البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• تعدُّ الموشحات الأندلسية من أعذب القصائد في تاريخ الشعر العربي، ومن العجيب أنك لن تجد في المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي تعريفاً شاملاً للموشح، بل تكتفي جل المصادر بالإشارة إليه، والبعض الآخر اعتذر عن مجرد ذكره، متعللاً بأسباب ليس هذا موضع ذكرها. وكلمة موشح مشتقة من وشاح، وهي حِلية ذات خيطين يسلك فيهما اللؤلؤ والجوهر.

من أشهر قصائد الموشحات موشحُ (جادك الغيث) لِلسان الدين بن الخطيب، وهو محمد بن عبد الله بن سعيد، من أبرز أعلام الأندلس في الأدب والفقه والسياسة والطب، قضى معظم حياته في غرناطة، وقد نُقشت أشعاره على جدران قصر الحمراء، ولُقب بذي الوزارتين لجمعه بين الكتابة والوزارة.

وهنا نتطرق لأحد أبيات موشحه الشهير، لنستكمل حديثنا عن فسيولوجيا الشعراء. ففي أحد الأبيات البديعة يقول الطبيب الشاعر ابن الخطيب: 

أحور المقلة معسول اللمى 

جال في النَفْسِ مجالَ النَفَسِ  

وجه الاستشهاد قوله (جال في النَفْسِ مجال النَفَسِ)

تتضمن فسيولوجيا التنفس عملياتٍ أساسية منها التهوية الرئوية، التي تتمثل في الشهيق والزفير. تبدأ عملية الشهيق بانقباض العضلات التنفسية، فيؤدي هذا الانقباض إلى اتساع تجويف الصدر فينخفض الضغط داخله، مما يسمح بولوج الهواء عن طريق الأنف إلى داخل الرئتين، حتى يصل إلى الحويصلات الهوائية والشعيرات الدموية الدقيقة التي تحيط بها، وهناك يحدث تبادل الغازات  (الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون)، وذلك في الدم الذي يعد حاملاً للأوكسجين والغذاء وكذلك لثاني أكسيد الكربون والمخلفات؛ يعود الدم المؤكسج من الرئتين للقلب في ختام ما يعرف بالدورة الدموية الصغرى، وبعد وصوله إلى القلب تستهل الدورة الدموية الكبرى بضخ الدم المؤكسج من البطين الأيسر للقلب إلى الشريان الأورطي، ثم يتم توزيعه إلى جميع أعضاء الجسم عبر الشرايين، التي تنتهي عند الشعيرات الدموية ويدخل عبرها الأوكسجين إلى النسيج المعين ثم يصل إلى أعمق من ذلك، فينفُذ إلى داخل الخلية، ويشارك في دورة حمض الستريك أو(دورة كريبس) كما يشار إليها في الأوساط العلمية، والتي تحدث لإنتاج جزيئات الطاقة داخل الخلية، ثاني أكسيد الكربون الذي أُطلِق جرَّاء الدورة الحيوية آنفة الذكر يغادر النسيج بواسطة الشعيرات الدموية أيضاً، ليُحمل على الأوردة المختلفة ويُساق إلى القلب، الذي بدوره يضخه إلى الرئتين عن طريق الشريان الرئوي، وحينها تتقلص عضلات القفص الصدري، وينبسط الحجاب الحاجز، فيزيد الضغط داخل الرئتين تبعاً لذلك، فتلفظُ الرئتان الهواء خارجاً بالزفير، ليخرج هذا النفس من مسار دخوله وقد جال في جميع الجسد وبلغ أقصاه بعد أدناه.

وهو ما شبَّه به ابن الخطيب سريان حب محبوبته الحوراء معسولة اللمى في نفسه، مستعملاً أسلوب الجناس الناقص بصورةٍ لا تقل بهاءً عن التشبيه.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *