل الخلاق مع مجتمعه والعالم من حوله، من خلال قيادات سودانية تقدم مصلحة الوطن ومواطنه أمام ناظريه و«حواء السودانية ولادة». 

وتبدو للعيان حقيقة الأجساد العارية قبيل انحسار مياه النهر عندما يتحول بعض النخب السياسية والفكرية وقادة الرأي العام إلى مهرجين في مسرحية هزلية يقف العالم كله مشدوهاً أمام الوسائط الإعلامية لمشاهدة فصولها، ورأينا كيف أبدعت القناة الداعمة  في عرض بضاعتها الكاسدة على خشبة المسرح االإعلامي وما ينسجه مستشاروها وخبراؤها من روايات حول طبيعة المعركة التي يخوضها هؤلاء ضد شعب أعزل  تكشفها التقنيات الحديثة بما فيها من مفارقات منطقية بين خيالات المآتة وواقع المعارك والدماء المشاهدة عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر  

      ولايمكن بأي حال من الأحوال أن تكون تلك النخب  المدنية التي  لاتمتلك مشروعاً قومياً أو رؤية سياسية شاملة باعتبارها نشأت في ظروف استثنائية ونشأت في ظل الازمات، دعنا نقول في ظروف غير موضوعية بديلا للقوى السياسية المحترفة للعمل السياسي المنظم التي قدمت أنموذجا لسجلها الأخلاقي ومواقفها الوطنية من خلال الأحزاب كآليات شرعية لبلورة مفاهيم النظام الديموقراطي، فالمشروع الوطني الجامع ضرورة ملحة للعبور  بالبلاد والعباد إلى أفق جديدة إلى حين الاحتكام إلى  صوت الشعب عبر صناديق الاقتراع. 

       وفي قول الكاتب والمسرحي الأمريكي آرثر ميلر»يمكن القول إن حقبة ما انتهت عندما تستنفذ أوهامها الأساسية» ما يؤكد هذه الفرضية وتلك الحالة التي تتملك  المجموعات المتمردة التي جاءت على ظهر دبابة عندما تفقد مبررات وجودها لتتكشف حضورها على المشهد السياسي عن أحزمة  قمعية فاسدة يحميها البلطجية أو الشبيحة في لغة الشوام بسند إقليمي من الوكيل المعتمد، وفي مخيلتها استدامة تغييب العالم من حولهم بالتخفي تحت غلالة رقيقة من الشعارات المهترئة. 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق هو ما  ينتظر  القيادات الجديدة التي أفرزتها المرحلة من تحديات للقفز فوق أزمات الواقع وتجاوز حالة انعدام التوازن التي يعيشها  الشعب السوداني التي تحرر من قيود الحرب حتى نتجنب سيناريوهات  الفوضى الخلاقة وغياب للأمن وارتهان إرادة القيادات البديلة للإملاءات الأجنبية، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال التوافق على مشروع وطني حقيقي بإقامة دولة القانون وتوطين شرعية العدالة والمساواة والعمل المتجرد لتأسيس بنيات سياسية فاعلة تسهم في ترسيخ قواعد الديمقراطية والحرية والشفافية وفقا لقيم الشعب السوداني وتراثه الحضاري الأصيل.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *